مقالات

رسالة إلى آل سعود

الكاتب/ة صالح الفالح | تاريخ النشر:2025-09-01

رسالة إلى آل سعود: لقد حان الوقت لإعلان ولائكم للشعب والعمل على إنقاذ البلاد من التفكك والانهيار 
الشعب هو صمام الأمان وهو الركن المكين القادر على الدفاع عن الوطن والحفاظ على مقدراته وحماية مصالحه العليا في وجه التهديدات الوجودية التي تستهدفه، ويكون دور الشعب في إدارة شؤون البلاد العليا محوريًا في حال وجود نخبة تعتلي سدة الحكم تغلّب المصالح الشخصية الضيقة على حساب بقاء الوطن واستقراره. لذا لم يكن عن سبيل المصادفة أن تنص جميع دساتير الدول على أن مرجع جميع السلطات هو الشعب الذي ينتخب حاكمه ونوابه وولاة الأقاليم وأعضاء المجالس المحلية، مما يعزز الكفاءة ويسهل إجراءات الشفافية والمحاسبة، فمن شأن جميع تلك الإجراءات أن تمنع النخب السياسية الفاسدة من تقديم تنازلات أو الدخول في اتفاقات مذلة مع الدول الأخرى. وفي هذا الصدد، لعله المناسب التأكيد هنا على أن الشعب لم يتنازل يوماً عن حقه في ممارسة حقوقه المشروعة في إدارة الشؤون العليا للبلاد، ولم يحصل على حقه بعد في انتخاب الحاكم والرقابة عليه ومحاسبته وعزله إذا اقتضى الأمر، أما خدعة "ولي الأمر" فلم تعد تنطلي على أكثر الناس سذاجة.  

لقد مارس النظام السياسي اقصى درجات التجهيل والتزييف لأجل الاستئثار بالسلطة واحتكار جميع المصالح الاقتصادية، ومصداقا لهذا التوجه هناك إدارات في النظام السياسي مهمتها إخفاء الوثائق وطمس الحقائق حتى لا يعلم أبناء الشعب كفاح أجدادهم في توحيد البلاد، وتصوَر أدبيات تلك المراكز بأن هناك "مؤسس" وحيد لهذه البلاد الشاسعة لأجل تهميش أي دور لأفراد الشعب في تأسيس النظام السياسي. وتهدف هذه السردية إلى إظهار الدور العظيم لأبناء المؤسس وأحفاده في إيجاد هذه البلاد من العدم، وبالتالي التأكيد على حقهم في تولي سدة الحكم وشغل الوظائف السياسية المهمة، ومن ثم قطع الطريق على أي محاولة للمساواة بين أفراد الأسرة الحاكمة وأبناء الشعب في الحقوق والواجبات. إلا أن هذه الأكاذيب لم تعد تقنع أحداَ، وعندما أدرك الشعب حقوقه الطبيعية ورغب في ممارستها، سُلطت عليه آلة القمع لثنيه عن المطالبة بالديمقراطية وإرغامه على الولاء للنخبة الحاكمة، حتى لو كانت أيدي تلك النخب ملطخة بالدماء ومهما بلغ فسادها. 

ما انفكت الطبقة المثقفة من أبناء الشعب تطالب بإشراك الشعب في الحكم من خلال آليات دستورية، فماذا كان مصير تلك المطالبات؟ ليس الرفض أو التجاهل فحسب، بل تجاوز ذلك إلى قمع من تجرأ على "الافتئات على ولي الأمر" بالفصل من العمل والسجن، بل وحتى القتل، مما أُضطر الكثير منهم إلى الفرار والعيش في المنفى حيث الحرية بعيداَ عن القمع والتنكيل. ومع الأسف الشديد دفع أبناء الشعب وحدهم أثماناَ باهظة جراء مطالباتهم بحقوق المواطنين دون أية مشاركة من أبناء الأسرة الحاكمة، الذين التزموا الصمت حفاظاً على امتيازاتهم المالية ومصالحهم الضيقة، بل إن الكثير من أفراد الأسرة الحاكمة ساهموا في قمع الشعب من خلال التوافق على القرارات التي تبطش بمن يُخشى تهديده للنظام السياسي.  

أعتقد أبناء الأسرة الحاكمة أنهم محصنين من الملاحقة والمحاسبة فانهمكوا في الفساد بجميع أنواعه، فتسابقوا في نهب المال العام وتكديس الأموال الطائلة في المصارف العالمية والإسراف في حياة البذخ، والاستحواذ على مساحات شاسعة من الأراضي المشاع، وإغراق البلد بالعمالة الأجنبية. بل إن الأمر تجاوز ذلك إلى الاعتداء على أموال المواطنين وسرقة أراضيهم بقوة النظام مما ساهم في قهر الشعب وتفاقم معاناته من الفقر والحرمان والعوز والتشرد، وكانت جميع تلك الممارسات تتم بموافقة ورضاء النظام السياسي الذي طالما وقفت محاكمه "الشرعية" مع الأمراء المعتدين على أملاك أبناء الشعب المستضعفين. لكن الوضع القائم قد أنقلب رأس على عقب وأصبح أصحاب السمو يشربون من الكأس نفسها التي طالما تجرعها المساكين، حيث أصبح الأمراء يتهمون بالفساد والكثير من التهم السياسية الأخرى، ملاحقين بالسجن ومصادرة الأموال والمنع من السفر والإقامة الجبرية.  

يا أيها الأمراء ماذا أنتم فاعلون؟ إن الحل الوحيد يكمن في مواجهة الظلم والطغيان والمطالبة بالعدل والديمقراطية والمساواة مع بقية أبناء الشعب الذي طالما احتقرتموهم وساهمتم في معاناتهم وظلمهم، عليكم أن تفهموا أن إضعاف الشعب هو الذي أدى إلى تسلط النظام السياسي عليكم وقمعكم، فالشعب عاجز عن الدفاع عن نفسه فضلاً عن الدفاع عنكم. لقد حان الوقت أن يعلن أفراد الأسرة الحاكمة ولائهم للشعب بصفته "ولي الأمر" ومرجع السلطات، ومن ثم يتم بناء تحالف لاجتثاث الطغيان يساهم فيه جميع أبناء الشعب بكل ما يستطيعون، بما في ذلك دخول السجون بأعداد مليونية والصمود فيها والمساهمة المالية في دعم المعارضة.  

ينبغي على الأمراء أن يكونوا رأس حربة في هذا المشروع الوطني حتى يمحوا الماضي المجلل بالسواد، ويثبتوا ما يدعونه بأنهم "صمام أمان" لبقاء البلد واستقراره.