مقالات

غيروا هذا الشعار من "الله، الوطن، الملك، الأمير، الخ" إلى "الله، الوطن، المواطن"

الكاتب/ة د. كاظم ناصر | تاريخ النشر:2024-10-13


لله سبحانه وتعالى الحق الأول في التقديس وفي واجب الطاعة والعبادة والإجلال، والوطن هو المقدّس الثاني بعد الله لأنه رمز وجودنا الذي نعيش فيه ونستظل بظلّه، ونشعر بدفئه وحمايته لنا ولشخصيّتنا الوطنية، ونأكل من خيراته، ونكبر ونصغر ونحيا معه. والمواطن هو الطرف الثالث الذي يستحق التبجيل والاكرام لأنه هو الذي يعمّر ويزرع ويصنع ويبني الوطن بعرقه، ويدافع عنه ويفديه بدمه. ولهذا فان الشعار الذي يحمل اسم " الله والوطن " هو شعار صادق يعبر عن إرادتنا، وعزيز علينا، ونفتخر به، أما أن يقرن الحاكم العربي لقبه السلطوي بالله وبالوطن ويرفع شعارات ولافتات " الله الوطن الأمير، الملك، الخ." لتمجيد نفسه وتسفيهنا، فهذه جريمة لا تغتفر؛
ما الذي أنجزه الحاكم العربي لنا لنقرن اسمه مع اسم الله والوطن؟ انظروا إلى أوضاعنا من المحيط إلى الخليج، واحكموا على نجاح حكامنا! هذه هي بعض الإنجازات والخدمات الجليلة التي قدّموها للوطن والمواطن: فلسطين ما زالت محتلة وتصرخ " وامعتصماه" ولا أحد يسمع نداءها، والقدس هوّدت وتدنّس كل يوم ولا أحد يهتم بقدسيتها وإهانتها، وهضبة الجولان وأراض عربية أخرى ما زالت محتلة، وحروب وقتل ودمار أفظع من الذي أحدثه هولاكو وجنكيز خان، ومصادرة للحريات، وتزوير للتاريخ، وسجون مملوءة بالسياسيين والمثقفين والناشطين الشرفاء، وفقر، ومرض، وجهل، وتخلف، وفساد، ولصوصية، واستبداد، ونفاق، وطائفية، وعنصرية بين أبناء الوطن الواحد، وقبائلية، وقواعد عسكرية أجنبية في معظم دولنا، وجيوش أجنبية تسرح وتمرح وتتصرف كما تشاء، وأبواب وطننا مشرعة لكل من يريد أن ينهب ثرواتنا ويقتلنا ويحتل أرضنا. هذا هو الوطن العربي المثقل بالجراح، وهذه هي الإنجازات التي حقّقها الحكام العرب" أولياء الأمر العظماء !!"؛ فهل يستحق هؤلاء أن نقرن أسماءهم مع اسم الله والوطن ونقول " الله الوطن الملك، أو الشيخ، أو الأمير... ؟؟ " إنهم لا يستحقون هذا الشرف لأنهم بلا شرف، وخانوا الوطن والمواطن.
لم يبتدع عظماء التاريخ من أمثال أبو بكر الصديق، وغاندي، ومانديلا، وهو شي منه، وابراهام لنكولن، شعارات تقدّسهم وتميّزهم عن أبناء شعوبهم كما يفعل حكامنا الطغاة بإطلاق ألقاب على أنفسهم مثل صاحب الجلالة، صاحب العظمة، سيادته، فخامته، ملك الانسانية، أمير الإنسانية...، ويمنحون إماراتهم ومملكاتهم وجمهورياتهم القابا مثل " دولة الانسانية، وإمارة الانسانية، ومملكة الإنسانية !! (السويد تخجل أن تقول عن نفسها مملكة الإنسانية ... وهولندا ملكا وشعبا تقهقه عندما تسمع بملك الانسانية، أو بأمير الانسانية العربي) ... لقد فقد هؤلاء الحكام الحياء، ويتصرّفون بغباء لم يعرفه عالم الغباء منذ عرف الانسان الغباء!
هذه الشعارات والالقاب الكاذبة المهينة للعقل الانساني ولكرامة الانسان العربي، لا تعني شيئا سوى إرضاء غرور وجهل ونرجسية الحاكم العربي الذي يحاول تغطية فشله بالقاب غبيّة مكشوفة يطلقها على نفسه وعلى مزرعته (دولته !!)، وينسى أن " الوعاء ينضح بما فيه." الغوا هذه الألقاب المهينة لنا واستبدلوها بالحاكم الأمي، الفاسد، العميل، الطاغية، الفاشل، اللص، وسموا دولته بدولة العبيد والظلم والفساد، واعملوا ما باستطاعتكم للتخلص منه ومن دولته التي لا علاقة لها لا بالإنسان، ولا بالإنسانية، ولا بأنظمة هذا القرن!
المواطن العربي هو صاحب الوطن الحقيقي؛ فهو المدرس، والعالم، والجندي، والعامل، والمزارع، والفني الخ ..الذي يبني الوطن بعرقه وتضحياته، ويذود عنه بروحه وبكل ما يملك؛ ولهذا فإنّه من الأفضل لنا أن يكون شعارنا في كل دولة عربية هو " ألله ألوطن المواطن." هذا الثلاثي هو صاحب الحق في التبجيل والاكرام والاحترام.
الحاكم في دول العالم الديموقراطية ينتخبه الشعب، ويعامل كموظف في الدولة يتلقى راتبا مقابل عمله؛ ولهذا فإنه يحاسب على تجاوزاته وأخطائه، ولا يستحق التعظيم لقيامه بواجبه في خدمة وحماية الوطن، والمحافظة على حريّات وحقوق ومصالح المواطنين وإقامة العدل بينهم؛ لكن المضحك هو أن الدكتاتور العربي الذي فشل في تحقيق ذلك كله، وورث الحكم عن أسلافه، أو وصل إليه على ظهر دبابة، أو عن طريق انتخابات مزورة حصل فيها على 99% من الأصوات، فرض علينا أن ننعته بألقاب لا يستحقها إلا رب العالمين بسبب جهلنا، وتخلّفنا، ورعبنا منه ومن أجهزة مخابراته وسجونه.
ورغم ظلمه لنا، وعبثه بمستقبلنا وبمصيرنا ومصير أوطاننا، فإننا نتظاهر دعما له في شوارعنا ونقول له بأعلى أصواتنا نحن معك ونؤيدك يا مولانا، ونغني له في محطات الاذاعة والتلفزة، ونرقص له في أعراسنا وفي احتفالاتنا، ونكتب له الأشعار والقصائد.عار علينا كشعب أن نفعل ذلك لحكام أذلونا وحرمونا من أبسط حقوقنا ودمروا وطننا!
يجب علينا كشعب عربي مضطهد أن نتمرّد ونتصدّى لهؤلاء الطغاة، ونعمل على إسقاطهم بكل الوسائل الممكنة. وكما قال الزعيم الديني الأمريكي المسلم مالكولم إكس رحمه الله " لا يستطيع أحد أن يمنحك الحرية، ولا يستطيع أحد أن يمنحك المساواة، أو العدالة، أو أي شيء آخر، فإن كنت رجلا فعليك أن تأخذها بنفسك." فهل سيأتي اليوم الذي ننتزع فيه حريتنا ونستعيد كرامتنا ونقوم بدورنا في حكم وبناء وطننا العربي؟ إن الآلام العظيمة تصنع الأمم العظيمة؛ ولهذا فإن ذلك اليوم آت؛ وقد يكون أقرب مما يتصوّر حكّامنا وأسيادهم! ".