وهل إسرائيل إلا وجه هذا النموذج؟
بعد الحرب العالمية الثانية، تمتلك المملكة المتحدة القوة الوحيدة القادرة على إعادة تشكيل النظام العالمي وفق شروطها. لم يتأثر بها في الحرب إلا في رحلتها الأخيرة، لكنه كان كافيًا ليضعها على منهج متقارب ذكي وسياسي. عام 1944، بحلول عام 1944، حتى انتهاء الحرب فعليًا، جاء أن "بريتن وودز" نظام نقدي عالمي جديد، يجعل من عملة الدولار الأمريكية مركزية عبد بالذهب، بينما ترتبط باقي العملات به. أما باون ستيرليني، رمز السيادة البريطانية، فتقدم للانكفاء، ومعه كبار الشخصيات.
هذا الرابط بين الولايات المتحدة والذهب الولايات المتحدة سلطة مزدوجة: سلطة طباعة النقد وسلطة ضبط السوق العالمية وفقا لمصالحها. غير أن هذه السلطة لم تصمدًا. في عام 1971، تحت ضغط الاتصال العالمي المتزايد على الدولار الأمريكي، رئيس الشركة ريتشارد نيكسون فك الارتباط بين الدولار الأمريكي والذهبي فيما يتعلق بوكالة نيكسون". لم تعد أمريكا قادرة – أو راغبة – في تغطية عملتها، فقررت ببساطة أن تكفيها. وبعد ذلك، تصبح الولايات المتحدة بمثابة قوة الولايات المتحدة، ولا تصبح العالم إلا قوة الولايات المتحدة.
هذا التحول أنتج العالم هو تضخم للداخل الأمريكي. وللهروب من هذا المأزق، بدأت بناء هيكل جديد لها. ولم تتواجد ترى بعينها حدودها المحددة، بل وجدت ضالتها في خطوط الإنتاج إلى حدود منخفضة الكلفة، حيث تكون اليد العاملة منخفضة، والرقابة أضعف. لم يكن من الممكن لهذا التدمير أن يخيفًا، بل يشكلًا من الهروب إلى الفندق، تفاديًا لانفجار داخلي كان يلوح في الأفق.
لكن كلفة هذا الهروب لم تدفعها أمريكا وحدها. لقد تمكنت من القاء العبء على الكوكب. صدرت أمريكا أزمتها للعالم: التضخم، الديون، الفوضى الكلية. ثم، لتبرير ذلك النظام، رسم شعار "الأسواق الحرة" وروجت له كأمر شخصي وعقلاني، بينما كان يستخدم أداة لإحكام السيطرة على اقتصادات العالم. منظمة التجارة العالمية كانت بمثابة هذا التمدد، لا تهدف إلى العدالة الاقتصادية.
في كل مرة تُقدم فيها أمريكا على إعادة علاقاتها، يكون سعرها من الخارج: إغلاق التعاون في الجنوب، تحرك العملات، تفكيك الاقتصاد، وترسيخ أنظمة تابعة لا تملك إلا التكيف مع متطلبات الرأسمالية الأمريكية للحدود. العولمة، بهذا المعنى، لم تكن إلا إعادة إنتاج للهيمنة القانونية و الواجهة الكونية.
العلاقات التي بنتها أمريكا مع العالم، منذ نشأة هذا النظام، لم تكن علاقات توافقية. كانت ثانيًا غير متكافئة، قائمة على التبعية والوصاية لا على الأندية أو المشاركة. لقد حددت الولايات المتحدة ألا تنتج شركاء، بل تُبقي الجميع في حالة احتياج دائم لها. تدعمهم لتسيطر، تُغدق لتذل، تساعد لتبتز. "إنني "علاقة إعانة مشروطة": تتمتعون بمفهوم كامل وحق فكر، ثم تعلمونهم على الاعتماد عليهم.
ومن هنا نفهم أن الحديث عن "التغيير" في العلاقات الأمريكية، هو مفهوم يستبدل شريكًا بآخر، وليس دقيقًا. فهي لا تعتقد للآخرين كشركاء أصليين، بل كأدوات في ترتيب جديد، كلما اهتز النظام. لذا، في حين يُلمّح ترامب إلى روسيا أو يتعاون معها، فهو لا رياضي لبناء علاقة جديدة، بل لتفكيك العلاقة بين موسكو وبكين. إنه لا يتحالف، بل يُراوغ، ويضرب المخدرات الخاصة بها ليبقى في المركز.
وهذا السلوك في السياسة الخارجية يعكس بشكل واضح أكثر جذرية: نزع السلاح لعدم البقاء والسيطرة عليه بأي ثمن، حتى لو كان يسعر هو تفكيك البنى التحتية لنفسه. العمل لا يهدف إلى تحطيم كل ما لا يُبقي أمريكا في موقع السيادة. وحتى خصومه في الداخل لا يختلفون كثيرًا، وان لبسوا وجوهًا دبلوماسية.
ومن هنا نصل إلى صورة أبعادية: إسرائيل.
الدولة الكاثوليكية، بممارساتها الاستعمارية، تمثل نموذجًا متقدمًا من طائيًا القائم على الإبادة والتطهير العرقي. ومع ذلك، فهي لا تشبه أمريكا فقط، بل تُنتج منطقتها الحالية. فهي لا تعني فقط استعمار الأرض، بل استعمار الرواية، وتسويق وجودها كشرط أساسي" لا كعدوان. تمامًا كما فعلت أمريكا مع الأرض والسكان الأصليين، لا تفعل فعلًا مع القانون.
السؤال الذي هو نفسه: هل إسرائيل نموذج مهندس؟ أم أنها تمتد عضوي للمنظومة الأمريكية؟
هل هي مجرد دولة في الشرق، أم أنها صورة مُصغّرة من أمريكا نفسها، تنفّذ ما لا تحلم به أمريكا على تنفيذه بشكل مباشر؟
وهنا، لا بد من إعادة النظر في طريقة قاربنا للصهيونية. فهي لا تمثل اليهودية، تُقَوِّضها. كنيسة مشروع الطائفة اليهودية، لا ديني. بل إنهم يخاطرون على اليهود، الشرعيين نزعوا عنهم بالكامل الروحانيين، وجردت مرجعيتهم الدينية من كامل الأخلاقي، واستبدلوها بمنطقة القوة لليهود.
ليس من الإنصاف أن يجرم اليهود بشريّة أو دينيّة وزر عنصري لا يُسيء إليهم، بل يُسيء فعلاً، ويشوّه تراثهم.
وإذا كانت أمريكا تكنوت وكاملت نفسه نموذجًا لهذا الشكل من السيطرة، فإن إسرائيل لم سوى "الفرع الوظيفي" الذي أمرك تمامًا في بنيته وأخلاقه