مقالات

الحاكم و العلم والعلماء

الكاتب/ة خلود العنزي | تاريخ النشر:2025-03-04

في كل مناسبة وبالذات فيما يخص المناسبات الدينية كشهر رمضان المبارك الآن، تنتشر صور للحاكم الفعلي للملكة السعودية ألا وهو محمد بن سلمان وهو يُقبّل رأس مفتي المملكة ويستقبل علماء الدين، فتسارع القنوات الفضائية والمنصات الإخبارية على نشرها بعنوان " سموّه يقدر العلم والعلماء!" 
وعند متابعة التعليقات تجد أغلبها في مدح سلوك الملوك في تقدير العلماء تصديقاً منهم لِما يخطف الألباب متناسين الواقع الذي يدحض كل ما يُقدم لأبصارنا على أنه حقيقة.

بداية من هم علماء الدين الذين يجب أن يحظوا بالتقدير حتى من قِبل المواطنين وغيرهم من المسلمين في مختلف أنحاء العالم إذا كانوا على قدرٍ من التأثير ومن أولئك الذين ذاع صيتهم؟ وليس فقط من قبل الحاكم.
فعالم الدين وهذا من المفترض أن يكون مخلصاً لله فيما يفتي ويقول وذلك بأنه فقيهاً يلجأ الناس إليه في حلّ مسائلهم الدينية بكل نزاهة وصدق بعيداً عن أي سلطة سياسية أو مالية أو وجلّ ممن بيده الحكم، تجعله يشتري الحياة الدنيا بالآخرة ويدلس على من وضعوا ثقتهم فيه.

تقدير العلم والعلماء ليس بتقبيل الرؤوس، ولا بتطويعهم واستخدامهم " كسلطة دينية" لتصبح طوع بنان السلطة السياسية التي توظف قوة النص الديني لخدمة مصالحها.
وهكذا قامت الدولة السعودية كما هو معلوماً لدى الجميع، وحتى عندما أجد الأشياء تبدو بديهية إلا أنها ما زالت نفاقاً يُقابل بالقبول والتصديق! مما يستوجب الحديث الدائم عنه.
وبمثل هذه المواقف يحق لنا أن نتساءل: لماذا تم اعتقال عالمنا الشيخ سلمان العودة؟ ولماذا لا يزال رهن الاعتقال في حبسه الانفرادي، يواجه شتى ألوان العذاب والهوان! 
أليس من المخجل جداً ويُعد فضيحة أيضاً أن يُزج بعالم الدين الحقيقي في السجن! هذا اختباراً لنا أولاً ولمقياس تقبلنا لمثل هذا الظلم البيّن وجعلنا ساحة لتجارب ردات الفعل ولقياس مدى استجابتنا لنسيان العلماء الأفاضل ومنهم الشيخ سلمان؟! 
وعلى سبيل الذكر لا الحصر، ثمة علي العمري، علي بادحدح..إلخ وغيرهم أساتذة جامعيين وعلى رأسهم الدكتور عبدالله الحامد الذي تم اهماله طبياً حتى فاضت روحه -رحمه الله- كم كانت خسارته خسارة كبيرة لنا، أيضا الأستاذ الجامعي سعود الهاشمي الذي حكم عليه ب30 سنة سجن، والفاضلة عزيزة اليوسف التي أفرج عنها وغاب صوتها، وكذلك الأستاذ الجامعي أنس المزروع وعالم الاقتصاد عصام الزامل..وغيرهم العديد من أهل العلم وعلماء الدين، أهكذا تكون مصائرهم في السجون وكأنهم مجرمين، أهكذا يكون تقديرهم! 
بدلاً من الاعتزاز بتلك العقول والافتخار بوجودهم بيننا، وتكريمهم وإكرامهم بانزالهم منازلهم والأخذ بآرائهم للمشاركة في تطوير البلاد وبنائها، تستعينون بمن هو أقل منهم عقلاً ورجاحة! 

ثم لماذا لا يُفرج عنهم أسوة بمن تم الإفراج عنهم مؤخراً! أياً يكن سبب هذه الإفراجات، ذلك أجدى لإغلاق ملف القمع والاعتقالات التعسفية التي أثقلت كاهل النظام السياسي.


للحاكم
أنت الآن أمام شعب وأجيال في طريقها للوعي، مهما أغراها بريق اللهو والشعارات فإنها محملة بأعماقها بتساؤلات وانتقادات ومقارانات بين نظام دولتها الملكي المطلق الذي أكل عليه الدهر وشرب وألغى وجودهم كبشر، وبين تلك الأنظمة الحديثة التي أعياها تبني مثل نظمامك السياسي في يومٍ ما، فباتت تكفل الحريات وتفسح حيزاً للمشاركة السياسية، فهذه الأجيال التي وجدت أبواب الإطلاع مفتوحة على مصراعيها، وستعود من بلاد الابتعاث مزودة بكافة وسائل المعرفة التي ستنير بصائرهم على معنى الحياة الحقيقية وكافة معاني الحكم السياسي، لذلك ومن الأفضل الاستماع لهم بالسماح بالنقد البناء والحوار الجاد بعيداً عن الخوف من التعبير عن الرأي، باطلاق سراح معتقلي الرأي دون انتقاء! باحتوائهم لا بقمعهم ..هذا كله يعود عليك بالنفع أولاً وأقل كُلفة من تكميم الأفواه وتضخم ملف معتقلي الرأي.

ولنا نحن كمواطنين أرجو أن لا نكون مثلما قال نوبواكي نوتوهارا في كتابه " العرب من 
وجهة نظر يابانية" السجناء السياسيون في البلدان العربية ضحوا من أجل الشعب لكن الشعب نفسه يضحي بأولئك الأفراد الشجعان" 

ختاماً
طالما أن الاستبداد هو السمة السياسية السائدة الآن فهذا يعني الحاجة الدائمة التي تستند إلى نصوص الدين وتوظيفها في خدمته ستبقَ، وسيستمر استعباد عالمه وليس تقديراً له في نهاية الأمر، الحاكم الرشيد ليس بحاجة إلا إلى تأييد الشعب له والاستناد إلى قوة شرعيتهم المستمدة منهم لا العكس.
فقط أفرج عن علمائنا ودعاتنا وأساتذتنا وكف أذاك عنهم. 
إهانة العلم والعلماء تضر وتهدم أكثر مما تنفع وتحمي أو تبني.