مقالات

عندما يصبح النظام السياسي قاتلاً متسلسلاً ماهي خطة العمل؟

الكاتب/ة صالح الفالح | تاريخ النشر:2025-07-20

إذا علم الناس بوقوع جريمة قتل، ناهيك عن وجود سلسلة من الجرائم، في منطقتهم فإن النتيجة الطبيعية هي اللجوء إلى أجهزة الأمن للإبلاغ عنها حتى يتم إلقاء القبض على المتورطين ومن ثم تقديمهم للعدالة لأجل استتباب الأمن الذي هو الشرط الأساسي للتنمية المستدامة، وتلك المهمة هي أبسط واجبات النظام السياسي. لكن المشكلة هي عندما يكون النظام السياسي هو المجرم الذي يتعمد قتل الناس بدم بارد خارج سلطة القانون من خلال استدراجهم ليواجهوا مصيرهم المحتوم على أيدي عصابات من المجرمين المحترفين، أو من خلال استغلال الأجهزة الأمنية و ”المحاكم” السريّة التي تصدر أحكاماً بالإعدام على متهمين في قضايا سياسية دون مراعاة أبسط قواعد المحاكمة العادلة. فالمتهم حين يتم إلقاء القبض عليه يُودع في زنزانة انفرادية في عزلة تامة عن العالم الخارجي في معتقلات “أمن الدولة”، ثم تقوم “دائرة الأمن الوطني” بالنيابة العامة بالتحقيق مع المتهم دون حضور محامٍِ، أما التهم والحكم النهائي بالقتل أو السجن الطويل لعشرات السنين فقد أصدره “صاحب الصلاحية” قبل إلقاء القبض على المتهم أصلاً. وما إجراءات التقاضي إلا مسرحية سمجة لا قيمة لها حتى وإن أعلن النظام السياسي أن المحاكمات تتم وفقاً لتعليمات “الشريعة الإسلامية” وما تلك إلا محاولة مكشوفة لإضفاء الشرعية على جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها نظام سياسي مجرم ضد شعب مستضعف.
إن الهدف الأساسي من الإعدامات السياسية هي إرهاب الشعب حتى لا يطالب بحقوقه المشروعة، وقد تدرج النظام السياسي في سياسات القمع ابتداءً بمطالبة المتهم بالتعهد بعدم الكتابة والحديث، ثم أصبح النظام يتعمد محاربة المواطنين بالفصل من العمل للتضييق عليهم في أرزاقهم. عندما سكت الناس عن رفع الظلم تمادى النظام إلى سجن الناس بضعة أشهر، ثم تجاوز ذلك إلى إصدار أحكام بالسجن بضع سنين ثم عشرات السنين. وعندما شعر النظام السياسي أن الشعب قد شب عن الطوق ضاعف أحكام السجن على المثقفين ونشطاء حقوق الإنسان إلى مدد طويلة وصلت في بعض الحالات إلى أكثر من نصف قرن ومدد مماثلة منع من السفر حتى لا يصبح أولئك المثقفون معارضون في الخارج. وعندما شعر النظام السياسي بالخوف طفق بإصدار أحكام إعدامات بالجملة على مجموعات من الأفراد الذين قد لا تربطهم أية علاقات سابقة لأجل إيهام الرأي العام بأنهم خلايا إرهابية حيث توجه لهم التهم نفسها ويعرضون على محكمة سرية، تعرف بالمحكمة الجزائية المتخصصة، تديرها رئاسة أمن الدولة من تعيين “القضاة” إلى إصدار الأحكام السريّة التي تأتي إلى اللجنة القضائية في ظروف مغلقة وتتم طباعتها على أوراق بيضاء عادية لا تحمل شعارات المحكمة. وجميع تلك الإجراءات الاحترازية التي تتخذها السلطات في محاكمة وتجريم الأبرياء تؤكد أنه لا توجد قضية موجبة للتوقيف أصلاً سوى رغبة صاحب الصلاحية في البطش ومصادرة حرية الرأي والتعبير.
لقد طالت الإعدامات السياسية أشخاصاً أبرياء، ليس لديهم أية نشاطات سياسية، تم إخفاؤهم قسراً في السجون الانفرادية القاسية لسنوات طويلة بعيدا عن أسرهم، ليتفاجأ ذووهم بإعلان خبر الإعدام دون معرفة عرضهم على المحكمة أو الحكم الصادر ضدهم. بل إن هناك حالات معينة صدر بحق بعض المتهمين حكم بالسجن لسنوات، ومن ثم يتم نقض الحكم بالسجن واستبداله بالإعدام حسب رغبة صاحب الصلاحية. كما أن هناك حالات أخرى توفي فيها معتقلون سياسيون داخل السجون في ظروف غامضة يٌروج لها أنها وفاة طبيعية، وآخرون قضوا بعد خروجهم من المعتقلات بفترات قصيرة فيما يبدو أنها تصفية سياسية وفق خطة محكمة. وفي المحصلة النهائية جميع تلك الممارسات تعكس حقد دفين على أبناء الشعب لا يمكن تبريره إلا أن هذا النظام القمعي لا يعبأ بأرواح الناس. لكن السؤال المهم كيف يمكن مواجهة تغول النظام السياسي واستهتاره بأرواح الناس؟
