هذا الأسبوع، يستعد بعض أشهر الكوميديين الأميركيين للصعود على خشبة المسرح في الرياض ضمن "مهرجان السعودية للكوميديا". القائمة تضم أسماء لامعة مثل ديف تشابيل، كيفن هارت، غابرييل إغليسياس، بيل بور، ويتني كامينغز، بيت ديفيدسون، توم سيغورا، أندرو شولتز، وغيرهم، لكن خلف الأضواء والضحكات، يكتب هذا المهرجان فصلاً جديدًا في استراتيجية السعودية التي تستخدم الترفيه رفيع المستوى لصرف الأنظار عن سجلها الكارثي في حقوق الإنسان.
التوقيت لافت، فالمهرجان يتزامن مع الذكرى السابعة لجريمة قتل الصحافي في واشنطن بوست جمال خاشقجي، الذي قُتل وقُطّع جسده داخل القنصلية السعودية في إسطنبول على أيدي عملاء سعوديين—جريمة خلصت أجهزة الاستخبارات الأميركية إلى أنها نُفذت بموافقة ولي العهد محمد بن سلمان، كما يأتي المهرجان في وقت تتعرض فيه حرية التعبير لهجوم متصاعد داخل الولايات المتحدة نفسها.
عدد من المشاركين مثل شولتز، سيغورا، وسام موريل، تحدثوا علنًا ضد تعليق برنامج جيمي كيميل الليلي، بل وأكثر من ذلك، كثير منهم استخدموا منابرهم في السنوات الأخيرة للدفاع عن حرية التعبير، ديف تشابيل قال ساخرًا: "التعديل الأول يأتي أولاً لسبب"، أندرو شولتز دافع عن حق الكوميديين في أن يكونوا مسيئين دون عقاب، ويتني كامينغز قالت: "وظيفتنا أن نكون بلا خوف، وظيفتنا أن ندفع الحدود وأحيانًا نقول أشياء لا نعنيها أو نعرف أنها خاطئة ومسيئة، فقط لنتأكد أننا لا نتحول إلى بلد شمولي".
هذه مواقف جديرة بالاحترام في الدفاع عن حق إنساني عالمي، لكن لو كانوا مواطنين سعوديين لكانوا جميعًا في السجن، فحرية التعبير لا وجود لها في السعودية، الانتقاد العلني للنظام قد يزج بك في السجن لعقود، أو يكلفك حياتك، تحت حكم مبس، السعودية بلد شمولي بالفعل.
مهرجان الكوميديا جزء من حملة "تلميع" حذر منها المدافعون عن حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة، فقد أنفقت السعودية مليارات الدولارات على العروض الثقافية والرياضية، ابتداءً من شراء حق استضافة كأس العالم 2034، والتعاقد مع نجوم كرة القدم مثل كريستيانو رونالدو وكريم بنزيما، وصولًا إلى سباقات الفورمولا 1. الكوميديون هم آخر المجندين في هذه الحملة التي يديرها تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه والمهندس الأساسي لسياسة "غسل السمعة" السعودية.
ما الذي يجذب هؤلاء الفنانين؟ مبالغ فلكية يصعب تصديقها، بحسب مصدر في الصناعة، يحصل الكوميديون في الرياض على ما بين 315 ألف و375 ألف دولار للعرض الواحد—أي ما يصل إلى خمسة أضعاف أجورهم المعتادة في أميركا، بعضهم وُعد بمبالغ تصل إلى 1.6 مليون دولار، وفق الكوميدي تيم ديلون، الذي أُقصي من المهرجان بعد أن سخر من معاملة السعودية للعمال المهاجرين.
في الوقت نفسه، يزداد القمع في السعودية، حتى أغسطس، كانت المملكة قد نفذت أكثر من 240 إعدامًا هذا العام وحده، كثير منها في قضايا مخدرات غير عنيفة بعد محاكمات تفتقر لأبسط معايير العدالة، الكوميديون الأميركيون المتجهون إلى الرياض قد يتوقفون قليلًا ليتأملوا أن الصحافي السعودي تركي الجاسر أُعدم قبل ثلاثة أشهر فقط بسبب ممارسته حقه في حرية التعبير بنفس الأسلوب الساخر الذي يمارسونه هم على خشبات المسارح، كتب الجاسر تحت حساب "كشكول" على تويتر ناقدًا الفساد وساخرًا من مبس، وملقبًا رئيس هيئة الترفيه آل الشيخ بـ"توتو المهرج"، فكان مصيره الاعتقال والاحتجاز التعسفي لنحو سبع سنوات، ثم الإعدام.
ورغم أن السعودية أفرجت عن بعض السجناء السياسيين في الأشهر الأخيرة، إلا أنها لا تزال تحتجز آلافًا بسبب نشاط سلمي، عبد الرحمن السدحان، العامل الإنساني الذي يحمل أشقاؤه ووالده الجنسية الأميركية، ما يزال خلف القضبان بسبب حساب ساخر على تويتر انتقد المؤسسة الدينية الرسمية.
وأثناء وجودهم في الرياض، ربما يجدر بتشابيل، هارت، بور وزملائهم أن يتذكروا أيضًا سعد الماضي، الأميركي السبعيني من فلوريدا، الذي ظل عالقًا في السعودية لما يقارب أربع سنوات، جريمته؟ نشر 14 تغريدة انتقد فيها الحكومة السعودية قبل سنوات وهو يعيش في الولايات المتحدة، ومن أجل ذلك لا يزال ممنوعًا من العودة إلى بلده ولمّ شمله مع عائلته.
بالنسبة لهؤلاء الكوميديين، قد تبدو حفلات الرياض مجرد عمل إضافي. لكن لا شيء بريئًا في أن يضفوا بريقهم على نظام يمنع السعوديين من احتراف الكوميديا، ويخرس الصحافيين، ويسجن النشطاء، وينفذ إعدامات جماعية، وربما قالها زميلهم جون ستيوارت بأفضل صورة في خطابه عند تسلّمه "جائزة مارك توين للفكاهة الأميركية" عام 2022 في مركز كينيدي، حيث كان كثير من المشاركين في مهرجان السعودية حاضرين:
"ليس شرطة الوعي هم التهديد الوجودي للكوميديا، ليس الأمير الطازج، بل ولي العهد، ليست هشاشة الجماهير، بل هشاشة القادة... حين تكون المجتمعات مهددة، الكوميديون هم أول من يُرسل بعيدًا، إنها تذكرة بأن الديمقراطية مهددة، المستبدون هم الخطر على الكوميديا، على الفن، على الموسيقى، على الفكر، على الشعر، على التقدم."
بصعودهم على المسرح في الرياض، يصبح هؤلاء جزءًا من ماكينة القمع السعودية، السعودية لا تشتري الكوميديا، بل تشتري الصمت—ولا شيء مضحك في أموال ملوثة بالدم.