توثيق الاعتداء بكاميرا الهاتف وضعتها في مكان سري، كان ذلك السلاح الذي استخدمته العاملة الكينية لتكشف من خلاله ما تتعرض له من قبل كفيلها -أو أحد من أفراد أسرة الكفيل- الذي كان يتحرش بها ويحاول اغتصابها أثناء اعتدائه، ومن الواضح أنها ليست المرة الأولى التي تعرضت فيها هذه العاملة للتحرش من قبل هذا الشخص، حيث أنها وضعت هاتفها في زاوية لا ينتبه إليها المتحرش المجرم وفي المكان الذي يباشر فيه الكفيل جريمته في العادة.
كان المجرم يخشى من كشف أمره ولعل هذه أحد الأسباب التي دفعته لترك الضحية، كانت المكنسة تصدر ضجيجا بحيث لا ينتبه أحد لصوت الضحية وكان المتحرش مرتاب من كشف أمره من قبل أحد أفراد أسرته حيث كان يراقب الباب، ولكن لم يعلم المتحرش أن في الوقت كان يراقب فيه الباب أن هناك كاميرا تابع من خلالها عشرات الآلاف من مختلف الدول لما يقوم به من جرم.
التشهير؛ المرحلة الأهم في فضح الانتهاكات.
تعاني أغلب ضحايا العنف المنزلي والتحرش والاغتصاب من نظرة المجتمع والتكذيب الجماعي، حيث يلقي المجتمع والسلطات دائمًا اللوم على الضحية، وحتى بعد كسر حاجز الصمت الذي يتطلب شجاعة وجرأة في مواجهة السلطة الأبوية يقع دائما التنصل لمعانتهن، ولكن أصبحنا ”نلاحظ مؤخرا شجاعة العاملات الوافدات في استخدام الفضح على مواقع التواصل الاجتماعي كأداة نضالية بديلة يعوضن بها عن إخفاق القانون في إنصافهن. التوثيق ساعد العاملات على تأكيد أنهن لسن مهلوسات أو هاويات انتقام خاصة حين يكون المتهم شخص قوي محمي بامتيازات المواطنة مقابل وافدة بلا حقوق“ كما عبّرت المترجمة والناشطة النسوية سارة رزيق.
وعن طريق كاميرا الهاتف استطاعت العاملات توثيق الانتهاكات التي يتعرضون لها من تحرش ومحاولة اغتصاب أو الضرب كما حدث لعاملة كينية أخرى في وقت سابق، ورغم خطورة ما قد يتعرضون له بعد نشرهن لهذه المقاطع من ضرب أو قتل لأن أرواح العاملات رخيصة لدى السلطات السعودية التي تتواطؤ مع الكفلاء، وإن لم تتعرض للقتل يتم اعتقالها ثم يقع ترحلها. وترى شعاع الزهراني عضوة حزب التجمع الوطني أن ”نظام الكفالة في السعودية وعدد من الدول العربية نظام استعبادي انتهك حقوق العامل وأخضعه بمباركة القانون، ان الاعتداء على العاملات ليس بالشيء الجديد وقد ظهرت في السنوات الأخيرة حوادث كثيرة بينت ووضحت الانتهاكات الحاصلة والمتكررة سواء من شركات الاستقدام او أصحاب العمل، ما حصل للعاملة الكينية بشع والأبشع تساهل القانون والنظام بالعقوبة التي فرضت على المجرم المعتدي بل وتمادت إلى نشر صورة الضحية في كل خبر وكأنها تصمها بالعار وامتنعت عن التشهير بالمجرم خوفا على مستقبله وهي بهذا الفعل تثبت انها متواطئة مع الجاني تحمي قوانينها الاستعبادية دون ان تأبه لحق الإنسان وكرامته، ان موازين العدالة مقلوبة في وطننا واذا استمر الحال كما هو فستزيد الانتهاكات والجرائم ضد العمال فإذا كان النظام يرفض إلغاء قوانين الكفالة فيجب علينا كشعب ان نرفض ونفضح هذه الانتهاكات“
العنف، ليست نهاية الرحلة.
لا تقتصر الأوضاع المأساوية التي تعيشها العاملات الأجنبيات على العنف فقط، العنف هو مرحلة من بين عديد من المراحل، بداية رحلة العذاب التي يعيشها تكون لحظة وصولهم للبلد واختيارهم من قبل الكفلاء، حيث يسرد الكاتب بينيامين في رواية أيام الماعز ويصف المأساوية التي يعيشونها؛
”يمر علينا الكفلاء ممعنين النظر في كل وجه كشاهد يحدد المجرم. وللأسف، يتم في كل أسبوع تمييز بعضنا السيء الحظ. وإذا عرف الكفيل عامله الهارب فيكون رد فعله الأول أن يصفعه صفعة تفرقع طبلة أذنه. وبعضهم يخلع حزامه (العقال) ويجلد به العامل حتى تهدأ على مرأى من رجال الشرطة، غير أنهم لا يكترثون به.“ رواية أيام الماعز.
