مدونات

في ذكرى حسم : نضال متجدد وكفاح يستمر!

الكاتب/ة عبدالله عمر | تاريخ النشر:2021-10-12

 

في يوم الثلاثاء الثاني عشر من أكتوبر، تكمل جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية "حسم" عامها الثاني عشر بعد إعلان تأسيسها سنة 2009 للمطالبة بالحقوق السياسية والمدنية للشعب السعودي والدفاع عن تلك الحقوق ضد انتهاكات النظام السعودي، عامٌ جديد يأتي بالمزيد من الصمود والتضحيات العظيمة التي قدمتها "حسم" ومناضليها، ومن تلك التضحيات التي قدمتها في سبيل مشروع الإصلاح السياسي والحقوقي في السعودية على سبيل المثال لا الحصر الأحكام القاسية التي تعرض لها مناضلوها وأعضائها بسبب جرأتهم في الدفاع عن الشعب وحقوقه ورفضهم للصمت والخضوع للمستبد، ولكونهم أسسوا مسار وطني جامع يتجاوز تفرقة وعنصرية النظام التي عطلت وحدة المجتمع في الدفاع عن حقوقه، ولم تتوقف تلك التضحيات عند السجن وظروف المحاكمة الفاسدة وحرمانهم من حقوقهم كسجناء سياسيين، حيث قدمت الجمعية العام الماضي - أي في ذكراها الحادية عشر- أبرز مناضليها ومؤسسي مشروعها والد الحركة الحقوقية السعودية الدكتور عبدالله الحامد شهيدا نتيجة للإهمال الطبي في السجون السعودية وقد أكدت منظمات حقوقية ( مثل منظمة القسط لحقوق الإنسان) تعرضه للإهمال مما أدى لوفاته رحمه الله، والأمثلة كثيرة على الانتهاكات التي تعرض لها أبطال حسم منذ اعتقالهم بعد محاكمة تنتفي عنها شروط العدالة ولا تزال مستمرة ضدهم حتى اليوم، لا لجرم ارتكبوه أو إثم اقترفوه ولا لشيء؛ سوى أنهم أصحاب ضمائر وطنية حية ونوايا صادقة اختارت محاربة ظلام الجهل بالحقوق وسعت في طريق الحرية وتمكين الشعب من حقوقه منادية بالعمل السلمي.


لم تكن حسم مجرد جمعية تأسست للدفاع عن الحقوق ثم انتهت بحلّها واعتقال مؤسسيها ( كما أراد النظام السعودي من خلال الأحكام الطويلة والقاسية التي تم الحكم بها بأمر وزارة الداخلية على أعضاء الجمعية ) وبالتالي لا داعي لإحياء ذكراها أو لا أهمية معتبرة لها في التاريخ السياسي السعودي، والحقيقة أن النظام السعودي حاول بشتى الطرق محاربة مشروع حسم واختزاله في شخوص مؤسسيها ليسهل تشويههم والتخلص منهم ومن ثم القضاء على المشروع بأكمله لكنه فشل فشلا كبيرا ولم يعد بمقدوره سوى تفعيل آلة القمع الأمنية وذراعه القضائي الفاسد وهو ما حدث حيث تم اعتقال أعضاء حسم وحل الجمعية وتجريم التعاطف والتضامن معها، لكن هل نجح النظام السعودي في إنهاء فكرة حسم وقضى على شعبية مشروع الإصلاح ؟ الإجابة لا، وهنا أقتبس المقولة الشهيرة للمناضل الكبير الحقوقي وليد أبو الخير ( وهو معتقل سياسي منذ 2014 ) حيث يتحدث عن حسم بما نصه "حسم هي حالة تاريخية مفادها أن في هذه البقعة  من الأرض أناساً لم يرضوا بكل هذا الظلم ووقفوا بكل شجاعة وإباء ضده "، وقد صدق وليد في وصفه لحسم فهي حركة وطنية مناضلة تثبت للتاريخ أن السعوديين لا يقبلون الظلم والاستبداد وأن مسيرتهم نحو الحرية مستمرة ومصيرها النصر مهما كانت الظروف والمصاعب، ‏‎حسم فكرة وطنية دافعت عن الشعب كله ولم تكن فئوية أو طائفية بل كانت "وطنية" لكل الشعب ومن منجزاتها الكبرى أن أحيت مطالب التغيير والإصلاح السياسي الحقيقي في نفوس الشعب عبر مشروعها الذي يقوم على مبدأ "الشعب هو ولي الأمر"  ورفض وصاية أي فرد مستبد باسم الدين أو غيره فالشعب هو مصدر السلطة وهو ولي أمر نفسه ولا وصاية لأحد عليه وكانت هذه المبادئ من أهم أدبيات الجمعية التي قدمتها عبر محاضرات رموزها وكتبهم وبياناتهم وإصداراتهم السياسية والحقوقية المتنوعة التي سعت من خلالها لإيصال أفكارها للشعب وللسلطة .

