مدونات

قراءة في كتاب: أسلحة الضعفاء – أساليب الفلاحين في المقاومة اليومية

الكاتب/ة فهمي شهابي | تاريخ النشر:2023-01-23

كتاب أسلحة الضعفاء لبروفيسور العلوم السياسية والأنثروبولوجيا في جامعة يال الأمريكية جايمس سكوت هو كتاب أكاديمي يخدم الباحثين والأكاديميين بشكل خاص، لكنه يقدم أيضا معلومات هامة للقارئ العادي. درس الباحث إحدى القرى الماليزية وأساليب سكانها في مقاومة الظلم  الواضح في التوزيع الغير عادل للثروات. الكتاب ثري بالمعلومات و دسم بعض الشيء، حيث استطرد  الكاتب في تفاصيل وأحوال سكان القرية، و تحليل انتماءاتهم السياسية، ونسب تملكهم للأراضي، و دخلهم السنوي، وغيرها من العوامل في محاولة منه لفهم تصرفات السكان من كافة الطبقات الاجتماعية.  

أمضى جايمس سكوت عامين في إحدى القرى الماليزية المشهورة بزراعة الأرز محاولاً فهم أساليب المقاومة السلمية التي يتخذها الفلاحين في مواجهة التوزيع الغير عادل للثروات والصراع بين الطبقات. قضى جيمس وقته مع جميع الطبقات في القرية محاولاً فهم مختلف وجهات النظر. حدثت نقلة نوعية في القرية مع تطور التقنية المستخدمة في الزراعة، مما نتج عنها إنتاج كميات أكبر من الأرز. تحسن الوضع بشكل ملحوظ في القرية للجميع ولكن مع ذلك اتسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء،  وقلت فرص العمل للفقراء بسبب الاعتماد على الآلات في الزراعة.

كان الفقراء يحتجون بمزيج من الطرق السلمية كنشر الإشاعات فيما بينهم، ومحاولات السيطرة على الرأي العام، والتأخير المتعمد عن العمل، وغير ذلك. على الرغم من الفقر الذي يعيشه الفلاحون في القرية والفروقات الطبقية بين الأغنياء والفقراء، لم يكن التصعيد في الاحتجاج محتمل الحصول. أوعز سكوت السبب في استبعاد ارتفاع وتيرة الاحتجاجات إلى أربعة أسباب رئيسية كان أولها أن التحول الأخضر للزراعة كان الحدث المشترك الذي أحدث نقلة نوعية في جودة الحياة لمعظم سكان القرية. ثانيا، أن من لم ينتفع من التحول الأخضر للزراعة وازداد فقراً لم يكن يواجه خطر الموت من الجوع،  فالخيارات التي كانت أمامهم من شد الحزام أو الهجرة لم تكن تقارن بالفقر المدقع والمخاطر التي يواجهها نظرائهم في اندونيسيا أو الهند. السبب الثالث يعود إلى وجود المحايدين والمتفرجين من سكان القرية مما يخفض من وتيرة الصراع بين الطبقات. وأخيرا، كان السبب الرابع  هيمنة السياسة الماليزية على سكان القرية في وجود مصلحة مشتركة بين جميع سكان القرية، حيث كانت مصلحة جميع الفلاحين في إبقاء أسعار الأرز مرتفعة.

تأقلم أغلب الفلاحين مع الوضع القائم على الرغم من عدم تقبلهم الكامل وكثرة شكاويهم فيما بينهم، ففي نهاية المطاف، الوضع القائم فُرِض عليهم ولم يختاروه، كما أن الظروف المعيشية صعبة وهم بحاجة للعمل للحصول على قوت يومهم. المعارضون المثقفون الذين يبحثون عن حلول جذرية وطويلة الأمد عادة يأتون من طبقات متوسطة وغنية، حيث أنهم يملكون الرفاهية لتخصيص وقت في البحث عن حلول بعكس الطبقات العاملة والفلاحين الذين لا يستطيعون التفريط بالوقت.

استخدم الأقوياء والأثرياء في القرية أسلوب "الإكراه الممل في العلاقات الاقتصادية" حيث أنهم يسيطرون على أجور العمل، وإيجارات السكن، والعلاقات الحكومية، والكثير من الأمور المادية، لذلك صعب على الضعفاء مواجهتهم علناً. فأي مواجهة مفتوحة قد يترتب عليها رفع  إيجار المنزل، أو طلب إخلاء عند انتهاء العقد، أو استبدال عمالتهم بعمالة آخرين، وما إلى ذلك.

في الجزء الأخير من الكتاب تحدث البروفيسور سكوت عن مفهوم الهيمنة واستعرض أعمال فردريك أنجلز، وكارل ماركس، وتأثير العالم الإيطالي أنطونيو غرامشي على كتابتهم في الأيديولوجية الألمانية، و كيف أن الطبقة المسيطرة لا تسيطر مادياً فقط بل تفرض سيطرتها أيضاً على الثقافة والدين والتعليم والإعلام لتعزز من سيطرتها المادية، يشرح سكوت:

