رفض العضو المؤسس لحزب التجمع الوطني يحيى عسيري، الإساءة والهجوم على صحفي قناة الجزيرة ومراسلها من داخل قطاع غزة وائل الدحدوح، بعد خروجه من القطاع ووصوله إلى العاصمة القطرية الدوحة في 16 يناير/كانون الثاني 2024، على متن طائرة إجلاء قطرية استقلها من العريش بعد خروجه من معبر رفح الحدودي.
وكتب سلسلة تغريدات دونها في 23 يناير/كانون الثاني 2024، فند فيها دوافعه لرفض المزايدة على الدحدوح والإساءة له، وأجاب فيها على تساؤلات عدة ترددت الأيام الماضية وأثارت الجدل، منها: "لماذا خرج وائل من غزة وترك أرضه وداره بعد أن استشهد فيه أفراد من عائلته؟ وهل هذا هو نموذج البطل الذي صوره ملأت كل مكان؟".
وقال عسيري: "لا شك أن ما تعرض له الدحدوح مُصاب عظيم، لا يتحمله إلا أولي البأس الشديد، ليس فقط في أهله وأسرته، بل في وطنه الذين كلنا تعبنا مما نرى عبر نقله هو ورفاقه، ومن يشاهد بنفسه ليس كمن يُنقل له، هذا بالإضافة إلى أنه ليس ناقلٌ فقط، بل ناقلٌ ومن أهل القضية، وليس صحفي فقط".
وأضاف: "أنا أفهم الفرق في هذا جيدًا، وأراه مع الأصدقاء في العمل الحقوقي، من يعمل على قصة تعذيب أو إعدام أو سجن فلابد أن يشعر بالتعب النفسي، ولكنه إذا كان لأشخاص تعرفهم، فالأمر أصعب، فأصدقائي في عملي تكون بعض القصص عليهم صعبة، ولكنها عليّ تكون أصعب وأنا أعرف الضحايا وأعُدهم رفاق وأحباب".
وأوضح عسيري، أنه يستشعر هذا وهو يرى الصحفي الفلسطيني، أو المصور، أو المراسل، أو الطبيب، وهو يتعامل مع أهله، مؤكدا أن "الفارق هنا كبير جدًا وإن اجتزأت قضية زيادة المعاناة إذا كنت تعرف الضحايا، إلا أنني أعمل في بيئة آمنة، ليست بيئة الضحايا، بالإضافة إلى ما ذكرته مرارًا من أن الاستبداد ليس كالاحتلال".
وجزم بأن القصة في فلسطين خارج نطاق المقارنة، إذ يتعرضون إلى حرب وحصار واحتلال ودماء ودمار، وفوق هذا خذلان، بل غدر من القريب والبعيد، جازما بأن من يعمل في هذه البيئة يواجه ظروفًا في غاية الصعوبة وتصعب على الوصف، وبهذا فإن الظروف والأوضاع والأحداث التي عاشها الدحدوح تفوق الوصف.
وقال عسيري: "لا شك أن الدحدوح واجه ذلك بصمود لا يمكن وصفه إلا بالعجيب، وأنه ثبت ثبات جبال مكة، وأنه كان ينقل الخبر الذي هو، فكان ناقل الخبر هو الخبر، تحلى بصبر وثبات لا أظنه إلا تثبيت من الله سبحانه، وكان العالم شاهدًا على مُصابه وشاهدًا على ثباته وصبره وقوته، ولهذا كان أيقونة".
وتابع: "من الواضح جدًا أن الاحتلال كان يستهدف الصحفيين وكل ناقلي الحقيقة، وإن كان يستهدف كل فلسطيني، ويستهدف البشر والحجر، ويستهدف الحياة، إلا أن تركيزه على صوت الحقيقة كان واضحًا، وهذا من إمعان الاحتلال في إجرامه، فهو يريد أن يقتل دون أن يقاومه أحد، ليست فقط المقاومة العسكرية التي ترعبه، بل المقاومة السياسية ترعبه".
وأضاف العضو المؤسس لحزب التجمع الوطني، أن الاحتلال يريد ساسة للتنسيق الأمني فقط، والمقاومة الحقوقية ترعبه، والمقاومة الإعلامية ترعبه، ولذا هو يمعن في استهداف الإعلاميين، مؤكدا أن الاحتلال كان يستهدف الدحدوح وينوي قتله كما قتل الصحفية شيرين أبو عاقلة رحمها الله وزعم أنه "عن طريق الخطأ".
وعن السؤال الذي يتردد عن "هل خروج الدحدوح من غزة إلى قطر عمل مقبول؟"، قال: "قبل الإجابة -البديهية- أذكر أن تويتر مليء بالمزايدات، وبالكلام الفاضي من أناس لم يصمدوا أمام المستبد بكلمة واحدة، أرعبهم المستبد بسجونه وبتعذيبه فتحولوا إلى قطعان نابحة على كل حر، فزايدوا ونسوا من يكونون".
وأشار عسيري إلى أن أحدهم نشر صورة للدحدوح وهو في المشفى وبجانبه ثامر المسحال مدعين أنه ابنه، معلقا بالقول: "إن كنت أوافق على وسامة ثامر وأنه يبدو أصغر من عمره، إلا أنني لا أوافق على أنهم ظنوه ابن وائل! فهم يكذبون بقصد وتعمد، ولا أجد مبررًا لهذه الإساءة إلا انحيازًا للاحتلال، ومحاولة لقتل الدحدوح وكل مقاوم، معنويًا إن لم يكن جسديًا".
