في مطلع الثورة السورية المجيدة، كسر السوريين الشجعان جدار الخوف للوصول إلى الكرامة والحرية، لقد دفع السوريين طوال عقد من الزمان أثمان باهظه، ب١٣ مليون سوري تم تهجيره، فضلاً عن أكثر من نصف مليون سوري لقى حتفه على يد هذا النظام. الثورة السورية كانت ولازالت أحد معالم هذا العصر، لقد هرب رأس النظام تاركاً خلفه حطاماً، وسجوناً مروعة وشعب شجاع وأبي. في هذا المقال أحاول توضيح وفهم موقف الحكومة السعودية من الثورة السورية. كيف كان وكيف صار، وماهي أجندة النظام الملكي السعودي. ويجب أن أميز هنا بين موقف الشعب "الناس الطيبة" وبين الحكومة الدكتاتورية.
العلاقات السعودية السورية لم تكن جيدة منذ وقت طويل، ولأن الأنظمة المستبدة في تنافس شديد على الترويج لمشاريع الاستبداد لشعارات بالية حول البعث والعمال والاشتراكية وأمور خارج السياق التنموي الواقعي. شعارات يا صديقي ليس لها أي أثر على الواقع. في حين أن السعودية تشابه الأسد في هذا النمط لكن بمسحه سلفية محفوفه بتشذيب على مقاس مطالب السلطة المتقلبة حسب الزمان والمكان. فمن الوهابية التكفيرية الثورية إلى رعاية الجهاد العالمي ضد النظام السوفيتي برعاية أمريكية. التشابهات كثيرة ولا يمكن حصرها في هذه المساحة. لكن الواقع يقول أن الثورة السورية شجعت النظام السعودي للانخراط فيها لسببين، الأول التوهم بقدرتها على قطع تمدد إيران في الهلال الخصيب، الثاني قتل أي حلم عربي يسعى للعدالة واستقلال المجتمع بذاته. فالسعودية بشهادات الكثير من المراقبين أطلقت أرتال من الشباب للاقتتال في سوريا ضد بشار. فهي فتحت الحدود بشكل غير مباشر، وأيضا ساهمت بإدارة غرفة عمليات تنسيق الثورة في الأردن وتركيا بإشراف بندر بن سلطان كما أشارت بعض المصادر. هذه المعلومات يعرفها من عاصر تلك الفترة، إضافة إلى بعض اللقاءات الإعلامية عرضت بشكل مقتضب عن هذه العمليات التخريبية. طوال العقد الماضي، كان أهل سوريا في مأساة شديدة وخصوصا السوريين الذين تهطل عليهم أرتالاً من البراميل في الوقت الذي يتفرج المجتمع الدولي والعربي ولا يحرك ساكناً. لكن قدر الله والشجعان وخلفهم صمود شعب أزاح الطاغية في أقل من ١٠ أيام. وفي ذات السياق، سعت السعودية ودول الثورات المضادة وعلى رأسها الإمارات إلى إعادة ترميم بيت الأسد، وإحياء العلاقات معه، ابتداء من إعادة عضوية سوريا الأسد إلى جامعة الدول العربية، وكان أخرها قبل أقل من شهر في فتح السفارة السعودية في دمشق.
يبدو واضحاً أن انتصار الثورة السورية كان مفاجأة للجميع، والنظام في السعودية بدا مرتبك أمام هذه التطورات والتغيرات التي حدثت في حلب ثم حمص ثم اكتساح المشهد في دمشق. إلى هذه اللحظة لا نعلم ماذا تنوي السعودية فعله في سوريا، فهي أطلقت قنواتها "العربية" سوريا كقوة ناعمة، تجمع وترصد مشاعر أهل سوريا والساحات السورية وتنافس غيرها من القنوات الخليجية في نقل السرديات الإعلامية والشعبية عن السوريين. وهذا أول إشارة وجود اهتمام سعودي بما يحدث على أرض الواقع.
ما هو مثير ويدعو لتحفيز التفكير، هو كيف سوف تتفاعل السلطة السعودية مع أداء قيادات الثورة السورية وفريق المرحلة الانتقالية. لأول مره منذ سنوات يخرج الدكتور برهان غليون على قناة العربية، وهذا مؤشر على محاولة احتواء أطراف سياسية فاعله في المشهد، وإن كان لا أحد يستطيع شراء برهان غليون، فهو وطني سوري فوق أي نظام وبعيد عن المحصصات التي توزعها دول الأطراف في المنطقة. لكن النقطة الأساسية في الموضوع أن السعودية تحاول في هذه المرحلة جس نبض الأبواب ومداخل كافه الأطراف لمعرفة المدخل المناسب للتدخل في المشهد السوري. تعلم السعودية أنها لا تستطيع مزاحمة تركيا في التأثير في الداخل السوري، لكن قطعاً أن السعودية تحاول لعب دور قوي مع الاحتلال الصهيوني يشبه دور مصر خلال الفترة الماضية في إدارة صراعات الاحتلال في رفح وغزة. أيضاً من المتوقع أن تقوم السعودية بإحياء الخلايا الجهادية النائمة، التي سوف تلعب دوراً في تخريب صفاء المشهد السوري، فليس من صالح الأنظمة المستبدة أن تستقر سوريا، فهي سوف تحرث الأرض لتخرج لنا فصائل جهادية جديدة بإشعارات وأفكار منوعه، فليس أسهل على هذه الأنظمة من استخدام شماعه الإرهاب للتدخل. وهي في الأساس مصدر الإرهاب والشر بعينه.
أخيراً، أكبر مخاوف النظام السعودي، أن تتحول سوريا إلى ساحة خضراء للسعوديين والثوار والأحرار ممن ضاقت عليهم أوطانهم. ففي تركيا اليوم جالية سعودية كبيرة هربت من القمع، وقطعاً أنها تجد أجواء دمشق وحلب وحماه وحمص أدفأ من أجواء إسطنبول. وهذا من أكبر هواجس السلطات السعودية بأن تتكون جالية سعودية في سوريا الجديدة، والأهم من كل هذا إحياء الأمل بواقعية التغيير، فمن كان يتوقع رحيل الطاغية الأسد، سوف يعمل على رحيل الاستبداد في كل أوطاننا العربية من الخليج إلى المحيط. تحيا الثورة، تحيا العدالة والكرامة الإنسانية.