مقالات

النكبة السعودية

الكاتب/ة ناصر العربي | تاريخ النشر:2023-11-28

يقول أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدة ذائعه الصيت: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت...فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. هذا البيت على بساطته يصف الحالة السياسية السعودية ليس فقط في الازمة الحالية لكن منذ صعود سلمان وابنه محمد للسلطة. فالسعودية عرفت نفسها خلال العقود الماضية بأنها مركز للقرار العربي ومركز ثقل في السياسيات الخارجية الإقليمية والدولية.

 كانت السعودية هي المقر "المصطنع" للمبادرات السلام والإسلام والقمم الإقليمية العربية والإسلامية. كانت السعودية تندد بشكل علني وتسمح بهامش حرية للمجال العام بالحديث عن فلسطين، وربما كانت فلسطين هي نافذة الحرية الوحيدة لدى السعوديين في التعبير عن غضبهم وسخطهم، وكانت السلطة تسمح بهذا الهامش وتدعمه وتسانده بالمال والإعلام والتضامن بكافة أشكاله.

اليوم نحن في عالم أخر، بعد يوم ٧ أكتوبر بدأت معظم شعوب العالم بإعلان التضامن ثم لحقتها عدد من الدول في تنديد العدوان الصهيوني على غزة، وبدأت صفحة جديدة من التطهير العرقي المباشر. كانت حكومة محمد بن سلمان في تجاهل تام لما يحدث، حيث في أول أسبوع من هذه الكارثة حضر حفل مهرجان للألعاب الإلكترونية. إي والله، ثم توالت المهرجانات الغنائية والمسرحية التي قوبلت باستهجان محلي وإقليمي حتى أن الممثل المصري محمد سلام رفض الذهاب والرقص والضحك في الوقت الذي تباد فيه غزة. 

كانت وزارة الخارجية السعودية تتحرك بإصدار بيانات أقل ما يقال أنها لم تكن على مستوى الحدث. وكان واضحاً أن محمد بن سلمان يصطف في الخندق الصهيوني، حيث استضاف مؤتمر الاستثمار الأخير (الأسبوع الثاني من المجزرة) الصهيوني كوشنر. بعد هذا اللقاء ظهر الإعلام الشبة رسمي والمحسوب على محمد بن سلمان بحملة تضامن مع الصهاينة وإدانة لأصحاب الأرض من أهل غزة. هذه الحملات الإسفافية لم تتوقف حتى كتابة هذه السطور. العالم أجمع بكل شعوبه وألوانه وأعراقه في إدانة المحتل وعلى رأسهم الشتات اليهودي في أمريكا وغيرها في إدانة المحتل. يختتمها محمد بن سلمان بإعلان مهرجان للكلاب. هذه ليست مزحة لكنها حقيقة موجعة.

في كل يوم يزداد البون الشاسع من خطابات الكراهية التي يصدرها الإعلام المحسوب على محمد بن سلمان نحو العرب والقضية الفلسطينية. هذه الخطابات ليست حالة عابرة، بل هي حاله متجذرة في الأنظمة التسلطية. فالفوقية التي تتحدث بها السلطات السعودية في كل مناسبة هي جزء من هذه الخطابات. فمحمد بن سلمان يبدأ خطاباته العربية والإقليمية أن السعودية دعمت بمبلغ وكذا وكذا. والأمثلة على هذا لا تعد ولا تحصى، فهو يتصور أن مصدر القوة هو المال فقط. صحيح أن القوة النفطية السعودية لها ميزانها في النزاعات الإقليمية، 

لكن ليس بهذا الأسلوب البجيح.

أكبر هزائم محمد بن سلمان ليست اليمن، بل انتصار غزة وتغير كفة موازين القوى في فلسطين المحتل، وهو ما أفشل مشروع التطبيع. والذي قد كان قاب قوسين أو أدنى، حيث التطبيع السعودي مع المحتل الصهيوني. كان يتأمل محمد بن سلمان من إجراء تطبيع عاجل قبل انتهاء مدة بايدن لأجل الحصول على مكاسب من الولايات المتحدة، وهي: الحماية الأمنية الأمريكية للسعودية، المشروع النووي السعودي بإشراف أمريكي. يفكر محمد بن سلمان في مصالحة الشخصية فقط دون المصالح الوطنية والإقليمية، حتى التعاطف هو يستكثره على الناس. والشواهد كثيره، فاعتقالات حدثت في الحرمين بسبب الدعاء لفلسطين ولبس الكوفية الفلسطينية. السعودية اليوم في نكبة كبرى، نكبة أخلاقية أكثر من سياسية، فالسياسة تقوم على المناورة، لكن الاخلاق تقوم على المروة والإحساس بالكرامة والإنسانية نحو القضايا السائدة في المنطقة وخصوصا التي تتقاطع مع الهويات الدينية والقومية.

يستطيع محمد بن سلمان أن يتجاهل قيم العروبة والإسلام والإرث السياسي المحلي الذي سار عليه ملوك السعودية خلال العقود الماضية في الموازنة وشيء من الحصافة في التعامل مع القضية الفلسطينية لكن إلى أين؟ ولمصلحة من؟ العقيدة الصهيونية تأخذ ولا تعطي، هل يعقل أن يكون هناك قرار استراتيجي بالتحالف مع دولة محتلة منبوذة اقليماً، ودولياً مصنفة بأنها دولة فصل عنصري وملطخه بانتهاكات لا تعد ولا تحصى للقانون الدولي. لكن هذه هي النكبة أن يتجاهل صانع القرار كل هذه المؤشرات ويسير في طريق النكبة.