ولأن حسم فكرة شعبية منبثقة عن بيئة الشعب وهويته ومكمّلة لنضاله السابق، ولأن الفكرة لا تموت مهما حاول أعداءها قتلها والغاءها من التاريخ والحاضر والمستقبل، نحن اليوم نقف لنحيي ذكراها ونعيد تذكير الناس بنضال وتضحيات أبطالها وبأهم أفكارها ومبادئها والأهم لنقول أن مشروعها لا يزال مستمر وفكرها لم ينتهي وجماهيرها كما كانوا بالآلاف، وسجن أعضاءها ليس إلا تسريعا لانتصارها وأقتبس للشهيد الحامد مقولته العظيمة الشهيرة ليلة النطق بالحكم « ‏إلى الإخوة المتشائمين والمشفقين من محاكمة حسم؛ لئن سُجنَّا فهو والله نصرٌ كبيرٌ جدًا للمشروع؛ ومن السجن تُشعل الشموع! »  عندما نقول أن حسم مستمرة وفكرتها باقية وكل محاولات القضاء عليها فشلت نقول ذلك بناءً على ما نراه من وجود آلاف الشباب الذين يحملون الهم الوطني ويؤمنون بمسار حسم ومشروع الإصلاح الشامل، وكلما مرت السنين يزداد العدد على عكس ما كان يظنه النظام السعودي من سهولة القضاء على حسم، واليوم في ذكرى هذه التجربة التاريخية التي أثرت علينا جميعا في وعينا وعملنا وتعلمنا منها الكثير، إذ ليست الشجاعة والصمود والنضال فقط ما تعلمناه من حسم وأبطالها فهناك الكثير والكثير مما تعلمته أنا وغيري الكثير من تجربة حسم الملهمة لنا، وما نضالنا اليوم وعملنا إلا تكملة لهذه التجربة وبناءا على ذلك المسار الرائد .

