القمع بالنسبة للدولة الحديثة هو أداة وظيفية، أي وسيلة تلجأ لها كل الدول الحديثة المستبدة والديمقراطية، لكن القمع يكون موجه ومحكوم بأسباب جوهرية. فالدول الديمقراطية تلجئ للقمع ضد عصابات المخدرات، وجماعات الجريمة المنظمة والمحضورة مثل الاتجار بالبشر، المخدرات، جماعات المافيا، شبكات غسيل الأموال وغيرها. القمع في هذه الدول يكون محكوم بعملية بيروقراطية أمنية تقوم بها أجهزة الدولة كوظيفة هي مكلفة بها لحماية المجتمع من تأثيرات هذه المجموعات المفسدة في المجتمع. في الدول التسلطية، مؤسسات الدولة أيضاً مكلفة بحماية المجتمع ضد المخدرات جماعات المافيا، شبكات غسيل الأموال وغيرها من الجرائم التي تأثر في المجتمع. ومع هذا هناك منطق أخر للقمع.
فالحاكم السياسي في الدولة التسلطية يكون القمع بالنسبة أداة أساسية في إحكام السيطرة على المجتمع. فهو يقوم بهذا الفعل للمزيد من الاطمئنان وتعزيز السيطرة كما "يتوهم". فهو أي الحاكم الطاغية يعطي أولوية في تعزيز عمل مؤسسات الدولة لكي تكون قمعية أكثر. فالأجهزة الأمنية يتم تسخيرها ليس لحماية المجتمع، بل تدبل وظيفتها وتحول مع الوقت إلى عمل أساسي وهو قمع المجتمع، قمع من لا يحبه الطاغية، قمع من يخالف توجهات الطاغية، قمع من يتصرف بما يخالف منطق الطاغية. فعلى سبيل المثال، دشن محمد بن سلمان المقاطعة القطرية، كل من كان له رأي ضد هذه العملية من مواطنين سواء كانوا صحفيين، إعلاميين، أشخاص في شبكات التواصل الاجتماعي تم سجنهم وقمعهم، لأنهم عبروا أن هذا لا يصح. فقط لأجل رأي يخالف خطط الطاغية. لهذا القمع هو وظيفي لدى الطاغية، لكن مدى استجابة المجتمع للقمع؟
إذا افترضنا أن القمع والطغيان السياسي له ثلاث مستويات: قمع عالي المستوى، قمع متوسط المستوى، وقمع منخفض. فإن لكل وواحدة من هذه المستويات الثلاثة استجابة من قبل المجتمع، هذه الاستجابة هي يفترض أن يكون صانع القمع مخطط لها. في مستويات القمع المنخفض يكون القمع يعمل بشكل منهجي، أي أن الحاكم يفعل آليه القمع لأهداف محددة ومدروسة بعناية، فالقمع يستهدف أفراد محدودين بناء على سلوكهم ومبادراتهم وأعمالهم. فالقمع في المستوى المنخفض هو وسيلة مرفقة برسالة وغاية واضحة، القمع مرتبط بذات الفعل وليس بذات الشخص. فمتى ما توقف الأفراد عن هذا السلوك فالأمور عسل على سمن. أيضا المجتمع لا يشعر بهذا القمع ولا يعتبره نذير شؤم، حتى أن الحلقات القريبة من المقموعين لا يصيبهم ضرر من هذا القمع.
في حالة القمع المتوسط المستوى، يكون الطاغية يفعل آلية القمع ضد جماعات وليس أفراد، فهو يعاقب شرائح واسعة (فكرية، سياسية، عرقية، مناطقية، دينية، مهنية، الخ) فهذه الشرائح تتضرر بالقمع لأنها تنتمي لهذه الفئات التي تنتمي لها وهي كما ترون ليس بالضرورة أن تكون فاعله سياسية، فعلى سبيل المثال، في السعودية حالياً، يتم اعتقال كل من لديه نفس وصوت مسلم، فالشاب محمد الجديعي ابن مكة، ليس له نشاط سياسي ولا خطاب سياسي، ولا يذكر أحد من قريب أو بعيد أنه تحدث في أي شأن عام، لكن لديه خطاب دعوي جميل مفعم بمحبة الرسول الكريم اللهم صلي وسلم عليه ويذكر الناس به عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لكن اعتقال وهو حبيس السجون بدون أي تهمه إلا أنه ليس على مزاج الطاغية. في حالة القمع المتوسط، تنتشر الرهبة والخوف والتوجس من بطش الطاغية، وتقطع أواصر العلاقات وتنتشر الجاسوسية بين الناس وينعزل الصالحون والحكماء.
في حالة القمع الشديد، فالطاغية يحكم بمنطق القمع، فالقمع ليس عملاً وظيفياً بالنسبة له، بل هو جوهر الحكم وأساسية، فهو يعتقد أن عمله هو قمع الشعب، وليس قمع شرائح محدودة كما في القمع المتوسط. لهذا تتزايد أعداد المقموعين كل يوم، وتشمل جل المجتمع، القضاة، السياسيين، الموظفين، الكبار والصغار، التجار والعمال، في حالة القمع الشديد يصل المجتمع لمرحلة أن القمع تجاوز الحدود، وأنه يجب أن يتحمل بعض أفراد المجتمع تكلفه هذا القمع ويواجهون السلطة. فأبناء سليمان الدويش وأهل لجين الهذلول وغيرهم، ما تحدثوا إلى بعد بلغ بهم السيل الزبى. يجهل الطاغية أن من نتائج القمع الشديد انه يفقد الدولة هيبتها يرهق مؤسسات الدولة في العمل على تحوير دور الدولة إلى المزيد من القمع، وبهذا تتعطل حركة نموء واستدامة المؤسسات. على المستوى الاجتماعي، تتزايد معدلات الهجرات البشرية والأموال والكفاءات، ويزيد الحاكم في عزلته، لأن الجميع من حوله يخشى القمع.