قالت وول ستريت جورنال أنه اجتمع عدة مشاهير على جزيرة رملية في البحر الأحمر تعجّ بالفنادق الفاخرة، ورست اليخوت الفارهة في الجوار، بينما أدّت أليشيا كيز عرضًا موسيقيًا أمام كبار رجال الأعمال القادمين من لندن ونيويورك وأنارت الأضواء الكاشفة سماء الليل، ومن بينهم ويل سميث وتوم برادي.
هذا الحدث الذي أقيم في أكتوبر كان بمثابة افتتاح فاخر للمرحلة الأولى من مشروع نيوم، المدينة المستقبلية المخططة التي ترتكز على أحدث التقنيات والتصاميم المعمارية غير التقليدية.
الواقع لم يكن بنفس البريق
حيث تأخر المشروع الاول، المعروف باسم سندالة، لأكثر من ثلاث سنوات وبلغت تكلفته نحو أربعة مليارات دولار، أي ثلاثة أضعاف الميزانية الأولية، ولم تكتمل الفنادق، وأدت الرياح العاتية إلى تعطيل عمل العبارات والجولف، وكان جزء كبير من الموقع لا يزال قيد الإنشاء.
في ظل غياب محمد بن سلمان عن الحدث الافتتاحي، الذي أثار عدة تساؤلات.
وبدأت كما أوضحت وول ستريت جورنال أحلام ولي العهد المستوحاة من الخيال العلمي—مثل منتجع للتزلج في الجبال القاحلة، ومنطقة أعمال عائمة، وذا لاين، المدينة الأيقونية التي تمتد بطول 106 أميال وتتألف من ناطحتي سحاب بارتفاع يعادل مبنى إمباير ستيت— بالتصادم مع الواقع بعد إنفاق أكثر من خمسين مليار دولار عليها.
حيث ارتفعت التكاليف، وأصبحت التأخيرات شائعة، كما أن القرار الذي اتخذ العام الماضي بتقليص المرحلة الأولى من المشروع يهدد بعدم تحقيق الكتلة السكانية الحرجة اللازمة لجعل المدينة مركزًا اقتصاديًا حديثًا.
وذكرت الصحيفة بأنه كان هناك نوع من الأوهام المتبادلة وفقًا لموظفين سابقين وتقرير تدقيق داخلي من 100 صفحة قُدم إلى مجلس إدارة نيوم في الربيع الماضي، حيث دفع ولي العهد نحو خطط خيالية، بينما حاول المسؤولون التنفيذيون إخفاء حجم التحديات والتكاليف الحقيقية.
وجد التقرير، الذي تم تصنيفه على أنه “المسودة النهائية”، أن بعض المديرين—بمساعدة أحيانًا من مستشاري المشروع شركة ماكينزي وشركاه—أدخلوا افتراضات غير واقعية في خطط أعمال نيوم لتبرير التقديرات المتزايدة للتكاليف، كما كشف التدقيق عن “أدلة على تلاعب متعمد” في الجوانب المالية من قبل “أفراد معينين في الإدارة”.
وأشارت مسودة عرض تقديمي لمجلس الإدارة العام الماضي إلى أن الإنفاق الرأسمالي المطلوب لبناء نيوم بالكامل بحلول عام 2080 سيصل إلى 8.8 تريليون دولار—أي أكثر من 25 ضعف الميزانية السنوية للسعودية—بينما تبلغ ميزانية المرحلة الأولى حتى عام 2035 نحو 370 مليار دولار، في إشارة إلى ضخامة الطموحات.
وبدأ المسؤولون السعوديون في الإشارة إلى نيوم على أنه “استثمار للأجيال القادمة” ستظهر ثماره في العقود المقبلة، متخلّين عن الخطابات السابقة التي صورته على أنه محرك اقتصادي رئيسي بحلول عام 2030.
و خطط مسؤولو نيوم لإنجاز 10 أميال من ذا لاين بحلول عام 2030، وكان هذا يعادل بناء جميع مباني ميدتاون مانهاتن ثلاث مرات خلال عقد واحد، ويتطلب كميات ضخمة من الفولاذ والزجاج المتاح عالميًا.
لكن التكاليف كانت تحديًا كبيرًا، فالموقع النائي للمشروع يفتقر إلى العمالة، والموانئ الكبيرة، والطرق الكافية، وإمدادات الكهرباء،كما تضمنت التصاميم مدينة ملاهٍ معلقة على ارتفاع 1000 قدم ومسارح معلقة بين البرجين المتوازيين.
ووفقاً للصحيفة أراد المهندس المعماري الأصلي لمدينة ذا لاين، توم ماين، من شركة Morphosis في لوس أنجلوس، إبلاغ ولي العهد بمخاوفه بشأن التكاليف الباهظة، لكن مسؤولي نيوم رفضوا طلباته، وفقًا لموظف سابق.
وعندما بدأت العروض الأولية من المقاولين بالارتفاع، قام المسؤولون التنفيذيون بإخفاء التكاليف المتزايدة من خلال المبالغة في تقديرات الأرباح، وفقًا لتقرير التدقيق الداخلي وبعض الموظفين السابقين.
وقالت المتحدثة باسم نيوم إن المنظمة قامت “بتحسين أنظمة الرقابة الداخلية والحوكمة، لا سيما في مجال المشتريات وإدارة الجهات الخارجية".
لكن أحد أكبر محركات التكاليف كان ارتفاع ذا لاين البالغ 1,640 قدمًا (500 متر) حيث تجعل التحديات الهندسية والإنشائية بناء ناطحات سحاب فائقة الارتفاع أمرًا غير مربح حتى في المدن الكبرى، فما بالك في صحراء نائية.
وحاول موظفو نيوم إقناع المسؤولين بتخفيض الارتفاع إلى نحو ألف قدم لخفض التكاليف، لكن خلال اجتماع مجلس إدارة نيوم في الربيع الماضي، أوضح ولي العهد أن “تقليل الارتفاع غير مقبول”، وفقًا لمحاضر الاجتماع، وقال إنه يجب البحث عن وفورات في التكلفة من أماكن أخرى.
وقام المسؤولون بتجميد جزء من خط السكك الحديدية الذي كان يتطلب حفر نفق بطول 18 ميلًا عبر الجبال، كما تم تأجيل الجزء الأول من ذا لاين، الذي تم تقليصه بالفعل من عشرة أميال إلى ميل ونصف، والهدف الحالي هو افتتاح أول نصف ميل فقط بحلول عام 2034، مع ملعب فوقه لاستضافة مباريات كأس العالم.
وقال دينيس هيكي، المسؤول عن تطوير ذا لاين، خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في يناير: “سنبدأ في البناء العمودي—نأمل—بحلول نهاية هذا العام".
أما في سندالة، فلا يزال المنتجع غير مكتمل، وذكر أشخاص عملوا هناك أن موظفي المطاعم يقرؤون الكتب لتمضية الوقت لعدم وجود ضيوف لخدمتهم ولا تزال ملاعب الجولف والفنادق غير مفتوحة للجمهور بعد أربعة أشهر من حفل الافتتاح الفاخر.