يسألنا الناس من داخل السعودية أحيانًا: ”ما دورنا في التغيير؟ هل نخرج للمظاهرات؟“، التساؤل الأول قد يطرأ على أي إنسان يريد تغيير واقعه بصورة مباشرة، وأما الثاني عززه من يرى نفسه قائدَ المشهد، فيحِثَُ الناس على الخروج للمظاهرات ظنًّا منه أن التغيير ممكن بهذه الطريقة ومن خلالها، لكن هل يستطيع تغيير ما سعى النظام لعقود طويلة على هدمة من قيم ومبادئ، وبث النعرات والشكوك بين فئات المجتمع وصنع دين خاص لهم وهوية هشة جديدة مفروضة عليهم؟
لا يمكن أن نتجاوز ذلك دون أن نفهم تركيبة المجتمع وكيف استطاع النظام أن سيطر عليه بمختلف شرائحه، فكيف تريد أن يثق بك المجتمع وأنت تتقاطع مع النظام في وجوب طاعتهم للحاكم المتغلب واستحلال دم من يعبر عن اعتقادٍ مختلف وسلبِ حقوق الناس على أساس الاختلاف الجندري.
ومثلما علينا فهم تركيبة المجتمع، علينا أن نفهم تركيبة هذا النظام الذي لا تنفصل تركيبته عن المجتمع، فلو استطاعت السلطة أن تغير شيء من تركيبة المجتمع وأن تفرض عليها سيطرتها وتفهمه أكثر من فهم بعضٍ منا له، لا بد علينا أن نتجاوز السلطة في ذلك، وأن نتعاون مع رفاقنا في الداخل لتغيير واقعنا، والأهم ألا يعتقد الناشط في الخارج أن ما يتاح له من مساحة أوسع للحرية يجعله أشجع وأذكى من نشطاء الداخل وأكثر استعدادًا للتضحية، فيصبح يتعامل معهم بفوقية ويستهين بعملهم ويحثهم بالإعابة على المزيد من التضحيات، أو على مغادرة البلاد حينما يكون وجوده في الداخل أكثر فائدة له وللوطن والناس وقد يكون خروجه أكثر مضرةً أو لا نتائج حميدة له.
ولكن السؤال يظل في مكانه، ما دور الناس في الداخل؟
هو دورٌ لا بد منها ولا يستهان به، ولكل منا قدرات خاصة تمكنه من استخدامها للتغيير، سأحاول تلخيصها في ثلاث نقاط بحسب الأولوية والأهم.
أعظم نقطة وأخطر منزلق وقع فيه الكثير ظنًّا منه أن الغاية النبيلة تبرر له الوسيلة الخسيسة، وإن اختلف الناس في معنى ”الوسيلة الخسيسة“ وتقييمها، فما يجب أن يتفق عليه هو رفض الظلم جملةً وتفصيلًا، وأسهل الوسيلة وأولها هو تجنب المساهمة بتعزيز الظلم بالمشاركة فيه ولو بتبرير الفعل أو التبرير للفاعل، فإن كان التصريح برفض هذا الظلم قد يتسبب باعتقالي، فما يزال بوسعي أن أرفض تبريره، فهذه السلطة لم يكن هدفها خدمة الشعب ولا حفظ مصالحة ولا حفظ أخلاق أو تكريس مبادئه، بل أغلب ما تقوم به إما ذو قصدٍ فاسدٍ أو يشوبه الفساد مهما حاولت تبرير ذلك وتلميعه، ومصالحنا لن تتقاطع يومًا معها، فنجاحها مبني على نهب الحقوق والثروات، ولا يمكن أن نثق بها يومًا ونحتار بمقاصد عملها.
بعد أن فرضت السلطة سيطرتها على الوطن، وبنت منظومتها باسم الدين وأقامت سياساتها كدين واجب على الجميع اتباعه، وهدمت كافة أشكال المؤسسات المدنية وعززت النعرات الجاهلية والعنصرية وسلبت الحقوق ورعت الخصومات الاجتماعية ووظفت شتى الوسائل لإشغال الناس بعضها ببعض، بمنح السلطة لهذا أو ذاك لتميله لصفها ليقمع غيره وينحرف عن مسار مواجهة السلطات إلى مواجهة الطرف الأضعف.
لقد فشل النظام لأكثر من 90 سنة في بناء دولة مدنية تحفظ الحقوق وتقيم العدل، ولهذا فعلينا أن نواجه هذا بالوعي و الأخلاق والضمير، وأن نبدأ من أنفسنا وأن ننسلخ عن كافة تلوثات ما زرعته فينا السلطة، فلا يمكن أن نواجهة سياسة النظام ونحن نتشارك معه في ذات الأخلاق، كأن نرى أننا أرفع منزله من غيرنا، وأكثر حق منه.
لا بد أن نزرع في أنفسنا وفي أحبابنا روح العطاء والتعايش والرحمة وحب الخير والتطوع، ونكسر كافة المعوقات الاجتماعية التي زرعها فينا النظام، نكسرها بالوعي أولًا حتى يتسهل التغيير.
”ثورة الوعي“ كل منا بحسب استطاعته فالأب يزرعها في روح أبناءه، والمعلم مع طلابه، والشاب مع أصحابه، حتى نكون متجاوزين لكل المعوقات الاجتماعية التي تحيل بيننا وبين تغيير حالنا حتى يصل إلى التغيير السياسي، ونحاول بناء المؤسسات المجتمع المدني التي لا تتدخل مباشرة في مواجهة انتهاكات السلطات، والتطوع في ذلك وأن ننشر هذه الثقافة ولا نستهين بالقليل، ولو كان العمل لبناء جمعية تهتم بالبيئة أو الحيوان، فمن يرأف بالحيوان من باب أولى أن يدعم حق الإنسان وأن لا يساهم بتعزيز الظلم.
لكل منا صفات تميزه عن الآخر ولا يشترط أن جميعنا نقوم بنفس العمل، فأنظر إلى ذاتك وما تتميز به وما تستطيع تقديمه للوطن وللناس مع أخذ الحيطة والحذر. رب أحد يعمل في مكان حساس يستطيع من خلاله إيصال الأخبار والمعلومات عن الانتهاكات التي تقوم بها السلطات وما يحدث في الداخل وإيصالها إلى الرفاق في الخارج لمقاومة تلك الانتهاكات عبر حملات الضغط، فما تراه اليوم من أعمال يقوم بها النشطاء والمؤسسات المدنية في الخارج يقف خلفها الأبطال المجهولين في الداخل.
وختامًا، إن تجارب الثورات العربية لا يمكن إسقاطها على الدول الريعية والتي تكون فيها العوائل الحاكمة هي المالكة لشبكات الريع وتوزيعها والتي أنتجت منها هذا الجمود السياسي والإجتماعي الذي نراه، فلابد علينا من إعادة النظر خاصة بعد التحول الجديد للدولة التي توضح في رؤية 2030، ليسهل علينا فهم عملية التغيير.