مقالات

لتكن لاجئاً على الطريق الصحيح

الكاتب/ة خلود | تاريخ النشر:2024-04-14


لم تكن أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية تعرف هذا التدفق الهائل من قِبل مواطني المملكة العربية السعودية من قَبل عقدٍ من الزمان تقريباً، رغم تنبؤ العديد من النشطاء والمشغولين بالإصلاح، بهجرة الشباب من كلا الجنسين تزامناً مع ما تشهده البلاد من تفاقم الاستبداد السياسي أولاً، إذ يرزح الوطن والمواطن تحت وطأة الحكم الملكي المطلق. 
و جميعنا نعاني من الظلم وسلب الحقوق بكافة أشكاله، لا حريات أمامنا سوى حرية المدح بإسهاب وأن لا نرى إلا ما يراه الحاكم، وإلا فمصيرنا الاعتقال والإخفاء والتعذيب، وملف معتقلي الرأي الآخذ بالازدياد يشهد على تلك الجرائم، وثمة ملف البدون الذي لا يُراد له حلاً، والثبور لمن يفتحه ويتحدث عنه بالحق، ولدينا من المحتاجين والفقراء في وطن يفيض بالمقدرات والخيرات التي تذهب إلى جيب الحاكم وحاشيته بلا مساءلة، وملف حقوق المرأة بشكلٍ خاص بكل ما تجده من تعنيف وتمييز وتلك قصص أخرى..

كل تلك الأسباب وأكثر كانت سبباً في هجرة النشطاء القسرية غالباً أو الاختيارية أحياناً، بحثاً عن دولة يلجأون إليها ليمارسون أنشطتهم بعيداً عن السجون والقهر وتكميم الأفواه.

ولكن مع وجود هذه الأعداد الكبيرة، ينبغي لفت النظر لمن يفكّر الآن باللجوء ويدرس هذا الموضوع أياً يكن السبب، سياسي، عائلي، أوبسبب المعتقد.. إلخ عليه أن يعي أولاً ما هو الشيء الذي هو بصدد الإقبال عليه! لا سيما إذا كانت لديه عدة اختيارات من ضمنها القدرة على البقاء على أرض الوطن، لأن طلب اللجوء قرار مصيري يحتاج إلى صلابة، وذهن متقد، واعتماد كبير على النفس دون أن ننسى المرونة والقدرة على التكيف مع ظروف البلاد المقصودة، فأنت عندما تحزم حقائبك وتهم بالذهاب بلا عودة، لستَ كمثل من يذهب إلى الدول الأوربية أو غيرها سائحاً أياماً معدودة ثم يعود إلى وطنه، عمله، عائلته، طعامه، روتينه وكل ما اعتاد عليه، وهو غالباً راضياً عن تلك البلاد، بعكسك أنت! وتلك تفاصيل صغيرة ستقف عندها وأكثر عندما تصبح أفكارك واقعاً ويكون وضعك تحت مسمى "طالب لجوء" 
وهنا الفرق بين الاختيار والاضطرار، إذا كنت مضطراً فعلاً.

ومسألة الاعتماد على النفس تبدأ بالوقت الذي تلمع بذهنك فكرة اللجوء، وعندها يجب أن لا تعوّل على وجود أشخاص بعينهم في الخارج لكي تعتمد عليهم بكل شيء! وهذا الأمر مذموم ولكن استشارة ذوي الخبرة والصادقين والأمناء محمود، وشتان بين الأول والثاني.

من هنا ننطلق إلى ما يُضخ بهذا الخصوص في مواقع التواصل المختلفة لا سيما منصة إكس، والنصائح التي قد لا تكون دقيقة وتكون خاصة فقط بأصحابها، باختلاف قصصهم وتجاربهم وطباعهم، لا على أساس التمييز بينهم! 
فالبعض قد يأتِ وهو جازماً بأنه سيحصل على حق اللجوء والإقامة بمدة قليلة كسرعة البرق، أو يعتقد بأن ثمة حياة وردية لا شوك فيها ولا تحديات وكأنه ذاهبٌ إلى الجنة.

وإن أردتُ أن أقدم نصيحة لمن تراوده فكرة اللجوء للشباب من كلا الجنسين، أقول: راجع نواياك أولاً وأسأل نفسك مراراً ماذا أريد؟ وما الخطوة التي تليها؟ وإن لم تكن مهدداً وليس عليكَ خطراً حقيقي- هل يمكنك أن تقدم شيئاً دونما مغادرة الوطن؟

فأنا لا أنصح بالإقدام على هذه الخطوة إلا إذا كان وضع الإنسان لا يحتمل البقاء داخل البلاد إما بسبب معتقده الغير مقبول سياسياً واجتماعياً، او بسبب التعنيف الذي تتعرض له بعض النساء مع فقدان الحماية من قبل السلطات، او بسبب الخوف من الاعتقال بسبب النشاط السياسي والحقوقي بالذات إذا كان قاب قوسين أو أدنى. أو غيرها من الأسباب التي تقتضي الحاجة لذلك.

أما عِداها فبإمكانك النظر بالبدائل الأخرى، كالاستمرار بمزاولة النشاط مع توخي الحذر ومراعاة الجانب الأمني، فالأمر يستحق التفكير بكل صغيرة وكبيرة، وهو ليس بنزهة قصيرة وتنتهي، فلا تصدق كل ما يقال او يُعرض من خلف الشاشات مما يخطف الألباب، زِن ظرفك الخاص بميزان الحكمة والواقع.