مقالات

ثقافة التسلط (جزء 1)

الكاتب/ة ناصر العربي | تاريخ النشر:2021-07-02

تعكس الثقافة مستوى السلوك الذي نتصرف به مع البشر والأشياء من حولنا، يقولون هذا شعب مثقف، ويقولون ثقافة هذا الشعب متحضرة أو منحطة كوصف للسلوك الاجتماعي العام للمجتمع. والثقافة يتم صناعتها وتعزيزها عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية الأساسية: التعليم، الأسرة، المؤسسات التربوية والثقافية، التلفاز وبرامج الإعلام، الخطاب الديني والمؤسسات الدينية، والحي وجماعة الأصدقاء. هذه هي المؤسسات هي التي تشكل سلوكنا منذ نعومة أظافرنا بوعي تارة ودون وعي تارة أخرى.

فالطفل كما يتعلم الكلمات الأولى من والديه وهو لا يزال يحبوا، فهو كذلك يكتسب الكلمات والمفردات التي تغرس في وجدانه ويتشرّبها كما يتشرّب حليب أمه. وفي المدرسة والحي والمسجد وعبر النوافذ الإعلامية يتم تشكيل وبناء ملامح السلوك الاجتماعي العام حول ما هو مقبول وما غير مقبول على مستوى الفرد والجماعة؛ حول التعامل مع الآخرين والتفاعل معهم مع الواقع الاجتماعي والسياسي من حولنا. 

في بعض المجتمعات تكون القواعد والقيم الاجتماعية واضحة، يتم التأكيد عليها في كل حين، حيث تتكرر التأكيدات في كل المراحل ابتداء من البيت إلى المدرسة ثم بيئة العمل وبرامج التلفاز كمثل وقيم أساسية هي قواعد لهذا المجتمع.

وهذه الثقافة موجودة في كافة المجتمعات والدول، منها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي. ففي بعض المجتمعات يتم التأكيد في كل حين على قيمة المساواة والعدل منذ المراحل العمرية المبكرة، ربما لا تكون هذه الأفكار موجودة منذ مهد الدولة لكن هي موجودة في أكثر المجتمعات الغربية، بعض النظر عن تطبيقاتها خارج حدود هذه الدولة، لكن الفرد الذي يعيش في تلك المجتمعات تتكرر عليه هذه الأفكار التي تحولت إلى قوانين في المؤسسات العامة للمجتمع، وخرقها يعتبر ربما مخالفة. 

في المقابل، توجد في مجتمعات أخرى أنماط مختلفة لبعض أشكال الثقافة، ففي أوطاننا العربية، منذ نعومة أظفارنا تعلمنا الخوف ونشأنا على أن الحديث عن الحكومة ونقدها ربما يكون جريمة ومخاطرة، وربما هم يفهمون ونحن لا نفهم “الحكومة أبخص منك” لهذا ترسخ سلوك أن الشأن العام ليس لنا الحق في الحديث عنه، وتحولت مع الوقت إلى قواعد اجتماعية في الكثير من البلدان، حتى أن بعض من يشذ عن هذا النمط ويتحدث عن إشكالية في المجتمع والوضع السياسي والاقتصادي ربما يصنف لدى الناس أنه “خارجي”، “تغريبي”، “علماني”، “اخواني”، إلخ من المفردات التي تقول في ما معناه أن هذا الفرد ثقافته وسلوكه لا ينتمي لمجتمعنا. وهو هذا واقعي، فإن كثيراً ممن تنبهوا إلى توغل السلطة في حياة الناس وسيطرتها عليها وحذر من هذه الحكومة التسلطية وصف بما هو ليس فيه، فقط لأنه خالف الثقافة التي تنشأ عليها المجتمع.