مقابلات

العمل الحقوقي والعمل السياسي في السعودية (1) | مقابلة مع يحيى عسيري

الكاتب/ة أسامة سليم | تاريخ النشر:2021-12-26

يحيى عسيري، مناضل وناشط سعودي ساهم ولا يزال في جمع شتات المعارضة السعودية وتوحيد أهداف القوى السعودية في معارضة سياسات الحكومة السعودية سواءا على المستوى الحقوقي أو السياسي، حيث أسس منظمة القسط لحقوق الإنسان سنة 2014 بهدف تكريس ثقافة حقوق الإنسان في السعودية، وتولى رئاستها ليتفرغ لاحقا لتأسيس حزب التجمع الوطني، وهو أول تحرك سياسي منظم في الخارج يسعى لتأسيس المواطنة وهي "المشاركة في صناعة سياسة ومصير السعودية، دون عنصرية ولا طبقية ولا أولوية لفرد أو عائلة أو قبيلة أو منطقة في إدارته، فكل يقدم لنفسه وللبلاد خير ما يستطيع، ويجنبها برقابة القانون ضعف الفرد ومطامعه وخذلانه وعلاقاته وأهوائه الشخصية" كما ذكر الحزب في برنامجه، نستضيف ضمن هذا الحوار الأمين العام السابق لحزب التجمع الوطني يحيى عسيري للحديث معه حول مسيرته الحقوقية والسياسية وآفاق العمل السياسي في السعودية، وتقييمه لأوضاع البلاد بعد مرور سنوات على تولي محمد بن سلمان ولاية العهد وفيما يلي نص الحوار : 

 مررت خلال السنوات الماضية بأكثر من مسؤولية منها مسؤولية حقوقية ولاحقا سياسية، أسست منظمة القسط والتي تحدثت ان اسمها مستوحى من القرآن الكريم حتى تؤكد وترسخ أن الثقافة العربية الإسلامية لا تتعارض مع ثقافة حقوق الإنسان في الرد على "مطبلي" النظام والرواية الرسمية أن النشطاء الحقوقيين مدعومين من جهات أجنبية من مخابرات وغير ذلك، لتتفرغ لاحقا لتأسيس حزب التجمع الوطني والذي كان يهدف الى أن يكون تجمع يجمع أبناء الوطن الواحد حول قضية واحدة، هل من الممكن أن تحدثنا عن سياق تأسيس منظمة حقوقية ومن ثم تأسيس حزب سياسي؟ ما الذي جعلك تتحول من نشاط حقوقي ركزت فيه اهتمامك على ملفات انتهاك حقوق الإنسان والتعذيب إلى النشاط في المجال السياسي والمعارضة بشكل أكثر جذرية وراديكالية؟ وفي أي سياق تأسست منظمة القسط لحقوق الإنسان خاصة وأن الوضع الحقوقي في دولة مثل المملكة العربية السعودية والتي تملك سجل مؤسف في حقوق الإنسان مازالت تعاني من التصحر والتكتيم ومن رواية واحدة؟ 

شكرا جزيلا لك على هذه المقابلة، في العلاقة بالسياق الذي أسست فيه منظمة القسط ومن ثم الحزب والعمل الحقوقي والسياسي، نحن في بيئة صعبة للغاية استطاعت السلطات السعودية أن تسيطر فيها على الفضاء العام بشكل كامل واستطاعت أيضا أن تنشر عدد كبير من أفكارها وتشوش الساحة بشكل كبير جدا، عندما بدأنا منظمة القسط كان من الصعوبة أن تقوم بعمل حقوقي يتسق مع النظام الدولي لحقوق الإنسان و يتسق مع عمل المنظمات الدولية ومع عمل مجلس حقوق الإنسان في جنيف، كان هذا العمل  صعوبة من ناحية موضوعية أولا، لشبه الفراغ في هذه الساحة ونقص العمل بشكل كبير ثانيا، لان المجتمع وصل الى قناعة كبيرة بسبب الضغط المكثف في رواية السلطات بأن العمل الحقوقي هو نشر لقيم غربية، وتقوم السلطات دائما بنشر هذه الأفكار لمحاربة العمل الحقوقي فكنّا عندما ندافع عن حقوق الإنسان بحاجة إلى شرح وتبرير أفعالنا ولا زلنا حتى الآن عندما نتقدم خطوة نلقى هجوم من بعض فئات المجتمع التي تختلف مع النظام ولا تتفق معه ولكنها تتبنى عدد كبير من آرائه وأفكاره، ولكن في كل مرة نتقدم خطوة باتجاه الإصلاح والتطوير والبناء نجد ممانعة ليس فقط من النظام وأتباعه بل أيضا من الاشخاص الذين يناهضون النظام لأنهم لا يقبلون هذا التقدم ولاحقا يقتنعون بالخطوات التي نقوم بها ثم يقومون باللحاق بنا وهكذا دواليك، فالعمل على الشأن الحقوقي مع المنظمات الحقوقية ومع مجلس حقوق الانسان كان يتطلب منا جهد كبير لإقناع الناس أننا لسنا ضد الدين ولا ضد الثقافة ولسنا ناشرين لثقافة غربية وانما نأتي بالعدل الذي هو احد أهم القيم الدينية، لذلك استخدمت كلمة القسط، الآن لم يعد  -وربما مع الاجيال الجديدة وربما حتى مع الجيل القديم الذي يتناسى كيف كانت الحالة في تلك المرحلة - صعبا تأسيس منظمة حقوقية ولم تعد هذه الافكار بحاجة الى تبرير ولكننا الان امام افكار اخرى مازلنا نبررها، مثلا الآن نلقى هجوما عندما نقول ان السلطات السعودية لا تطبق الشريعة وانها لا تؤتمن على الشريعة وان ما تقوم به المحاكم السعودية في حملة الإعدامات عبث ويجب أن يتوقف ولازال البعض لا يستطيع ان يتقبل مثل هذا الكلام ويظن أو يصر انه تعدي على الشريعة، لاحقا بعد سنوات سوف يقتنعون، أنا متأكد من ذلك، سوف يستوعبون ما نقوله لذلك واجب علينا –نحن- ان لا نرضخ لرأي الجماهير بل ان نقود هذه الجماهير عندما نرى طريق الإصلاح، أن نقودهم لهذا الطريق لا أن نرضخ لرغباتهم أو للرؤى التي فرضتها السلطات لسنوات طويلة .

