خرج قبل أيام رئيس أمن الدولة الضابط عبدالعزيز الهويريني في برنامج على قناة MBS، يقول الضابط الهويريني رئيس جهاز المباحث أنه يحمل رسالة من محمد بن سلمان لكافة المعارضين في الخارج بأنه يصفح ويسامح عن كل من عارض الدولة وأنه يعد الجميع بأن الدولة ترحب بكل المواطنين المعارضين في الخارج. هذه الخطوة هي اعتراف من الدولة بوجود معارضة في الخارج، وهذا ليس جديداً ، لكن الجديد هو الحديث به من قبل أعلى مسؤول أمني في البلد، مهمة قمع المواطنين، فجهاز المباحث العامة ليس له أي مهمة أخرى سوى ملاحقة المواطنين. ثانياً، تنطوي هذه الرسالة على استعلاء وغرور ونأي الدولة بنفسها عن كل أساليب القمع التي تقوم بها منذ أن تولى محمد بن سلمان السلطة، وأيضا أرثها القمعي كدولة ذات نظام ملكي. هذا الاستعلاء والغرور هو في شكل عدم الاعتراف بوجود كوارث قمعية أضرت بالبلاد والعباد، ولقي الكثير حتفهم من إعدامات ظالمة، وسجن وقمع لعدد لا يحصى من المواطنين. وهنا عندما أقول لا يحصى فأنا أتحدث عن الفترة من سبتمبر ٢٠١٧ إلى اليوم فقط. ولا أتحدث عن نايف ابن عبدالعزيز وابنه محمد وزير الداخلية، فقد كان لهم اليد الكبرى في تجذير القمع والسجون السياسية.
محمد بن سلمان على منصة مؤتمر الاستثمار أطلق وعداً بأنه سوف "يدمرهم اليوم وفوراً" يا ترى من هم الذين سوف يدمرهم اليوم وفوراً؟ وماذا فعلوا؟ وما هو دليلهم على إجرام المواطنين الأبرياء؟ وفعلاً لم يكذب محمد بن سلمان في وعده الغاشم، فضحايا محمد بن سلمان لو كتبت على ستار الكعبة لن تمحوا خطاياه، فمن قتل جمال خاشقجي غيلة بعد استدراجه داخل قنصلية بلده، إلى تقطيعه كما تقطع الشاه. إلى حملة قمعية لا مثيل لها في تاريخ الوطن، شملت النساء قبل الرجال، والشيوخ وكبار السن قبل الشباب. هل يا ترى تريدون أن نذكر أسماء الذي لقوا حتفهم داخل سجون محمد بن سلمان؟ فمن عبدالله الحامد وصالح الشيحي وموسى القرني وغيرهم. لماذا كل هذا البؤس والقمع.
لهذا أعود للضابط عبدالعزيز الهويريني مدير المباحث العامة سيء السمعة، و أسئلة لماذا خرج أبناء الوطن إلى الخارج؟ لماذا يقرر شاب نفي نفسه إلى ديار لا يعرف فيها أحد؟ هو يعلم الجواب، لكن العقلية الأمنية الفاسدة التي تفضل الانحياز لرغبات السلطة على حساب أمن المواطن تتجاهل الحقائق الأساسية لزيادة طلب الهجرة للخارج. فكثير من المواطنين يعلم أن مستقبل البلاد غير مستقر، لهذا يرسلون أولادهم للتعلم خارج البلد ومحاولة الحصول على إقامة دائمة في بعض البلدان، وأيضا نقل ما يُسمح من أموالهم للخارج تحسباً لليوم الأسود.
الحقيقة القابعة في أعماق شعور المواطن، هي الشعور بالخوف وعدم الإحساس بالأمان. هذا الشعور لا أحد يتحدث به، لكن الجميع يحس به. فهو معلوم و محسوس لدى الجميع. فجل المواطنين يعلمون هذه الحقيقة الدامغة أن القمع سيد الموقف. ويعلم الجميع أن سياسات محمد بن سلمان منفرة، وأن المواطن لا يستطيع أن يحتج أو يرفض هذه السياسات، لأن أي نقد لها من أي مستوى يعرضه للقمع. وأكثر معرف به هذه الحقيقة هم الأكثر قرباً منه.
حقيقة أخرى، هي معالم القمع في المجال العام في تويتر وفي المجالس العامة، ففي شبكات التواصل العامة، اختفى النقد، لأن الدولة سخرت نفسها لملاحقة أي صوت ينتقد سلوكها، وفرضت أحكاماً فلكية على هذا السلوك الفطري في نقد الظواهر الاجتماعية والسياسية. فمحمد بن سلمان يضيق صدره من أي كلمة تقال عن المشاريع التي يقوم بها. وهذا هو ديدن الطغاة. أما المجالس العامة، فالجميع يعرف هذه الحقيقة بالإشارات، أن يتم تجنب التورط في الحديث المطلق عن النقد العام، لأنه فلان غير مأمون الجانب، أو فلان دبوس، وغيرها من المبررات. القمع اليوم يرى ويشاهد ويعرفه الصغير قبل الكبير. لهذا نقول أنه لا يصح إلا الصحيح، والحق أحق أن يتبع، لا يحق لأى كائن من كان يقمع الحقيقة طال الزمان أم قصر. ويجب أن تأخذ العدالة مجراها عاجلاً غير آجل.