إصرارا على تنفيذ سياسة "تكميم الأفواه" التي يتبعها النظام السعودي منذ وصول محمد بن سلمان لولاية العهد في يونيو/حزيران 2017، وملء صفحات السجل الحقوقي الأسود للمملكة، أنباء عن صدور حكم على مالك نجل الداعية سليمان الدويش المعتقل في سجون النظام منذ 2016، بالسجن 27 عاما -وفق ما كشفته مصادر سعودية عبر حساباتها بتويتر-.
وجاء الحكم الجائر على خلفية مطالبة مالك بكشف مصير والده المغيب من قبل النظام دون سند قانوني، إذ دأب على طرق كافة الأبواب الممكنة من التغريد على تويتر، إلى تسجيل مقاطع فيديو، ومناشدة المنظمات الحقوقية والإنسانية، ودعوة السلطة لإطلاق سراح والده، والحديث لوسائل الإعلام الأجنبية، ومطالبة الرئيس الأميركي جو بايدن بالتدخل.

معاناة الدويش الأب
سليمان الدويش أحد أبرز دعاة المملكة الذين كان لهم نشاط مؤثر في كثير من المدن السعودية، وله محاضرات دينية مؤثرة وكثيرة، حصل على الدكتوراه في الشريعة الإسلامية وكان يعمل في الجامعات السعودية في قسم أصول الدين، ونشط في الدعوة والإرشاد عبر الإعلام والمحاضرات الميدانية، واتصف بوضوح الرؤية، والسعي إلى الإصلاح الفكري الديني.

اعتقل الدويش صباح 22 أبريل/نيسان 2016 بعد يوم من نشره تغريدات، يظن أنه ينتقد فيها الملك سلمان ونجله الذي كان نائبًا لولي العهد وقتها، بأسلوب "التورية" حيث قال في نصيحة تربوية "لا تفرط في منح ابنك المراهق المدلل مزيداً من الثقة والصلاحيات دون مراقبة ومحاسبة وإلا فانتظر كل يوم فاجعة تأتيك منه حتى تهدم بيتك".
وأضاف الدويش في نصيحته على حسابه الذي يتابعه أكثر من 125 ألف مغرد: "محبتك لابنك وترك محاسبته تنمي عنده شعوراً يوصله غالبا إلى الاستخفاف بك والاعتداد بنفسه بحيث لا يبالي بخسارتك لمنجزاتك التي كنت تفخر بها، لن تلام على محبتك الطبيعية لابنك لكنك ستلام إذا استثمرها لممارسة مراهقته وعبثه ولن تصنف إلا أنك موافق له أو أنه لا يأبه بك ولا يراك شيء".

ووفق منظمة القسط لحقوق الإنسان، فإن الدويش، محتجز في سجنٍ غير رسمي أقيم في قبو أحد القصور الملكية بالرياض ويديره أعضاء من الدائرة المقربة لولي العهد، ولم ترد عنه أي أخبار منذ يوليو/تموز 2018، وتعرض للتعذيب على يد أحد كبار المسؤولين السعوديين الذي تعدى عليه بالضرب المبرح حتى غرق بالدماء، وتدخل بعض الحضور لمنع قتله.

معاقبة عائلة الدويش
وطال الاخفاء القسري أبناء الدويش "عبد الرحمن وعبد الوهاب ومالك" الذين دأبوا على المطالبة بكشف مصير والدهم المختفي، ومراجعة الجهات المعنية وتواصلهم مع الأجهزة الحكومية ومناشدة الأمراء للتوسط لطمأنتهم على والدهم، إذ بدأ النظام باعتقالهم تباعا، وتعرضوا للتعذيب، في انتهاك صريح للقوانين والمعاهدات الدولية.

واعتقل مالك الدويش، المرة الأولى في نهاية يونيو/حزيران 2022، على خلفية ظهوره بمقطع مصور على قناة PBS الأميركية، يتحدث فيه عن قضية والده وقصة اختفائه بسجون النظام، مطالبا السلطات بإعلامه عن مصيره ومكانه، وتعرض للتعذيب الوحشي لانتزاع اعترافات منه عن تفاصيل مقطعه الذي نشرته القناة الأميركية.

