صال وجال المجتمع المحلي والإعلام الدولي الأسبوع الماضي حول تناقض الحكومة السعودية في التعامل مع المرأة على خلفية معرض الأزياء الذي أقيم في أحد الفعاليات الأخيرة. هذه التناقضات في التعاطي مع ملف المرأة ليست عبثية، بل تكتيكية. فالدولة تدفع ملاين الدولارات على حملات العلاقات العامة الدولية لتثبيت صورة معينه عن السعودية خارجياً أنها دولة تقدمية ومنفتحة وراعية للفنون والأزياء وغيرها من الأمور تحت رعاية محمد بن سلمان. في حين أن الوضع محلياً قاتم جداً. حتى في الشق غير السياسي، في الجانب الإنساني من موضوع المرأة، عندما تعنف وتبتلى بأهل أو زوج مجرم، فالسلطة ليست لديها الحماسة والرغبة لإنهاء هذه المعضلة. فهي لا ترى المرأة المحلية تستحق كل هذا الاهتمام، فهي تحسب على خانه المواطنين.وكما هو الحال فالمواطن ليس له قيمه حقيقية لدى السلطات السعودية.

كانت الحكومة السعودية خلال العقود الماضية تستخدم ملف المرأة في إدارة الصراع السياسي والاجتماعي محلياً وخارجياً ضمن ملفات كثر تمثل أدوات الهاء سياسي عن طلب العدالة والديمقراطية، جعلت من ملفات مثل المرأة والدين والقبيلة أدوات يتشاكس عليها اقطاب التيارات السياسية والاجتماعية داخل البلد. و- كلٌّ يدّعي وصلاً بليلى — وليلى لا تقرُّ لهم وِصالاً.

كانت هذه الاستراتيجيات ناجعه في تقليل وضوح الرؤية لدى الفاعلين في المجال العام ان الحكومة تختلق اشكاليات وتعطي لنفسها انها على مسافة واحدة من الجميع وحامية الجميع من الجميع وأنها احد ركائز الاستقرار السياسي في البلد عند احتدام التشاحن بين الأطياف السياسية. اشتد الاحتدام والتنافس على موضوع المرأة تاريخياً في الموضوعات التالية: تعليم المرأة، عملها في الإذاعة، ثم التلفزيون، توظيفها كمعلمة وفي بعض الوظائف الحكومية كالصحة، خروجها في المجال العام، طلبها لقيادتها للسيارة، كلها كانت قضايا يشتد عليها الصراع ويدار بطريقة كأن السلطة بريئة من هذا الصراع وأنها وسيط لا أكثر، في حين هي التي تختلقه وتطيل عمر الأزمة لأنها مستفيدة من هذا الاعتراك الاجتماعي بين المحتمين بالمرأة من وجهة نظرهم.

وكما هو الحال في كل ملف، تتغير ردة فعل السلطة، فعندما كبرت كرة الثلج في موضوع قيادة المرأة للسيارة واضحت القضية موضوع سخرية عالمية وسخط محلي يتنامى يوما بعد يوم ويزداد الحرج على السلطة ويكثر الفاعلين والمطالبين بالقيادة وتتكون شخصيات محلية تقود المشهد بعزم. تقرر السطلة حسم الصراع الذي اختلقته لإدارة الصراع لكن عبر اعتقال الفاعلين الأساسين في المطالبة بقيادة السيارة وتحتجزهم كرهائن في السجون لا كمواطنين. حاولت السلطة ان تظهر انها هي من حسمت هذا الصراع وان القائد المحنك محمد بن سلمان صاحب اجندات اصلاحية، واهم ملفاته التي تحظى بأولوية هو تمكين المرأة. المرأة اليوم تعمل في العديد من الوظائف التي تم استبدالها بعماله أجنبية، وكانت الخدعة بأن بنات البلد أولى. وحقيقة بنات الوطن أولى بالكرامة والتقدير والمقابل المالي المجزي. لكن كانت الخطة اقتصادية بحتة، هو كيف تقلل السلطة الحوالات الأجنبية للخارج؟ فكأن أسهل حل هو تعين النساء برواتب جداً متواضعة دون وجود أي حقوق ماليه أو تأمين صحي.

 لا عيب أن تعمل المرأة في أي محل، العيب أن لا يكون لها حقوق في العمل، حقوق واضحة في حقها براتب يكافئ جهدها وتأمين صحي وساعات عمل لا تتجاوز ٨ ساعات في اليوم. لكن المرأة هي الحلقة الأضعف في المعادلة، فكثير من النساء معتمدات على هذه الوظائف، لكن يا للأسف ليس هناك قانون واضح يحمي هؤلاء النساء.

إضافة أن تطور جديد حدث في المجال العام، وهو يعكس صورة المرأة عند محمد بن سلمان، فالمرأة لديه ليس القيادية والمبتكرة والمعلمة ومربية الأجيال، بل هي المرأة التي يراد لها أن تكون سلعه يزين بها المسرح والحفل كتحفه فنية يتم نقلها من مسرح إلى آخر، دون النظر في كينونتها الإنسانية، فهي مظهر فقط. لهذا تقوم حفلات الترفيه بإرسال حافلات الفتيات الأجنبيات إلى الحفل كوسيلة جذب للشباب العازفين عن مثل هذه الحفلات. هذا انحطاط في تعامل السلطة مع المرأة، التي تبقى إنسان بغض النظر عن جنسيتها. يتعامل محمد بن سلمان ومساعدوه مع المرأة بوصفها وسيلة تسلية واستمتاع، فحتى المشاريع التي تقام في صحاري العلا يجب أن تطعم بالمرأة البيضاء، ولا يستقيم أن يكون هناك منتجع فخم دون أن يكون العاملين فيه نساء، حتى يرتاح الرجل عندما يرى أن التي تعمل على خدمته هي امرأة بيضاء وأوروبية بالمقام الأول.

تشوهات وفساد أخلاق محمد بن سلمان لا يمكن تغطيتها، لكن أعظم هذه الملفات هو نظرته الدونية للمرأة والتي تتجلى في تعامله معها ليس بوصفها إنسان بل بوصفها ديكور لمسرح، وأداة يتم تزين المكان بها. في المقابل، نجد محمد بن سلمان شرس ومجرم مع المرأة المحلية، فالتي تتحدث عن الأحوال الاقتصادية والمعيشية ليس لها إلا السجن، وهذه سابقة تاريخية، لم تسجن النساء كما سُجن في عهد مبس. أعداد النساء المعتقلات بسبب تغريدات ناقدة كثير، وللأسف أن عدد من النساء واجه ويواجه التعذيب والتنكيل المستمر بسبب المطالبة بتحسين الحال. 
هذا التناقض في سياسيات مبس ما بين تسليعها وقمعها هو شعار المرحلة الحالية، فهو يتبجح بالعروض التي تقام وتشارك فيها المرأة بالملابس الخليعة والمخلة بالأدب العام، لكن يسمح لها لأنها أجنبية، لكن بنت الوطن تقمع وربما تحرم من كافة حقوقها لمدة ٣٥ سنة. المرأة هي نصيرة نفسها في كل زمان وفي كل مكان، وهذا ما سوف يحدث وحدث في موضوع قيادة المرأة لنفسها. وهي تعلم بؤس هذه المرحلة التي سوف تتلاشى عما قريب.