مقالات

الإيمان بالقضية - عبدالله الحامد مثالاً

الكاتب/ة خلود العنزي | تاريخ النشر:2025-04-23

في كل عام يوافق فيه الثالث والعشرين من شهر أبريل، تجتاحني غصة وتعبر عيني غيمة من الدموع حين استحضر كيفية رحيل مناضلنا العظيم أبو الإصلاحيين الدكتور عبدالله الحامد- طيب الله ثراه- في ذكرى رحيله الخامسة التي تمرّ عليّ أنا شخصياً وكأنها للتو قد وقعت وحلّت تلك المصيبة التي هزت قلوب النشطاء.
في مثل هذا اليوم أكثف الاطلاع على أعماله، محاضراته، أقرأ كتبه أكثر من مرة وكأنني أجدد له العهد بالسير على نفس الطريق، وأستمر لأيام طوال.

الدكتور عبدالله الحامد -رحمه الله- كان مناضلاً استثنائياً نفخر به فخر الشعوب بمناضليها في جميع أنحاء العالم، ذلك الفخر الممتد إلى آخر ناشط ومناصر للعدالة في كل مكان على هذه الأرض ومحب لرموز الإصلاح عبدالله الحامد هو أيقونة النضال.
الدكتور عبدالله الحامد لم تكن تنقصه المكانة الاجتماعية ولا الوظيفة المرموقة، فهو البروفسور الذي عمل محاضراً في الجامعة، الذي كان يعلم بعواقب إقدامه وثمن وقوفه أمام سلطان جائر، هو لم يكن يعلم فحسب بل أنه كان مستعداً لتقديم كل غالٍ ونفيس في سبيل ما يؤمن به من ضرورة التصدي للاستبداد وأهله الذي سلب الحقوق ونهب المال العام ونشر الفساد، الراحل الحامد خسر منصبه، فمثله أمّة برجل ورجل بأمّة، لا يرغب به المستبد معلماً للأجيال ينشر الوعي بالحقوق ويحث على الجهاد السلمي، يرى بمثله شراً وخطراً يهدد وجوده، الحامد ضحى بحرية جسده بينما كان حُراً لو وُزعت حريته على كافة الشعب لكفتهم وفاضت، إنما الحرية حرية الروح والشعور والوجدان والضمير، مع ذلك اختار النضال مع علمه بنهاية المطاف ألا وهو الزج به في السجن ومآلاته، وصولاً إلى تقديم الروح ثمناً لكلمة حق، وهذا ما حدث فعلاً إذ فاضت روحه الطاهرة بعد ما تعمدت السلطات السعودية إهماله طبياً في السجون بعد ما عذبته وحاولت أن تنال منه.
كان يعلم بكل ذلك وهو الذي قال" وإن قُتِل المجاهد المدني شهيداً، لم يُقتل بين عشيةٍ وضحاها، لن يُقتل حتى يصابر على ما في السجون من تعذيبٍ وتضييق، وقد تمر سنون وهو لم يُحاكم، ولا يموت حتى يمر بصنوف الأذى والعذاب" 
سيرة الدكتور عبدالله الحامد تنبض بالحماس والوعي وتمد قارئها ومتئملها بالطاقة والشحن اللازم للاستمرار على هذا الطريق الوعر، ثمة أمراً لا يعلمه العديد ممن يطلقون على أنفسهم نشطاء أو معارضين يريدون الانحراط في العمل الحقوقي والسياسي بعيداً عن التغريدات، بعضهم لا يؤمن إيماناً كافٍ بأهمية العمل التطوعي وأخذه على محمل الجد، بعضهم لا يعرف من أين يستمد الناشط الآخر قدرته على الاستمرار بالعمل دون كلل أو ملل، لا يعلم أن الشغف، الإيمان بالقضية وتخصيص وقت كبير لإنجاز هذا العمل السامي، العمل على رفع الظلم ومقارعة المستبد عملاً لا يؤتى لكل "ناشط" مهما ادعى لا سيما إذا لم يكن لديه أي استعداد لتقديم لو القليل للدفاع عن الحقوق، ونصرة معتقل رأي يلقى الوان العذاب والانتهاكات يأتِ أحدهم ينظّر عليك وينصحك بالتخفيف من العمل ويرى بأن رأيه هو الأمثل وهو لم يقدم شيئاً يذكر، والمستبد لا يهدأ يضرب بيد من حديد في كل لحظة! 
هنا يحضر معلمنا عبدالله الحامد-رحمه الله- ماثلاً أمامي كمثالاً حي على قوة الإيمان بالقضية والعمل لأجلها حد فقدان الحياة.
وهو الذي يحثنا على الجهاد السلمي الذي يراه حاجة على الدوام وضرورة ويطلق على جهاد الاستبداد حتى الاستشهاد الجهاد المدني الأكبر.
وكما قال مُعلمنا عليه رحمات الله ورضوانه، الكلمات تهد طغيان التجبر والقهر، حتى يخرَّ الباطل أمام قوة الحق، وهذه المواقف لا بد من أن تثمر ولو تأخر الثمر.

اعملوا بجدٍ واجتهاد ولا تتأخروا عن تلبية نداء الحق، ولا تستهينوا بما تقدمونه من عمل ومن سار على الدرب وصل، فقط كن مؤمناً بقضيتك ولا تتراجع.
"والنهر يحفر مجراه"