مقالات

المجتمعات القبلية ومفهوم المجتمع المدني

إن مفهوم المجتمع المدني، يعني ثلاثة أشياء: 
الأول: القيم كمنظومة الحرية والكرامة، ومنظومة المساواة، ومنظومة العدالة وغيرها.
الثاني: على مستوى الدولة: منظومة الحكم الدستوري: إرادة الأمة وقيام الحكومة على سلطات ثلاث: تنفيذية وتشريعية ونيابية وقضائية والفصل بين السلطات الثلاث، واستقلال السلطة القضائية.
الثالث: على مستوى المجتمع: التجمعات الأهلية، التي تنشأ على أساس مدني، كالتخصص والمهني والبرنامج الإصلاحي، كجمعيات القضاة وأساتذة الجامعة والمحامين والإعلاميين والعمال وغيرها و هي جماعات أهلية تغاير الرسمية ومدنية تغاير القروية والبدوية.
فهي تقوم على علائق مدنية اختيارية، بين أصحاب التخصص الواحد، أو بين أصحاب الحرفة الواحدة، أو بين أصحاب الفكرة الواحدة، في تناقض في وظيفتها الانتماء القبلي، والانتماء القروي، الذين يقومان على علاقات جبرية كالتعصب الآلي للقبيلة والبلدة بالحق وبالباطل.
من أجل كون التجمعات القروية والقبلية جبرية؛ استبعد دعاة المجتمع المدني، الجماعات العشائرية والقروية، من مفهوم المجتمع المدني. ( انظر الصبيحي : ٢٩) 
ولا جرم أن التعصب للعشائرية البدوية والقروية والقبلية والطائفية، من ما يخل بنسيج المجتمع المدني.
ولكن لا بد من استيعاب القبيلة ( لا القبلية) والطائفة ( لا الطائفية) ونحوها من البنى غير المدنية في الدولة العربية، ضمن أفق المجتمع الأهلي المدني: للأسباب التالية: 
الأول: المجتمع العربي يحتوي أكبر وأطول امتداد صحراوي في العالم، كما يقول علي الوردي، ولا بدّ من الواقعية الاجتماعية، فإذا كان المجتمع صحراوياً قبلياً أو ريفياً، فلا بد أن تعبّر العشيرة والقرية عن نفسها. ومن حق الجماعات غير المدنية تكوين منظمات تحقق مصالحها ( الانصاري: ٢١) 
الثاني: أن رفض القبيلة رفضاً مطلقاً، يعني تمديناً قسرياً لا يمكن تطبيقه، في مجتمعات قبلية ريفية.
الثالث: أن مفهوم المجتمع المدني لا يرفض القبيلة رفضاً مطلقاً، بل ( القبلية) أي إعطاء الانتماء القبلي مركزية محورية، على كل ما عداه، أما إذا كان دوره ثانوياً فذلك أمر لا يخل بالمجتمع المدني.
الأهم في المجتمع المدني، أن يترسخ عند جميع الفئات مبدأ الحوار والتعايش، بحيث لا يطمح تيار إلى إزالة فئة من الخريطة الاجتماعية، ولا إلى تهميش مصالحها المشروعة، ومن المهم سيادة قيم التعاون والتكافل والاحترام المتبادل، أما التنافس فهو مطلوب، ما دام في سبيل المصلحة العامة، وما دام الصراع بين الجماعات رمزياً معنوياً، لا يصل إلى مستوى الصراع الدموي، بل يدار الخلاف بوسائل سليمة، دون قمع أو إلغاء أو إقصاء.