تُشكّل قضية الصحفي السعودي تركي بن عبد العزيز الجاسر نموذجًا صارخًا لتقاطع القمع السياسي مع إفقار القانون، حيث تتداخل سلطات الدولة مع نزوات بعض المستفيدين داخليًّا، دون مساءلة مؤسساتية. تعكس هذه القضية أبعادًا ثقافية تتعلق بحرية التعبير والقضاء على المعارضين ضمن أنظمة قمعية
واغتيال الشهيد جمال خاشقجي مثال آخر و غيرها الكثير من الأمثلة منها مقتل الشهيد عبدالله الحامد و غيرهم الكثير .
من المعروف أن حرية الصحافة في السعودية مكبّلة وسط حملة اعتقالات تعسفية تستهدف مفكرين ونشطاء، خاصة منذ صعود محمد بن سلمان. تشمل الإجراءات الإخفاء القسري، ومنع الزيارات والتوكيل القانوني
وتحويل الدولة الي دولة نظام بوليسي اكثر مما كانت..
في 15 مارس 2018، داهمت قوة أمنية منزل الجاسر في الرياض واعتقلته، مع مصادرة أجهزته. ثم عُزل عن العالم الخارجي، ولم يُسمح له بالاتصال بعائلته إلا مرة واحدة في فبراير 2020، ولم يُعرض على محكمة أو يُسمح له بمحامٍ.
ظهرت تقارير تشير إلى أن الجاسر مات تحت التعذيب بعد تعقب حساب تويتر يديره. ورغم عدم وجود إعلان رسمي، إلا أن جهات عدة أشارت إلى مقتله داخل سجون الدولة. ثم اتضح بعض ذلك أنها محض اشاعات فقط.
أشارت مصادر متعددة إلى دور سعود القحطاني في قيادة "الجيش الإلكتروني" الذي اخترق تويتر وتتبع المغردين السعوديين، بمن فيهم الجاسر. يشير ذلك إلى تغوّل السلطة التنفيذية في اختراق الحريات الرقمية.
وهنا نطرح سؤالاً رافق الأذهان منذ اعتقال المغفور له الجاسر ، ما هي الجريمة التي اخذت من عمره سبع سنوات سجن و ختمت بالإعدام؟ لا نجد سوى حساب كشكول الذي كان ينتقد فيه الدولة.
وأكدت منظمات مثل منظمة القسط ومنّا لحقوق الإنسان اعتقال الجاسر، اخفاؤه القسري، ومنع تواصله مع العالم الخارجي، مع الإشارة لاحقًا إلى توقف الاتصالات وانقطاع أثره.
في يونيو 2025، نشرت وسائل إعلام خبر إعدام صحفي سعودي بتهمة الخيانة العظمى، دون ذكر تفاصيل أو محاكمة شفافة، وهو ما يعيد إلى الواجهة مخاوف مشابهة في قضية تركي الجاسر، ويعزز الطرح بأن المملكة تبني أحكامها على قرارات سياسية انتقامية أكثر من استنادها إلى قانون واضح.
تشير القضية إلى غياب القضاء المستقل في السعودية، وهيمنة الأهواء السياسية على مصير الأفراد. كما تبرز التكنولوجيا كأداة قمع بدلًا من كونها وسيلة لحرية التعبير.
تكشف قضية تركي الجاسر (ومثيلاتها) عن نمط حكم يُقصي الأصوات المستقلة بالقمع والاعتقال وحتى التصفية، في غياب مؤسسات قانونية تردع التجاوزات.
وهنا أتساءل هل هذه دولة طبيعية وتريد التطور و الازدهار؟ أم انها دولة تحكم بأهواء الحاكم ؟!
إذا لم يكن العدل و الحرية و المساواة ها ميزان الدولة فانهيارها مؤكداً مهما حاولت أن تتقدم.