"إن أفكار الطبقة الحاكمة في كل عصر هي الأفكار السائدة، بمعنى آخر،  إن  الطبقة التي تملك القوة المادية  للمجتمع. هي أيضا الطبقة المهيمنة ثقافيا. فالطبقة التي تمتلك وسائل الإنتاج المادي تملك في ذات الوقت السيطرة على وسائل الإنتاج الذهني (الثقافي). لذلك، وبشكل عام، فإن أفكار  أولئك الذين يفتقرون  السيطرة على وسائل الإنتاج الذهني تخضع بالضرورة للطبقة الحاكمة. إن الأفكار السائدة ليست أكثر من تعبير مثالي عن العلاقات المادية المهيمنة، أي العلاقات المادية السائدة التي يتم استيعابها كأفكار؛ وهذا هو السبب في كونها العلاقات التي تخلق  الطبقة  الحاكمة، وبالتالي تفرض أفكارها هيمنتها. يمتلك الأفراد المنتمين  للطبقة الحاكمة، بالاضافة الى أشياء أخرى، على  الوعي وبالتالي على التفكير. وبقدر ما يحكمون كطبقة و يقومون بتحديد نطاق وبوصلة حقبة ما، فمن الواضح أنهم يفعلون ذلك في نطاق كامل، وبالتالي، من بين أمور أخرى، فإنهم يحكمون أيضًا كمفكرين، ومنتجين للأفكار، فيقومون بإنتاج وتوزيع الأفكار  الرائجة في عصرهم؛ وبالتالي فإن أفكارهم هي الأفكار المهيمنة على ذلك العهد."

كما اقتبس الباحث سكوت بحث جوزيف فيميا من جامعة مانشستر التي تقول فحواها أن البسطاء قد يدافعون عن حقوقهم ويرفضون بعض الأمور، لكنها بالعموم تبقى داخل المحيط المفروض عليهم من الطبقات المسيطرة، وهنا تكمن أهمية النشطاء المستقلين حيث بإمكانهم التفكير بشكل أشمل لكسر هذه الهيمنة وإيجاد حلول جذرية. لكن يجد جيمس أن هذه الأفكار لا تنطبق تماماً على سكان القرية التي عاش فيها وأنها مضللة بعض الشيء، وبرر اختلافه في عدة أسباب أولها أن مفهوم الهيمنة يتجاهل قدرة المرؤوسين والرعايا على اختراق وتبديد الأيديولوجية المهيمنة من خلال تجاربهم العملية اليومية. كما أن نظريات الهيمنة تخلط بين ما هو حتمي وما هو عادل، وهذا خطأ لا يرتكبه العوام أبداً. أيضا يرى الكاتب أن  الأيدولوجية المهيمنة تمثل نموذجاً مثالياً مما يسفر عن وجود تناقضات في المستقبل يسمح بانتقادها وفقا للضوابط التي حددتها الأيديولوجية مسبقاً. يشير أيضا أنه قبل حدوث أي تغيير جذري تبدأ المطالب بالإصلاح المحدود، ثم تتسع لتشمل مطالب أكبر. فتاريخياً، كسر واستبدال الأيديولوجية المهيمنة يأتي به من لديه بديل، ولذلك الطبقات الكادحة والمشغولة في تدبير أمور معيشتها عادة تنظر للوراء وتقارن وضعها في الماضي والحاضر.

واستعرض سكوت نظرية بارينغتون مور فيما يخص بتصرفات بعض ضحايا جرائم النازية في معسكرات الاعتقال: "من الصعب أن تلبس قناعاً أو تتصرف بطريقة ما باستمرار دون أن تكتسب الشخصية التي أجبرت عليها". بمعنى آخر، ماذا يحصل إذا كان عليك أن تلبس القناع طوال الوقت؟ لا يختلف سكوت مع هذه النظرية، لكنه يجدها لا تنطبق على سكان القرية، حيث أن ظروفهم أقل حدة وخطورة من معسكرات الاعتقال النازية، كما أنهم يستطيعون خلع الأقنعة في مواضع عدة. قدرة سكان القرية في نقض الهيمنة بينهم من خلال الاستهزاء بها واغتيال الشخصية لمن يرونهم جشعين خطوات مهمة لتقوية رمزية المقاومة للهيمنة، و تتوسع لتضم آخرين يجدون أنفسهم يعانون من نفس المعاناة.

بدأت المقاومة في القرية من خلال المطالب البسيطة والتي يعاني منها المزارعين في حياتهم اليومية. يقوم الفقراء المنتفعين من الوضع الراهن باستخدام القيم المشتركة التي كانت في صالحهم سابقاً والتي تخلى عنها الأغنياء. حيث يمكن للفقراء الهرب من الواقع من خلال الهجرة، يهاجرون بحثاً عن فرصاً أفضل. وحين تكون مواجهة الأغنياء مكلفة، يتفادون المواجهة. ولكن بين الهروب والمواجهة هناك العديد من الأساليب التي يقوم بها الفقراء دون التأثير على سلامتهم المادية والجسدية يلخصها البروفيسور سكوت كالتالي: 

"إن كانت الثورة صعبة الحدوث في القرية، فهذا سبب إضافي في أن نرى  الإصرار،  السخرية، و الهدوء، وفي التناقضات، وفي الأعمال الصغيرة من عدم الامتثال، وفي تثاقل الخطوات، وفي دعم الآخرين ممن يعانون نفس المعاناة، وفي عدم الإيمان في مواعظ النخبة، والجهود الحثيثة لحمل المرء نفسه ضد الصعاب الساحقة – كل ذلك يدل على معنويات وممارسات تمنع الأسوأ وتَعِد بشيء أفضل."

قراءة الكتاب في موقع GoodReads