أخبار

3 أسباب وراء صمت السلطات السعودية عن الرد على إساءة السفير البريطاني الأسبق

تاريخ النشر:2023-09-13

في دلالات واضحة على الضعف والعجز وقلة الحيلة، التزمت السلطات السعودية الصمت وأعرضت عن رد إساءة سفير بريطانيا الأسبق لديها بين عامي 2003 إلى 2006، شيرارد كوبر كولز، للعرب بقوله إن "العقل العربي فارغ بالمقارنة مع نظيره الصيني"، وإعرابه عن ندمه تعلم اللغة العربية بدلا من الصينية، وزادت على صمتها بالإيعاز لكتابها للدفاع عن موقفها.

إساءة السفير البريطاني الأسبق وقعت أثناء حديثه مع طلاب في حفل عشاء بجامعة أكسفورد في يوليو/تموز 2023، لكن القضية تفجرت منذ منتصف أغسطس/آب، وبدأت الصحف البريطانية تسلط الضوء على تصريحات كولز، ووصفتها بالعنصرية، مع إرفاقها بتصريح منه قال فيه إن "هذه التعليقات انتقائية وأخرجت من سياقها".

وحظي شيرارد بشعبية كبيرة أثناء عمله الدبلوماسي بالمملكة، ونال ثناء وإشادة كبيرة من وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل، وأهداه صقران هما نور والوليد، عند مغادرته الرياض لتولي منصب سفير بريطانيا في أفغانستان، وتقلد في سبتمبر/أيلول 2015، وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، تقديرا لجهوده بأمر ملكي من سلمان بن عبدالعزيز.

وشيرارد يشغل منصب رئيس العلاقات العامة في بنك إتش إس بي سي، ورئيس مجلس إدارة المجلس البريطاني الصيني للأعمال سي بي بي سي، وسبق تنصيبه سفيرا لدى الكيان الإسرائيل المحتل، وأفغانستان، ويلقبه السعوديين بـ"أبو هنري".

و"إتش إس بي سي" أحد أكبر البنوك الخارجية في السعودية، ويمتلك 31% من أسهم "البنك السعودي البريطاني"، ويعمل به حوالي 200 مصرفي، ويعقد سنويا في الرياض حدثا للخريجين من أجل تعويض موظفين محليين يغادرون البنك لشغل وظائف حكومية عليا أو مناصب عليا في شركات منافسة.

عنصري مغرور

ووصف مراقبون شيرارد بالعنصري الوقح والمغرور، وتسائلوا عن موقف الحكومات العربية الرسمي والدبلوماسيين وكبار الساسة، من إساءة السفير البريطاني الأسبق لدي السعودية، وأسباب صمتهم وعدم تلجيمهم له، مستنكرين إساءة السفراء والمسؤولين الغربيين للدول العربية بعد تقاعدهم والتزامهم بمصالح أخرى وبحثهم عن علاقات جديدة.  

ويمكن تفسير الصمت السعودي على إساءة الدبلوماسي البريطاني الأسبق بأن السلطات تتجنب الصدام مع "خازن أسرار" الملوك والأمراء، وترد جميل مسؤول الصفقات السعودية البريطانية المشبوهة التي تم تمريرها إبان فترة عمله سفيرا بالرياض، وتتحاشى تعكير العلاقات السعودية الصينية كون تصريح شيرارد يحمل تملق لبكين على حساب الدول العربية.

وليست هذه المرة الأولى التي يبرز فيها شيرارد تملقه للحكومة الصينية، إذ اتهم حكومة بلاده بأنها "ضعيفة" لامتثالها لمطالب الولايات المتحدة بخفض العلاقات التجارية مع الصين، وذلك في مناقشة مائدة مستديرة خاصة شارك فيها وجهات نظره الشخصية -بحسب دفاعات قدمها المتحدث باسم بنك إتش إس بي سي- عن موقف ممثله.

واعتذر شيرارد عن تصريحاته، قائلا: "كنت أتحدث في تجمع خاص بموجب قاعدة تشاتام هاوس، ولا تعكس تعليقاتي الشخصية وجهات نظر إتش إس بي سي أو مجلس الأعمال البريطاني الصيني، أعتذر عن أي إهانة حدثت".

وبكلمات مشابهة، برر إساءته للعرب في تصريح لجريدة ديلي ميل البريطانية، في 13 أغسطس/آب 2023، قائلا إن تصريحاته جاءت في إطار ملاحظات شخصية في جلسة خاصة حول سبل زيادة التفاهم مع الصين، وأنها لا تعكس وجهات نظر اتش اس بي سي أو سي بي بي سي.

وعلى خلفية الغضب الذي أثاره شيرارد بإساءته إلى العرب، أفادت وكالة بلومبرج الأميركية، بأنه يستعد للتنحي عن منصبه كرئيس لمجلس الأعمال السعودي البريطاني المشترك في سبتمبر/ أيلول الجاري، إذ قرر عدم الترشح لإعادة انتخابه مديرا لقسم المملكة المتحدة في المجلس خلال الاجتماع العام السنوي القادم للمجموعة.

