مقالات

مطبات الاقتصاد السعودي وما يُقال تحت الطاولة

الكاتب/ة حسام بن محمد | تاريخ النشر:2025-10-22

لا كلمة تُتَداول بين أفراد المجتمع السعودي في مجالسهم الخاصة كجملة: ( لماذا نواجه كل هذه المشكلات الاقتصادية ونعاني الفقر ونحن نسبح فوق بحر من النفط .؟!) 

يُعدّ الاقتصاد السعودي واحداً من أكبر الاقتصادات في الشرق الأوسط ودول العالم الثالث، فقد شهد تطوراً ملحوظاً خلال العقود الخمسين الماضية بفضل الثروة النفطية ( التي تراجعت مؤخراً) والمشاريع الاقتصادية المتتابعة. ومع ذلك، فإن الاقتصاد السعودي يواجه عدداً هائلاً من التحديات والمشكلات (والمطبات) التي تتطلب حلولاً مستدامة لا حُقناً تخديرية، إلى جانب الأمل في تعزيز حقيقي وفعّال لدورٍ متزايدٍ للضمان الاجتماعي في حماية الفئات الضعيفة وتحقيق التوازن الاجتماعي.

لكن المشكلات الاقتصادية تجلب معها المشكلات الاجتماعية بالضرورة وبصورة تلازمية؛ كارتفاع الطلاق وزيادة معدلات العنوسة والعزوف عن الزواج والرغبة في تكوين الأسر وتحمل المسؤولية.

وتزداد الضغوط والمشكلات الاجتماعية بدورها بسبب قلة الدخل وارتقاع الأسعار وزيادة الايجارات المؤرقة لكل أسرة؛ وخصوصاً في المدن الكبرى كالرياض وجدة والدمام؛ وتضخم معدلات البطالة، وضعف الاستهلاك وتدني مستويات جودة الحياة؛ وتراجع القوة الشرائية المؤثرة سلباً على حركة الاسواق التجارية والركود وبطء دوران عجلة الاقتصاد المفضية جميعها بصورة ديناميكية وآلية إلى قلة فرص العمل وانعدام الوظائف وذبح الأمل أمام الشريحة الاوسع في المجتمع السعودي من فئة الشباب وزيادة معدلات الجريمة والعنف الاسري. 

غياب الإرادة في حسن الإدارة وما تبع ذلك من مهازل وغرائب لا تنتهي، ليس آخرها الفاجعة المالية لأكثر من سبعة آلاف مواطن ومواطنة من الفقراء ومعدومي الدخل من المستفيدين من برامج الضمان الاجتماعي ( أكثرهم أمهات ) يواجهون خطر الطرد والايقاف الفوري والتسريح التعسفي من خدمات الضمان لأسباب تافهة تتمحور جميعها في بوتقة سوء الإدارة والإبداع في استحداث الازمات لا إنهائها وإيجاد الحلول، منها على سبيل المثال لا الحصر كما تردد على ألسنة الكثير من المتضررين في عدم تحديث البيانات وعدم الحضور إلى أماكن محددة في اوقات محددة؛ ثم في عجائب موظفي الضمان في استقتالهم في البحث عن اعذار واهية لانهاء الضمان عن المستفيدين كزيادة دخل رب الأسرة عن ألف ريال وهو رقم لا يسد الرمق لفرد في اسرة فكيف بأسرة كاملة؟! وقائمة لا تنتهي من المهازل كالزيارات المنزلية المفاجئة في أوقات الصلاة وأوقات النوم بعد الظهيرة وكأنهم هؤلاء الضعفاء في محاكم تفتيش للفقراء! 

أما مسلسل الزيادات بغير تخطيط واعداد ودراسات مسبقة ومتأنية تراعي مصلحة الضعيف قبل القوي والفقير قبل الغني فقصة أخرى، وبدون اطالة واستفاضة سنتحدث هنا بلغة الارقام وحدها ولغة الارقام لا تكذب:أسعار البنزين والكهرباء هذا العام في السعودية ( رغم خدعة رؤية 2030) زادت بنسبة 7‎% بعد رفع الدعم، وزاد بموجبه معدل التضخم بنسبة 3.8‎%.معدلات البطالة في الاحصائيات الحكومية الرسمية تبلغ 7.1‎% ( ولو انها في الحقيقة اعلى من ذلك بكثير ) لكن جرياً على الاعتراف الحكومي فهي رسمياً بين فئة الشباب تزيد على الـ 14.5‎%. 

معدل زيادة الايجارات على المنازل بلغت 15.7‎% إلى شهر اغسطس الماضي، وفي بعض المدن الكبرى كالرياض وجدة زادت عن 25‎%، ومتوسط ايجار شقة صغيرة من غرفتين في حي الملقا بالرياض بلغ ثمانية آلاف ريال، بينما شقة مماثلة في حفر الباطن المعروفة برخصها وصلت بالمتوسط إلى أربعة آلاف ريال. 

حالات الطلاق زادت بنسبة 18‎% عن الاعوام الماضية مما يعني انها بلغت مستويات مرعبة ومهددة للاستقرار المجتمعي في المستقبل القريب المنظور. 

تراجع الاستثمار في هذا العام الجاري 2025 مقارنة بالعام الماضي 2024 بنسبة 7‎%، فالمشاريع الصغيرة تخسر سريعاً بسبب تراجع القوة الشرائية وكثرة المنافسين وخاصة من الشركات الاجنبية العالمية؛ والشركات المحلية تغلق ابوابها، وبعضها يرحل إلى دول الجوار كالامارات وغيرها. 

يتجه الاقتصاد السعودي نحو مرحلة محفوفة بالضبابية والمخاطر وفقدان الرؤية بسبب الفساد الهرمي من اعلى السلطة وحتى ادنى مرتبة فيها وغياب الشفافية وسوء الادارة وسوء توزيع الثروة والتلاعب العلني بالمال العام واسناد الأمر لغير أهله، ولن يتم تجاوز هذه العقبات إلا بإرادة صادقة وعزيمة جادة في انهاء مظاهر الفساد والاحتكار وسوء توزيع الثروة ومصارحة الشعب واختيار الاكفاء المؤهلين لحسن الادارة واسناد الأمر لأهله وافراغ السجون من خيرة العقول الادارية والاقتصادية، وتطوير قطاعات غير نفطية مثل الزراعة والصناعة، والتجارة والاستثمار وحركة الاسواق، والسياحة النظيفة، والتقنية والطاقة المتجددة. 

وفي الجهة المقابلة، ينبغي الاستمرار في عمل نظام الضمان الاجتماعي على التوسع في برامجه ليشمل فئات أوسع من شرائح المجتمع الاضعف، مع التركيز على التمكين الذاتي بدلاً من الاعتماد الدائم على الدعم.

نجاح هذه المنظومة واي منظومة اقتصادية يعتمد على النزاهة الصادقة والشفافية والوضوح والجدية والتنسيق بين السياسات الاقتصادية والاجتماعية، بحيث يصبح النمو الاقتصادي شاملاً، ويصل أثره إلى الجميع دون استثناء ويحس به الجميع بلا تمييز.