وفي الشهر التالي لاعتقال مالك، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال، إن الاعتقال الذي جاء قبل أسبوعين من زيارة مقررة للرئيس الأميركي للسعودية، لأنّه تحدث إليها عن ظروف اعتقال والده وإثنين من أبنائه الآخرين، وروى كيف قالت جهات حكومية وعائلات معتقلين آخرين إن والده سُجن في زنزانة قصر وتعرض للضرب بأمر من بن سلمان.

وأوضحت الصحيفة أن مالك قال لها إن ما شجعه للحديث عن أبيه رغم خطر الأعمال الانتقامية ضده وضد عائلته، هو حصول عائلة المعتقل عبد الرحمن السدحان، على مكالمة هاتفية معه بعد سنوات من الإخفاء القسري، نتيجة عمل أخته أريج وحديثها عن قضيته، قائلا: "رأيت نتيجة الصمت، ونتيجة الكلام، وأن جذب الانتباه لقضية معتقل تخيفهم كثيرًا".

مساعي نجل الدويش 
وفي أغسطس/آب 2022، نشرت منظمة داون للديمقراطية الآن، مقالا كتبه مالك قبل اعتقاله تحت عنوان: محمد بن سلمان و"فرقة النمر" التابعة له عذبوا والدي وأخفوه، ثم اعتقلوني، موضحة أن مالك سجل مقطع فيديو اطلعت عليه، حث فيه المنظمات على نشر كتاباته ومناصرته حتى لو تم القبض عليه.

وقال مالك: "ربما يكون والدي الضحية الأولى للميليشيا الشخصية لولي العهد السعودي، "فرقة النمر"، المعروفة رسميًا باسم قوة التدخل السريع، والتي قتلت فيما بعد كاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي"، مضيفا أن معتقلين سابقين أخبروه أنهم رأوا والده في قصر بن سلمان بعدما اختطفه عضوان رئيسيان في فرقة النمر، وتورطوا بتعذيبه.

وأوضح أنه كتب المقالة لمناشدة إدارة بايدن للضغط على الحكومة السعودية للإفراج عن والده، والتوقف عن مضايقة عائلته والسماح لها بالعيش في سلام، مذكرا بايدن بوعوده خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية، بجعل حقوق الإنسان عقيدة مركزية في السياسة الخارجية الأمريكية، ومحاسبة المسؤولين عن مقتل خاشقجي.

كما ذكر مالك بايدن بوعوده بإعادة تشكيل العلاقة الأميركية السعودية على أساس الفهم الواضح وأنها لن تتسامح مع مثل هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لكنه لم يفِ بهذه الوعود، ولم تمارس الإدارة الأميركية ضغطًا حقيقيًا على الحكومة السعودية، مؤكدا أن مصداقية الولايات المتحدة تتضاءل في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وبالتزامن مع نشر المنظمة لمقال مالك، أطلق حقوقيون وناشطون حملة دولية للمطالبة بكشف مصير سليمان الدويش وإطلاق سراح أبناءه، تحت وسمي #أين_سليمان_الدويش، و#اطلقوا_أبناء_الدويش، وقالت منظمات حقوقية، إن موقعا تابعا لوزارة الداخلية السعودية كشف أخيرا عن وجود الدويش في سجون تابعة للمباحث، وأنه لا يزال رهن التحقيق.

ونتيجة للحملات، أفرجت السلطات السعودية عن إثنين من الأبناء هما عبدالوهاب ومالك، في 2 سبتمبر/أيلول 2022؛ إلا أنها سرعان ما أعادت اعتقاله في أكتوبر/تشرين الأول 2022، أي بعد نحو شهر من إطلاق سراحه؛ وخص مالك قبل اعتقاله الثاني صحيفة "صوت الناس" بمقطع فيديو قال فيه إن والده ضحية انتقام شخصي لا مبرر له، متمنيا أن يحكم العقل في موضوع والده ويحل بشكل عاجل.

وبدوره، عّد عضو حزب التجمع الوطني السعودي ناصر العربي، الحكم الجائر على مالك الدويش بـ ٢٧ سنة بمثابة "رسالة قمعية من النظام القمعي للشعب بأنه يجب أن تصمت حتى عن السؤال عن مصير أحد أفراد العائلة"، متسائلا: "أي نوع هذا القمع؟ ٢٧ سنة علشان قال أين أبي؟".

https://twitter.com/AlarabyNasser/status/1676229340994887680?s=20