صفقة اليمامة

وأرجعت تقارير صحفية بينها تقرير لصحيفة الاستقلال بعنوان "تقاعد ذهبي.. كيف تحولت السعودية إلى جنة للدبلوماسيين البريطانيين؟" منح الملك سلمان لشيرارد وسام من الدرجة الأولى دون غيره من الدبلوماسيين الذي شغلوا المنصب ذاته، إلى دين كبير فعله عندما كان سفيرا بوقوفه في مواجهة مكتب مكافحة الاحتيال الخطير ووقفه التحقيق في صفقة اليمامة.

وأوضحت أن صفقة "اليمامة" تورط فيها كبار السياسيين البريطانيين والسعوديين، وهي سلسلة من صفقات شراء ضخمة بشكل غير مسبوق لأسلحة بريطانية من قبل الحكومة السعودية، وكان الاتفاق أن يجري دفع مقابل تلك الأسلحة بالنفط الخام، حيث يحول 600 ألف برميل منه يوميا للحكومة البريطانية.

وكتبت صحيفة الديلي ميل تقريرا في 2016، كشفت خلاله الطريقة التي يجني بها الدبلوماسيين الغربيين في الشرق مكاسب طائلة، موضحة أن كولز حصل على وظيفة بشركة BAE Systems - متعددة الجنسيات المتخصصة في الصناعات الجوية والدفاعية بلندن - المتورط الأول في صفقة اليمامة-، والتي ساعد في وقف التحقيقات حول رشوتها سعوديين.

وبرأته اللجنة الاستشارية لتعيينات الأعمال "Acoba" مع إيقافه لمدة عامين بسبب ضغوط زملائه السابقين في الحكومة، وأحيل إلى التقاعد المبكر من وزارة الخارجية عام 2010 وغادر شركة BAE Systems في 2013، وشغل منصب كبار المسؤولين التنفيذيين في بنك اتش اس بي سي.

وفي صفقة "اليمامة"، باعت بريطانيا بموجبها طائرات مقاتلة للمملكة في ثمانينيات القرن الماضي، ورفعت السرية عن وثائق محفوظة في الأرشيف الوطني البريطاني في 2016، أظهرت الدور الشخصي الذي لعبته أيضا رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك، مارغريت تاتشر، لتأمين الصفقة الأكبر والأكثر إثارة للجدل في المملكة المتحدة.

ويملك السفير البريطاني السابق منزلا تبلغ تكلفته مليوني جنيه إسترليني في غرب لندن.

خازن الأسرار

وإذا كان التجاهل السعودي لعنصرية شيرارد ترجع وفاء لدينه في إيقاف صفقة اليمامة، فربما أيضا لما لديه من سجل عامر بأسرار الملوك السعوديين والأمراء، كتب عنها في مذاكراته التي نشرتها صحيفة التايمز البريطانية تحت عنوان "أسرار دبلوماسي" كشف فيها عن قصة لقاء جمع بين الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، والملكة إليزابيث الثانية في اسكتلندا.

وقال إن عبدالله تلقى في سبتمبر/أيلول 1998، عندما كان وليا للعهد، دعوة لزيارة الملكة في قصر بالمورال باسكتلندا لتناول طعام الغداء معها، ثم سألته إذا كان يرغب في جولة؟ ووافق بتشجيع من وزير خارجيته سعود الفيصل، فأحضرت سيارات لاند روفر أمام بوابة القلعة، وركب عبدالله في المقعد الأمامي للسيارة ومترجمه الفوري في المقعد الخلفي.

وأوضح شيرارد أن عبدالله دٌهش عندما رأى الملكة إليزابيث تجلس في مقعد السائق وتنطلق بالسيارة، ولم يكن لديها رخصة قيادة، ولا يتطلب منها استخراجها كونها ملكة، مشيرا إلى أن عبدالله زاد توتره عندما زادت الملكة، التي عملت سائقة في الجيش في زمن الحرب، سرعة السيارة على طول الطرق الضيقة في اسكتلندا، وهي تتحدث طوال الوقت".

وأفاد بأن عبدالله وطلب منها من خلال مترجمه أن تبطئ وتركز على الطريق بالنظر إلى الأمام؛ ووفقا لتواريخ الأحداث التي كشفها الدبلوماسي البريطاني فإن تلك الواقعة حدثت في الوقت الذي كانت السلطات السعودية ترفض فيه السماح للنساء بقيادة السيارات في المملكة.

تملق الصين

الكاتب مالك التريكي، أشار في مقال له بصحيفة القدس العربي، تحت عنوان "أبو هنري أولا: دبلوماسية العقل الأجوف" إلى أن السير شيرارد ألقى خطابه في أوكسفورد بصفته رئيسا للوبي "مجلس الأعمال البريطاني ـ الصيني"، قائلا إن التفسير واضح وهو إن لهذا الرجل، الذي ندد البريطانيون أنفسهم بعنصريته، قصة غزل علنية مع الصين.