لكن طريق الإصلاح هذا يمر عبر الجماهير، ألا ترى أن مثل هذه المفاهيم قد تمثل إشكالية ولغط كبير للجماهير وخصوصا من هم بالداخل ومن عانوا من التصحر الثقافي الكبير والرواية والسردية الواحدة ؟ مثلا مناهضتكم لعقوبة الإعدام في الوقت الذي تقوم فيه السلطات السعودية بإعدام القصر، هذا قد يتعارض بشكل شخصي أو مؤسساتي مع الثقافة والقيم التي نشأ عليها الشعب السعودي فالبعض يرى أن حقوق الإنسان مهمة وغير ذلك لكن الشعب غير جاهز وغير قادر علي استيعاب هذه المفاهيم، ما هي وجهة نظر القسط وحزب التجمع الوطني حول هذه الاعتبارات؟ 

  

رواية أن الشعب غير جاهز هذه رواية دائما تستخدمها السلطات من أجل الاستمرار في قمعها بينما السلطات هي نفسها من تحاول ان توقف كل تقدم لدى الشعب سواء كان تقدم في الحالة الحقوقية أو الوعي السياسي او أيّ كان نوع ذلك التقدم، حيث تقمع من يقودون ذلك الحراك وذلك التقدم، رأي الجماهير يجب أن لا يكون هو الفيصل لدى قادة الفكر والرأي العام ويجب أن نسعى الى تغيير رأي الجماهير وأن نساهم في التوعية وخاصة عندما يكون الفضاء العام مسيطر عليه بشكل كامل أو كبير جدا من قبل السلطات فهي تسيطر على منبر الجمعة والفضاء الإعلامي والمناهج التعليمية وتسيطر حتى على حديث المجالس بداخل بلادنا، لذلك هذا الصوت الذي نحاول ان ندخله على المجتمع، نحن واثقون أنه وإن رأى البعض أن هذا يتصادم مع ثقافتهم فنحن واثقون أنهم سيستوعبون أنه لا يتصادم معها بمرور الوقت وأن ما تقوله السلطات غير صحيح لكن هذا يحتاج الى بعض الوقت، في السابق كانت هناك معارضة للعمل الحقوقي الذي تقوم به القسط، والآن أصبحت القسط محل تقدير لدى الشارع، حاليا هناك معارضة من البعض لمطالب إيقاف عقوبة الإعدام لكن عندما يرون أن قائمة عقوبة الإعدام طالت اشخاص ابرياء وهذا الأمر اصبح غاية في الوضوح وأيضا على القائمة هناك أشخاص يعرفونهم الناس ويثقون في أنهم أبرياء سيبدأ الناس في استيعاب ما نقوله، وذلك سيحدث عندما نسعى نحن لأن لا نرضخ لأفكار زرعتها السلطات وهي نتيجة رأي السلطات . 