ولفت إلى أن هؤلاء جندوا أنفسهم في معركة مليئة بالمظالم ليكونوا فيها مع الباغي المجرم اللعين، وهم في صفوف الاحتلال ذباب، موضحا أنه رأى من أبناء الشعب السعودي من يكتب في الدحدوح أجمل العبارات، ويقول فيه شعرًا ونثرًا، ومنهم من قد لا يتفق معه على الموقف من الاستبداد، "ولكن كفى بيننا أن نتفق على الموقف من الاحتلال".
وأضاف عسيري أن "كل شعبنا الحر -قطعًا- ضد الاحتلال، عدا قطعان موجهة لا تمثل إلا من وظفها وأطلقها"، وخلص إلى إن خروج الدحدوح يعتمد على عدة أمور، أولها وأهمها على حساباته الشخصية هو، ما الذي يناسبه وما الذي يقدر عليه، وأين يجد نفسه، مشيرا إلى أن البعض قد يقول إن خروجه استسلام، فيما يرى آخر أن بقاؤه هو الاستسلام.
وأعطى مثلا لتوضيح ما يعنيه قائلا: "قد يُصاب مرئ بما أصيب به الدحدوح أو أقل فيتمكن منه الاكتئاب، فيكره حياة فقد فيها أحبابه، فيختار أقصر الطرق وأسرعها لرؤية أحبابه، وكلكم يعلم أقصر الطرق وكيف وأين يمكن الحصول عليها، وآخر قد يتمكن منه الغضب، فيبدأ بالتخطيط للانتقام، ولإلحاق الأذى بخصمه الذي خطف زينة حياته، فيكون عمله انتقامًا".
وأضاف عسيري: "وقد يخطط كل إنسان للانتقام بطريقته وحسب ما يراه من زمان ومكان، وآخر قد يكون قادرًا على الصبر، وقادرًا على أن يمضي قُدمًا في عمله كما هو، دون أن يتزحزح، وهنا يبحث عن إمكانيات استمرار عمله بأكبر نفع ممكن، وقد يكون من مكان آمن أبعد من الحدث أقوى وادعى للإبداع، وقد يكون من وسط الحدث أقرب للحقيقة ولصوت الضحايا، وهو من الضحايا".
وقال: "أيًا كان اختيار الدحدوح مما سبق، وأيًا كانت قراراته الداخلية والظاهرة، فإن شيئا من هذا لا يعنينا جميعًا!، وأنا هنا لا أحاول أن أبرر قراراته التي لا أعرفها بقدر ما أسعى لترسيخ نقطتين: أن أي قرار يتخذه صحيح مادام لم يخذل أهله وشعبه وينقلب على مبادئه، فالانقلاب على مبادئه هو الخطأ، أما أن يخرج من غزة أو يبقى، أن يعمل مراسلا أو صحفيا أو حتى رسامًا، فهذا لا يحق لنا لومه فيه ولا المزايدة عليه فيه!، وأنه لا دخل لنا في قراراته وهو أعلم الخلق بنفسه، وهو من عانى!".
وتابع عسيري: "بكل ثقة أقول إن الدحدوح ورفاقه كثر، وأهله وأهل غزة وفلسطين الحبيبة، ومثلهم من ملايين الأحرار في العالم، قد اختاروا الوقوف في جانب الحق يوم أن وقف الملايين بأموالهم وسياسييهم وسلاحهم مع الظلم والإجرام، وأقول بكل ثقة، إن الدحدوح ومعه أبطال كثر، لم يكونوا أبطالًا فقط، بل كانوا رموزًا للبطولة والفداء".
وأكد أن الدحدوح ورفاقه أبهروا العالم بأسره بهذا الصمود الاسطوري، وبهذا الصبر العظيم، وبهذه المهنية العظيمة، وأعادوا في العالم الأمل وإن كانوا وسط الألم، وشرحوا بحياتهم معنى التضحية والفداء، قائلا: "لست من محبي المديح ولكن لأن المعاصرة حجاب، ولأننا نحب أن نُحدث عن السلف، وبيننا رموزًا لو سمع عنها من تذكرون من السلف لفزوا واقفين مُجلين لأبطالها، فلا تنتظروا أجيالًا بعد مئات السنين ليكرموهم، كرموا إخوانكم أحياءً وأكرموهم، وذبوا عنهم من كل فتان مُخذل دنيء سافل مُزايد".
يشار إلى أن الدحدوح البالغ من العمر 53 عاما، فقد أغلب أفراد أسرته خلال الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ولاتزال مستمرة لليوم، وكان آخرهم نجله البكر حمزة الذي استشهد في 7 يناير/كانون الثاني 2024، بصاروخ أطلق من مسيّرة إسرائيلية استهدف السيارة التي كان على متنها.
ويعد حمزة ثالث أبناء وائل الثمانية الذين يستشهدون منذ بدء العدوان على القطاع، حيث أعلنت قناة الجزيرة في 25 أكتوبر/تشرين الثاني 2023 استشهاد عدد من أفراد عائلته، بمن فيهم زوجته وابنه وابنته، في قصف إسرائيلي استهدف منزلا نزحوا إليه في مخيم النصيرات وسط القطاع؛ كما سبق واستهدف الاحتلال وائل نفسه ليصاب بجروح.