وأضاف أن مصالح شيرارد الشخصية ومصالح مؤسسته البنكية واللوبي الذي يرأسه وحرصه على تشجيع الطلاب البريطانيين المتفوقين على الاهتمام بالصين والتفاعل معها خصوصا في مجالات الاقتصاد والأعمال، كل ذلك حمله على أن يتملق "العقل الصيني" من خلال ذم "العقل العربي".

وهنا تجدر الإشارة إلى أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة، وتبادل زيارات رسمية على أعلى المستويات، تخللها إبرام صفقات اقتصادية وتعزيز للعلاقات السياسية والعسكرية ونموا متسارعا في مختلف المجالات الأخرى، وعقد مؤتمرات نتج عنها توقيع اتفاقيات مليارية، والإعلان عن طريق حرير عصري جديد بين الصين والعالم العربي.

وخلصت دراسة لمركز البيان للدراسات والتخطيط عن العلاقات الصينية السعودية، قدمها الدكتور مصطفى الدراجي، إلى أن التطور الكبير في العلاقة بين المملكة والصين سيزداد نتيجة عدة عوامل، أهمها أن الصين محكومة بعلاقة براغماتية نخبوية تقتصر مع الحكومة ورجال الأعمال دون النظر إلى الشعب.

وأوضحت أن من بين العوامل أن المملكة تدرك أن نفوذ الصين في تطور المستوى العالمي عبر الدول التي تقع على خط مبادرة الحزام والحرير، كما تسعى المملكة لتكون جزء من هذا الطريق وشريك تجاري استراتيجي للصين، وسيكون القرار السعودي في الاتجاه نحو تنويع علاقاته السياسية والاقتصادية والأمنية والانفتاح على الصين كقوة اقتصادية كبيرة.

السعودية تدافع

الدبلوماسي البريطاني الذي انتقد العقل العربي، كتبت عنه صحيفة الشرق الأوسط المحسوبة على السلطات السعودية تقريرا في مايو/أيار 2005، قالت إنه كان يشرب حليب الإبل ويهوى "البراري" ويعشق الأكلات الشعبية ويتقن العربية ويستخدم "العامية"، ويظهر حبه الشديد للاستمتاع بثقافة المجتمعات التي يبقى فيها دبلوماسيا لبلاده.

وأشارت إلى أن شيرارد يحب مناداته بكنيته «أبو هنري» أكبر أبنائه في ملمح جميل على التناغم مع البيئة العربية التي يفضل فيها الرجل العربي بمناداته باسم أكبر أبنائه التي تشير إلى كثير من الاحترام والتقدير عوضا عن ذكر اسمه الأول وهو الأمر الذي ينعدم تماما في المجتمعات الغربية.

وعادت صحيفة الشرق الأوسط التي توصف في الأوساط الصحفية وبين الأكاديميين بأنها صحيفة "صهيونية" بثياب عربية، لتولي مهمة الدفاع عن الدبلوماسي البريطاني، وتبرير صمتها عن الرد على إساءته والدفاع عن "العقل العربي"، وذلك من خلال مقال للكاتب عبد الرحمن الراشد، رفض فيه وضع إساءة شيرارد في إطار "العنصرية".

الراشد نعت في مقال نشره منتصف أغسطس/آب 2023، بعنوان "السفير الذي وصف العرب بنقص العقل"، من يطالبون بالانتقام من رئيس أشهر البنوك البريطانية الدولية وأقدمها، بأنهم "أصوات متطرفة إيرانية وممانعية، وجامعو المتابعات من خلال الإثارة، وبالطبع أهل النخوة من دون تأنٍّ".

وقدم أربعة نصائح للتعامل مع القضايا الجدلية، تدعو للتشكيك والتسامح مع المسيئين، ورأى أن كلام "أبو هنري" غير لائق، لكنّ الأمر لا يستوجب الاستنفار الشعبي والحكومي والتجاري وإعلان الحرب عليه، زاعما أن أميركا وبريطانيا مستباحة في الإعلام السعودي بالنقد ولم يبال أحد بما يقال.

المصادر

مسؤول بارز في إتش إس بي سي يعتذر عن تصريحاته بأن بريطانيا "ضعيفة" لامتثالها لمطالب واشنطن

سفير بريطـانـي سابـق يتطاول على العرب بتصريحات عنصرية

السفير الذي وصف العرب بنقص العقل

سفير بريطانيا لدى السعودية يحب مناداته بـ«أبي هنري»

أساء للعرب.. رئيس مجلس الأعمال السعودي البريطاني يعتزم التنحي

وسام الملك عبد العزيز للسفير البريطاني السابق لدى السعودية شيرارد كوبر كول

 تقاعد ذهبي.. كيف تحولت السعودية إلى جنة للدبلوماسيين البريطانيين؟  

ديلي ميل:كيف يجني الدبلوماسيون الغربيون في الشرق الأوسط مكاسب طائلة؟

اعتذار مسؤول في إتش إس بي سي عن تصريحاته بشأن انصياع بريطانيا لأمريكا