لعل الخطوة الأولى هي رصد جميع تلك الإعدامات السياسية بأسماء الضحايا والتهم المعلنة وأسماء القضاة الذين أصدروا الأحكام وأعضاء النيابة العامة المتورطون سواء في مرحلة التحقيق أو تولي مهمة الادعاء أثناء المحاكمة. وهذا الإجراء مهم في مرحلة العدالة الانتقالية التي ستحدث قريباً، والتي يتم فيها القصاص العادل من المسئولين عن تلك الجرائم بحق أبناء الشعب، ويجب التأكيد هنا أنه لن يفلت أحد من العقاب مهما بلغت مرتبته في النظام السياسي بعد إلغاء الحصانات الممنوحة لتلك المنظومة المجرمة. بالإضافة إلى ذلك فإن توثيق جرائم القتل الشنيعة التي نفذها النظام باستخدام آليات القضاء الفاسد يمكن تقديمها للمنظمات الدولية وعرضها في المحافل الدولية لأجل فضح الانتهاكات الممنهجة التي يمكن إثباتها كجرائم ضد الإنسانية.
يجب على أسر الضحايا عدم السكوت عن تلك الجرائم الشنعاء، لابد من إيصال جميع الحيثيات المتعلقة بالقضية للمنظمات الدولية وآليات حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ليتضح للعالم بأسره فداحة انتهاكات حقوق الإنسان والسجل المروع لهذا النظام المجرم الذي استباح دماء الناس وأرواحهم. وفي هذا الصدد يقع عبء كبير على المثقفين والمحامين في البلد لأن السكوت مع القدرة على رفع الظلم عن الناس يجعلهم شركاء في الجريمة، كما أنه يجب على جميع القضاة العاملين في السلك القضائي، وليس العاملين في المحكمة المتخصصة فحسب، تقديم استقالاتهم حتى لا يلحقهم عار تلك الجرائم بعد أن تنقشع هذه الحقبة المظلمة من تاريخ البشرية.
وعلى وجه التحديد، هناك واجب كبير مناط بالمعارضين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان الموجودين في الخارج لتسليط الأضواء على ملف الإعدامات السياسية والتشهير بالمشاركين فيها من عناصر أمن الدولة وأعضاء النيابة العامة والقضاة القساة الذين ماتت ضمائرهم، والذين باعوا أمانتهم بثمن بخس. ويجب التوضيح هنا أن المعلومات المتعلقة بالإعدامات السياسية متاحة ولا يمكن إخفائها أو طمسها، وسيأتي اليوم الذي تخرج فيه جميع هذه السجلات السوداء إلى العلن بعد أن تتغير الظروف السياسية الحالية. كما يقع على رجال الإعلام المقيمين في الخارج واجب كبير في إثارة هذه القضية في الإعلام العالمي وفضح السجل الأسود للإعدامات والقتل خارج سلطة القانون، لأن تسليط الأضواء على هذه السلوكيات الإجرامية من شأنه أن يرفع كلفتها على النظام مما يمثل ضغطاً كبيراً عليه لتغيير ممارساته القمعية في مواجهة أبناء الشعب.
وعلى المهتمين بالشأن العام من الشعب الانخراط في عمل جماعي سلمي للمطالبة بالحقوق السياسية لأن من شأن ذلك أن يقلب موازين القوى ويمنح الشعب نوعاً من القوة في مواجهة النظام السياسي، فالتحرك الجمعي لأبناء الشعب سيحمي الأفراد من الممارسات القمعية للنظام الذي يستخدم سياسات فرق تسد ويجيد اللعب على التناقضات الطائفية والمذهبية والمناطقية. ولا ضير من المطالبة بوقف الإعدامات ليس في القضايا السياسية فحسب، بل وحتى في القضايا الجنائية، حتى تأكيد إصلاح النظام القضائي وضمان استقلاليته من تدخلات السلطات القمعية المندفعة نحو البطش بأفراد المجتمع.
وفي الختام فإن تضافر جميع تلك الجهود والخطوات العملية المذكورة أعلاه سيبعث برسالة إلى رأس السلطة القمعية الذي يقوم بتوقيع قرارات تنفيذ الإعدامات الجماعية بأنه مسؤول عن تلك المجازر حتى وإن أعتقد أنه محصٌن بقوة النظام وباختفائه وراء الأجهزة الأمنية والعدلية التي يستغلها في مشروعه الإجرامي، وحينها سيتضح له أن الظلم والحرمان من الحقوق والاعدامات التي يمارسها ضد الشعب سيكون لها حساب مهما طال الزمن.