الكفيل والسلطة يجتمعان على العمالة المهاجرة
هناك غياب واضح لحقوق العمالة المهاجرة في السعودية (مالهم وما عليهم) هذه الطبقة العاملة المهاجرة التي كانت ولا تزال تعاني بشكل كبير من ”نظام الكفالة” الاستعبادي الذي يتمثل اليوم بصورة العبودية الحديثة في زماننا، كما أن غياب المؤسسات والجمعيات المدنية المستقلة التي تختص بمتابعة أوضاع هذه الطبقة العاملة يزيد من الطين بلة، ويرى الناشط الحقوقي والمدير التنفيذي لمنظمة القسط لحقوق الإنسان نبهان الحنشي أن؛ ”لا أعتقد أننا بحاجة إلى أي أدلة للتأكد من واقع الحالة المزرية التي يمر بها العمّال الأجانب بصورة عامة في دول الخليج العربي، وعاملات المنازل بصورة خاصة. ولكن انتشار فيديو العاملة الكينية، أظهر لنا مدى فظاعة المأساة التي تعيشها عاملة المنزل، بداية من التحرشات الجنسية والتي في أحايين كثيرة تتطور إلى تكون اعتداء أو اغتصاب جنسي، مرورا بالمهام المنزلية المرهقة من طبخ وغسيل وتنظيف وترتيب وغير ذلك، انتهاء بالمكان المهين والوسخ الذي يوفر للعاملة كي ترتاح فيه، والذي كذلك وفي أحايين كثيرة يكون المطبخ! غياب القوانين التي تحمي عاملات المنازل، وغياب مراقبة ومساءلة الجهات المختصة هي أحد نتائج نظام الكفالة الذي أقل ما يمكن وصفه بأنه نظام عبودية حديث واتجار بالبشر“
إضافة إلى أنه منذ أن تأتي العاملة إلى أحدى مطارات السعودية يستقبلها صاحب العمل (الكفيل) الذي بدوره يملي عليها ما يجب عليها قيامه فقط، حتى أن مكاتب الاستقدام ما هي إلا جهات تبحث عن الربح دون الاهتمام لأمان العاملة وحماية حقوقها كما نرى في هذا الإعلان المسيئ الذي نشرته إحدى شركات استقطاب العمال الأجانب والتي تتعامل مع العمال كأنهم بضائع.
خطوات تجميلية زائفة؛
لا يخلو ملف السعودية من انتهاكات حقوق الإنسان والعمال، حيث يحفل سجلها بإرث منقطع النظير من الانتهاكات، ورغم اعلانها قبيل استقبالها لقمة العشرين التي أقيمت في السعودية العام الفائت عن إلغائها لنظام الكفالة، كبادرة حسنة تقدمها السعودية لتلميع ملفها الحقوقي، إلّا أنه اتضح فيما بعد أن هذا الإلغاء يستثنى منه خمس مهن، والتي هي أكثر المهن المتضررة من هذا النظام الاستعبادي وأكثرهم عددًا وهي:
-العاملة المنزلية
-السائق
-الحارس
-الراعي
-المزارع
حتى من سقط عنهم الكفالة لم يتغير حالهم بالكثير، فبدل إعطاء العامل الأجنبي مبالغ طائلة للكفيل من أجل تجديد الإقامة وأخذ الموافقة منه لتغيير عمله، أنتقل ذلك إلى الكفيل الأكبر (السلطات) فأصبحت هذه المبالغ تذهب بشكل مباشر للسلطات السعودية، وهنا أدعوكم لمتابعة تقرير منظمة القسط الذي سينشر قريبًا فيما يخص نظام الكفالة في السعودية.
لماذا بدأت تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي مثل هذه المشاهد من الضرب والتحرش؟
تكرار مثل هذه المشاهد ليست بالجديدة على واقع مجتمعنا، فمن مركز القوة التي يكون عليها الكفيل والذي يستطيع أن يتحكم بكافة ما تملكه العاملة حيث لا تستطيع هذه العاملة التحكم بأموالها أو بوضعها وإقامتها أو أن تغير عملها ما لم يعطي الكفيل تلك الموافقة خول تلك الإجراءات البيروقراطية الطويلة.
فهذه القوة والصلاحية التي بيد الكفيل وما أعطاه له هذا النظام الظالم استغله بعض المجرمين بالتحرش بالعاملات المنزليات، مرة بالترغيب بالمال وإعطاء بعض الحقوق، وأخرى الترهيب بالسجن والترحيل حتى يصل الأمر إلى الشروع بالاغتصاب كما حدثت مع العاملة الكينية، وقد حدثت العديد من حالات الاغتصاب لعاملات منزليات انتهى بهم الأمر أن يكونوا بأيدي هؤلاء المجرمين الذين يستغلون كل الصلاحيات وتواطؤ الجهات المعنية بتغطية هذه الجرائم والإضرار بالعاملة المنزلية.
قصارى القول
رغم السنوات الطويلة التي يقضيها المهاجرون في السعودية، إلا أننا نلاحظ أن الكثير من العمال المهاجرين مهما بقوا من سنوات ثم عادوا، يعودون بمثل ذاك اليوم الذي أتوا إليه، فلا لغة عربية صحيحة تعلموها، ولا ثقافة تأثروا بها، ولا وضع معيشي ومادي أفضل، حيث يعودون إلى أوطانهم مكسورين وقد خابت أحلامهم.. هذا إذا عادوا ولم يلقوا حتفهم في المهن الشاقة التي تفتقر للسلامة والرعاية الصحية السليمة.
ختاما، هنا بعض التوصيات التي ستؤثر بشكل كبير في حال هذه الطبقة العاملة وسنرى ذلك الحال يعود بالخير على أوطاننا:
وفي النهاية، عاشت نضالات الحركة الحقوقية والعمالية، وتسقط السلطات القمعية والأبوية الرجعية.