مقالات

الاعلام الخليجي : لا تقربوا الصلاة

الكاتب/ة د. وليد عبد الحي | تاريخ النشر:2025-05-09

يحتل الاعلام الخليجي مساحة واسعة من الفضاء الاعلامي العربي، ويكاد ان يكون هو الطاغي ، ويعمل فيه الى جانب الكوادر الخليجية اعداد كبيرة من العرب وغيرهم ، غير ان هذا الاعلام مرتبط ببعدين : الاول انه موجود في أكثر مناطق العالم تخلفا سياسيا واستبدادا ، فهذه المنطقة - الخليج- تقوم على ستة دول ليس فيها أحزاب او مجتمع مدني وبعضها دون دستور ودون انتخابات ، وتقع كلها في مراتب الديمقراطية بين المرتبة 117 والمرتبة 148 من بين 165 دولة يجري قياسها ، وتحتل السعودية التي هي الاكبر مساحة وسكانا واقتصادا المرتبة 148 طبقا لقياس عام 2024.
وهنا يقفز للذهن سؤال أكاديمي :كيف يستقيم أن دولا تقع في ذيل الديمقراطية في العالم وفي ذيل معدل الحرية الاعلامية فيها بمعدل حريات اعلامية هو 37.3% ، ومع ذلك فيها اكثر من عشرات القنوات الفضائية ؟ وللاجابة على ذلك يكفي ان نتبين ان عدد القنوات الاخبارية تمثل 4.8% فقط من مجموع القنوات الفضائية بينما تتصدر القنوات الرياضية والفنية القائمة، وهو ما يشي بطبيعة المهمة الموكلة لهذا الاعلام وهي : التسميم السياسي والتعزيز الغرائزي.
إن الاعلام الخليجي هو "اعلام شيخ القبيلة" فقط ،ومع ان الاعلام العربي كله يندرج تحت هذا التوصيف ، فان الجرعة في الاعلام الخليجي هي الاعلى.
قبل ايام قليلة روج الاعلام الخليجي "تسجيلا للرئيس المصري جمال عبد الناصر يقول فيه في حديثه مع زعماء عرب "  
احنا ناس استسلاميين وانهزاميين ،عايزين قتال وتحرير اتفضلوا"، وبدأ الاعلام الخليجي يروج لهذا النص وكأنه اكتشف نظرية علمية كاشفة، بل ان حاديا من اشهر الاعلاميين الخليجيين يقول في مقال في صحيفة الشرق الاوسط الخليجية: علينا ان ننتظر وسنجد حديثا " للسنوار " يماثل ما قاله عبد الناصر، وهنا اود الاشارة لما يلي بعيدا عن تساؤلات مثل لماذا الآن هذا التسريب، او تقييم عبد الناصر:
1- بعيدا عن التحيز او الكره لعبد الناصر، فانا لا اتحيز حتى لنفسي ، اشير الى أنني على استعداد أن اشير الى مراجع مصرية واسرائيلية وامريكية وروسية وصينية وبريطانية وفرنسية تؤكد ان خطة الهجوم في حرب 1973 كانت قد بدأت في عهد عبد الناصر ، وان اكثر من 30 مرة جرت التدريبات في جنوب مصر على مقطع مشابه لخط بارليف ( حيث تم بناء مقطع مشابه لخط بارليف على نهر النيل وجرت التدريبات لاقتحامه)، ويقول سعد الدين الشاذلي المخطط الرئيسي للمعركة ان حائط الصواريخ على القناة كان عبد الناصر من بناه كجزء من وضع الاسس لاقتحام قناة السويس،وان معارك الاستنزاف في العامين السابقين على وفاته كانت تستهدف ارهاق العدو حتى تحين اللحظة الحاسمة،
2- يتيح الذكاء الصناعي حاليا مساحة للتلاعب بالصوت والصورة الى الحد الذي لا يستطيع الفرد العادي ان يكتشف هذا التلاعب، فيمكن ان ترى الرئيس بوتين يشدو بموال لمحمد عبد المطلب وترى نيتنياهو يغني لأسمهان، وهو ما يعني ان التلاعب بالنصوص والاصوات والصور امر ممكن من خلال الذكاء الاصطناعي.
3- تعلمنا في تحليل المضمون فكرة المفردة والسياق ، فالمفردة لا يتضح معناها إذا فصلتها عن سياقها، فلو قلت لك " من الضرورة وجود العين" ، فقد اقصد العين التي ترى او عين الماء او العين العضو في مجلس الاعيان ...الخ، فالنص الذي يجري الترويج له يستوجب نقل النص كاملا دون تقطيعه، فلو –مثلا- أن رئيسا قال "لن نعترف باسرائيل ، اما الحرب معها فهو موضوع آخر" ، فيكفي ان تقطع كلمة "لن"، لتصبح نعترف باسرائيل اما الحرب معها فهي موضوع آخر، ولعل مثال النص القرآني "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى" توضح ما نقصدة، فيكفي ان تقول لا تقربوا الصلاة وتقطع النص الباقي ليتغير المعنى كليا.
وفي النص الذي تم الترويج له ، سافترض أنه تم حذف عبارات سابقة له ، فسياق النص يقول " انتو بتتهمونا انو احنا ناس استسلاميين وانهزاميين، عايزين قتال وتحرير ،اتفضلوا "...هكذا تغير المعنى كليا، لكن الدوائر الاستخبارية التي تهيئ البيئة لمزيد من التطبيع لا بد ان تدلل على ان التطبيع مقبول من الكل بما فيهم انصار عبد الناصر، وحشر "السنوار" في تعليق في جريدة الشرق الاوسط هو من باب الغرائزية والترويج لما تعده تلك الدوائر..
انا مع نقد اي زعيم عربي وتحطيم الهالة عن اي زعيم ، ومع نقد كل التيارات السياسية دون استثناء دينية او علمانية، قومية او اقليمية ، يسارية او يمينية ، لكني لست مع " الكذب المدفوع الثمن او الذي هو نتاج غرائزية قابعة في الاعماق"، وبدلا من النبش في التاريخ ، ليت الاعلام الخليجي يقدم لنا تلخيصا لكتاب " وود وورد " المعاصر وعنوانه الحرب، وهو كتاب لم يمض على نشره الا بضعة شهور...ليتهم ينقلون للناس الحوار مع زعمائهم بخاصة والزعماء العرب بعامة...ربما يفعلون.