مقالات

من أين نبدأ | القيادة مهمة، فلنكثر منها

الكاتب/ة نصير عبدالله | تاريخ النشر:2021-04-29

يشيع الخلاف حول مسألة (القيادة) في الحركات السياسية والاجتماعية ومقدار نفعها من ضررها، فتجد أناسًا يشددون ضرورة الزعامة وأن (يقود) الجماهير قائدٌ بحكمته الغزيرة وبصيرته الثاقبة ليحقق رؤيته الشاملة لإصلاح شؤونهم أجمعين، وفي مقابل هذه النظرة نجد توجّسًا من أي حسٍّ قياديٍّ أو طليعيٍّ أو حتى لأي هرمية في التنظيم مهما تبدلت الأحوال وضروراتها، ورفع اليد عن إمكانية إنتاج أطروحاتٍ وحلول بأي درجةٍ من الشمولية لمشاكلنا الاجتماعية.

فمن جهة، إن الدليل على ضرورة القيادة ظاهرٌ فيما يجري في كافة الحركات من بروز قياداتٍ معينة سواءً بقرارٍ واعٍ بتعيين أشخاصٍ ما لمناصب قيادية، أو بحكم الأمر الواقع حيث يستشعر الناس ملاءمة بعضهم لحمل المسؤوليات الاستراتيجية أو التنظيمية أو الفكرية للجماعة حتى وإن رفضَت (أي: الجماعة) ترسيمَ هذه المناصب، ومن جهةٍ أخرى لا يخفى على أحد ما تحتمله الأهرام القيادية من تعسّفٍ بالسلطة واستخدامها لفرض رؤية الفرد الواحد المغتر بنفسه وتهميش الرؤى المخالفة، أو حتى استغلالها للاعتداء الشخصي على المُستضعَفيْن والمُستضعفَات من الجماعة، ولكن بين هذين الشقّين حلٌّ وسط يعالج ما يستشكله الإثنين.

الحل الوسط هو الإقرار بأهمية القيادة، وبضرورة الإكثار منها كمًّا ونوعًا، بمعنى التشجيع على التجريب والتجديد في العمل السياسي وفي طرق التنظيم على الأرض وأساليبه بدل تقييده برؤى الفرد والزعيم القائد، ولا أقصد بالتجريب والتجديد المغامرةَ الصبيانية دون حسابٍ أو احتساب، بل الاستناد في ذلك إلى وعيٍ بضرورات حفظ الأمان الشخصي وإلى حسِّ مسؤوليةٍ والتزام تجاه أهالينا من مواطنين ومواطنات ومقيمين ومقيمات على حدٍّ سواء،

وتنمية حسُّ المسؤولية تجاه الناس لمعالجة ما يقع عليهم وعليهن من ظُلم، وما يستلزمه ذلك من إقرارٍ بأننا لسنا شريحةً منزهةً عن مظالم الناس ومنفصلةٌ عنهم بل نحن – ونحن هُم – نشعر بضيمٍ ومرارةٍ تفيدنا أحيانًا في الوصل مع غيرنا وتقودنا أحيانًا للإخطاء في التحليل، أخطاءٌ لا تعالج إلا بالتحاور والإنصات والصبر، وهذا هو السبيل والأساس لهذا التغيير، فالاستئثار بالقيادة لن يتمخض عنه إلّا مغامراتٌ واهمة سعيًا وراء البطولة الشخصية وخلود اسم الفرد دون احتساب ما سيقع على الناس من ضرر، والإكثار الكمّي والنوعي منها (أي: القيادة)، وما يستلزمه من عملية بناءٍ بطيئة وطويلة، يعني ديمومة الحراك لرفع الظلم على الناس مهما طالت حياةُ كبارِ قادته أو قَصُرَت.