يطرح بعض الشجعان والمتحمسين للإصلاح ووأد الاستبداد هذا السؤال عند وجود حدث سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي يتم من خلاله تجريد الناس من حقوقهم وحرياتهم. يطرح السؤال الذي يفترض من خلاله أن الناس مطيعين ومتقبلين للحالة وراضين بحكم الطاغية وتصرفاته ومشاريعه التي تضر أكثر مما تنفع. وهذا غير واقعي. فكل من تضرر يتمنى زوال الضرر عنه وإعادة حقوقه له بالمقام الأول، وهذا محور تركيز كل مظلوم، سواء هدم بيته، أم سجن أحد من أفراد عائلته أم فصل من عمله أو تعطل عن العمل هو أو أحد أفراد عائلته. نفسيه المهدور حقوقه تفكر بالمقام الأول في الذات المظلومة، أي أن يسأل لماذا يحدث معي هذا؟ وكيف يمكن الخلاص من هذا المأزق؟ لهذا تجد المهدورة حقوقهم لا يزالون يبحثون عن الطرق الرسمية والغير رسمية في استرجاع حقهم وليس تغيير النظام أو الثورة عليه وهذا سائد حتى في أكثر الأنظمة وحشيه واستبداداً. أي أن خطوط الأمل باقيه ومتصلة بالنظام التسلطي، وكما يقال إن المظلوم يتعلق بقشه الأمل.
النزعة الجماعية للتغير تتشكل عبر الوقت من خلال تكثيف الاحتجاج ضد السلطة سواء كان سياسياً أو اقتصادياً. هذا السلوك ينمو مع الوقت في الدولة التي تسيء الدولة المتسلطة فيها استخدام السلطة وتتجاهل مظالم الناس. فهي العقلية القمعية تفترض أن الناس لن تغير من الواقع شيء مهما ظلمتهم السلطة وجردت من كرامتهم وحقوقهم. وما يجهله الطاغية أن النزعة الثورية والجنوح لسحق السلطة هي مشاعر تتراكم عبر الزمن حتى تصل للحظة فاصلة بسبب فعل غير متوقع، حينها تتجرد الجماهير من مخاوفها وتواجه السلطة وحينها لا يفرق الثائر بين معنى الحياة والموت في لحظة ذروة مواجهة الاستبداد. فالملايين التي خرجت في ميادين الثورات في جل الثورات التاريخية كان الفرد الأعزل يواجه المدرعة ذات المدفع ولا يهابها، ليس لأنه شجاع وبطل خارق، بل لأن كثافه الأفكار الثورية تحجب فكرة السلامة والبحث عن الأمان.
أخيراً، لا يوجد شعب شجاع وشعب جبان، توجد ظروف تجعل من هذا الشعب أكثر جرأة في الاحتجاج ومقارعة السلطة، وأيضا توجد ظروف تجعل هذا الشعب يتجاهل القمع والظلم ويتحاشى الحديث عنه بوصفه سلوك يتضرر منه أفراد محدودين وليس شريحة واسعة من الناس. في حالتنا المحلية، أخطاء السلطة على المجتمع متكاثرة ومتزايدة وضررها أصاب قطاعات واسعة من السكان، لهذا تتشكل حالياً أراء متباينة ضد محمد بن سلمان بشكل خاص، وهذه الآراء سوف تكون صلبة كلما استحكم الظلم في المجتمع، وحينها تكون هناك قاعدة جماهيرية واجتماعية تعي أن المشكلة هي في التخلص من هذا الطاغية. هذه اللحظة لا أحد يستطيع أن يتنبأ بها ولا معرفة عواقبها إن حدثت. لهذا نقول إن الطاغية هو المسؤول عن إيصال المجتمع لهذه الحالة الكارثية.
في مجتمع الاستبداد تكون هناك شرائح تناصر المستبد وتؤيد أفعاله الفاجرة الماحقة لكل خير. في هذه المجتمعات تنتكس الفطرة السليمة والمنطق الصحيح حول ما هو صحيح وما هو خطاء. نجد في نقاشاتنا اليومية مع بعض الذين نعرفهم الاِستماتة في مناصرة المستبد مما يعجز المستبد في الدفاع عن نفسه. هؤلاء هم عبيد الاستبداد، لقد ورثوا الذلة والمهانة وسوء الطبع. ربما بسبب ظروف معيشتهم التي تجعلهم مرتبطين بمصالح بقاء هذا الطاغية، وليس بالضرورة مصالح كبرى، لكن خشية التغير تربكهم وتجعلهم يحرصون أن يتشبثون بهذا الظالم الفاجر. لهذا يقولون الله لا يغير علينا. لكن الزمن سوف يتجاوزهم ويتجاوز الطاغية لأن هذه هي سنة الحياة.