لنتذكر اليوم ليس فقط مشروع حسم بل وأبطالها وتضحياتهم وعلى رأسهم الشهيد الكبير الدكتور عبدالله الحامد الذي قدم حياته مناضلا عظيما دخل السجن عدة مرات ولم يتوقف عن كفاحه في سبيل الحقوق والحريات حتى رحل وهو شجاع ثابت صامد وبطل لم يترك مساره الذي اختاره طريقا لحياته البطولية، ولنتذكر رفاقه الأبطال من أسرته الكريمة وزملاءه في نضاله وفي سجنه الدكتور محمد القحطاني محمد البجادي وعبدالكريم الخضر وسليمان الرشودي وعمر السعيد وصالح العشوان وغيرهم من الرموز والأبطال من دعاة مشروع دولة الحقوق والمؤسسات الذي تبناه آلاف وربما الملايين من أبناء وبنات شعبنا خلال فترة الربيع العربي المجيد .
في الحقيقة يعجز قلمي عن وصف مدى شجاعة وصمود وثبات وتضحيات أبطال حسم ومناضليها الأوفياء في سبيل مشروع بناء وطن ديمقراطي حر يقوم على فكرة الدستور  المتفق عليه شعبيا الذي يضمن ويكفل الحقوق والحريات ويقوم على مبدأ "الشعب هو ولي الأمر" حيث السيادة على الوطن للشعب وحده وهو مصدر كل السلطات وما الحكام إلا خُدَّام له اختارهم لخدمة مصالحه وكلفهم بالحكم وسيساءلهم ويحاسبهم متى ما أخطأوا وهذا هو طريق حسم ومسارها لبناء مستقبل وطن يليق بشعبه، لا مزرعة عبيد يتوارثها الأب وابنه، واليوم لننظر في تجربة حسم التاريخية الملهمة لنا ولكل الأجيال القادمة وهي تجربة كبيرة وفي غاية الأهمية وسيكون لها ما بعدها في تاريخنا السياسي والحقوقي ولولا حسم لما توسعت المعارضة وزاد وعي الشعب ولما رأينا نضالا مؤسسيا يتوسع في الخارج للدفاع عن الشعب وحقوقه ويمثل كيان وطني جامع مؤمن بالديمقراطية ويقدم بديل للدكتاتورية، وأعني هنا حزب التجمع الوطني وهو تكملة لهذا الطريق الذي بدأ ولن ينتهي الا بإنهاء الدكتاتورية وبناء نظام حر يحقق التغيير المنشود، الطريق مستمر وإن كان طويل ومليئ بالمصاعب لكني أؤمن أن العمل وحده من سيوصلنا لما نريد ولا بديل عن طريق الإصلاح الذي قدم السعوديين الكثير من التضحيات من أجله ولا يزالون ..
سيأتي يوم ينصف فيه الشعب والتاريخ أبطال حسم رموز نضالنا بالشكل الذي يستحقونه لو كانوا في بلدان وأمم حرة تقدس النضال فليسوا بأقل من غاندي ومانديلا ورموز النضال العالمي من أجل الحقوق والديمقراطية بل أن الظروف التي واجهها المناضلين السعوديين كانت أشد وأقوى من أغلب ظروف حركات التحرر والنضال العالمية، أبطالنا يستحقون التكريم اللائق في بلادهم والإشادة العالمية المناسبة نظير ما قدموه من جهود عظيمة لتحرير وطنهم أولا وتخليص العالم ثانيا من نقطة عار على حضارته الإنسانية حيث بقاء نظام ملكي مطلق فاسد لا مثيل له اليوم في العالم عار على إنسانيتنا ونحن نعيش في عالم يفترض أن يكون حر بالكامل!
إن مسار حسم وتجربتها المهمة تستحق أن يستفاد منها في كل النضال المستمر في السعودية ويبنى عليها لصالح مشروع الإصلاح والتغيير الذي هو مشروع المستقبل المحتوم بإذن الله والذي يحمله اليوم كل المخلصين والشرفاء من شعبنا فالنضال يتراكم، والتجارب يبنى عليها وتتطور، وليكن شعار نضالنا وكفاحنا المستمر نحو الحرية هو من أجل وطن ديمقراطي!
وختاماً، لا بديل عن الإصلاح ولا طريق للإصلاح إلا التغيير وهذا ما تعلمناه من سنوات نضال وتضحيات وبطولات حسم التي نقف اليوم في ذكراها لنذكر بما قدمته من نضال وعمل وفكر ومشروع أراد تخليص الناس من حكم القهر رغم كل مصاعب العمل آنذاك داخل السعودية، نقف إجلالا واحتراما لكل المناضلين والمناضلات ونعد باستمرار مسيرة الحرية مهما كانت الظروف ومهما كان الثمن!