أود التفاعل مع تصريحك، أنت تعتبر بـأن هناك استقبال تدريجي لتصورات وأطروحات المنظمة لكن ماذا عن الاستقبال الرسمي، كيف استقبلت السلطات السعودية خبر تأسيس المنظمة؟ هل تعرضتم مثلا لهجوم أو ملاحقات وغير ذلك؟ 

قامت السلطات السعودية باعتقال عدد من الأشخاص الذين علمت أنهم يتواصلون أو شكت في تواصلهم بالمنظمة، من اعترفوا أنهم تواصلوا بالمنظمة واجهوا تعذيب شديد وواجهوا عدد من العقوبات والأحكام القاسية وقامت السلطات أيضا بمحاولة تشويه العمل الذي تقوم به المنظمة ولا زالت مستمرة إلاّ أن المجتمع المحلي وأيضا المجتمع الدولي بسبب المصداقية العالية التي تتميز بها منظمة القسط وبسبب الاحترافية استطاعت أن تثبت وجودها وأفشلت كل الشيطنة والحملات التي كانت تقوم بها السلطات حيث كسبت المنظمة شرعية ومصداقية حتى أمام التشويهات التي قامت بها السلطات. 

 ولكن على الصعيد الدولي ماهي الخطوات أو التوصيات والمقترحات التي تقدمت بها المنظمة لتطوير منظومة حقوق الإنسان في السعودية وما هي الأساليب التي تعتمدها؟ هل هناك أساليب ضغط او عرائض أو لوائح او حملات مناصرة، على سبيل المثال فإن حادثة اغتيال الراحل جمال خاشقجي كانت نقطة مفصلية في تاريخ السعودية، حيث كانت القطرة التي أفاضت الكأس وجعلت واقع حقوق الإنسان في السعودية تحت أنظار كل العالم،  ماذا تقدم المنظمة بشكل عام رغم أن مقرها في لندن وبعيدة عن الواقع السعودي؟ ما هي الأساليب التي تعتمدها كضغط وكفضح ضد انتهاكات السلطات السعودية؟ 

أولا المنظمة هي امتداد للحراك في الشارع السعودي فكل النشطاء الذين في الداخل كانوا على علاقة بأشخاص في المنظمة وهم من النشطاء الحقوقيين في البلاد من قبل أن يغادروا البلاد وكانوا على تواصل بعدد من النشطاء في عدد من الحركات البارزة  والمهمة مثل حركة حسم  ونشطاء حقوق الإنسان في جدة الأستاذ وليد أبو الخير ومجموعته  وإصلاحيي جدة مثل الأستاذ سعود الهاشمي ومجموعته والنشطاء في المنطقة الشرقية، كذلك ناشطات حقوق الإنسان والمرأة . كل هذه الحركات كانت على تواصل مع شخصيات موجودين في المنظمة. فلم تكن المنظمة منقطعة عن الشارع وبعيدة عنه هذا أولا، الأمر الآخر أن المنظمة استطاعت أن تبني علاقات في الخارج من خلال شراكات مع المنظمات الحقوقية الأخرى ومع حكومات ودول وبرلمانات ومؤسسات رسمية ومؤسسات الأمم المتحدة بسبب الكم الكبير التي تملكه من المعلومات والعلاقات في الداخل السعودي وهذا ما أعطاها مصدر قوة، المنظمة استطاعت أن تكون مثل البرج الذي يصل الداخل بالخارج، حيث أن عدد من المنظمات الدولية لم تكن قادرة على فهم الداخل بشكل كبير وخاصة أن الداخل السعودي معقد ومتشابك فيصعب على الأجنبي مهما كان متعلما أن يفهم تعقيدات المشهد السعودي وتعقيدات الشارع السعودي، أيضا الشارع السعودي كان مبتعدا إلى حد ما من التواصل مع آليات الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان والقانون الدولي واستخدام آليات القانون الدولي لحقوق الإنسان فكانت المنظمة أشبه بوسيط ونقطة وصل بين الشارع بمعلوماته وثقافته ووعيه ومعرفته وتفاصيل حياته وبين المجتمع الدولي والقانون الدولي ومؤسسات حقوق الانسان، هذا الحيز الذي تشغله المنظمة، وحول المثال الذي طرحته بخصوص قضية جمال خاشقجي، فلقد كانت منظمة القسط أول من دعى إلى تحقيق دولي،  بعض المنظمات الحقوقية اعترضت وقالت ان هذا الامر غير منسجم مع القانون الدولي لكن القسط اصرت على هذا المطلب لاحقا وبعد فترة بسيطة من إطلاق القسط نداءها بالتحقيق الدولي استطاعت القسط أن تجمع ١٩٠ توقيع لمنظمات دولية حول العالم وذهبت بهذه التواقيع إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف و التقينا بالسيدة المفوضة السامية وطرحت القسط عليها المطالب حيث وافقت المفوضة السامية وتم تفويض المقررة  الخاصة للقتل خارج نطاق القانون وجرى تحقيق دولي وكان للقسط دور رائد جدا في قضية جمال خاشقجي وقضايا أخرى، ولكن هذا المثال الذي تفضلت به يبرز الدور الكبير الذي تقوم به منظمة القسط مع أنها لا تضم فريق  عمل واسع ولا تمويل ضخم ولكن لديها مصداقية عالية جدا ولديها شبكة علاقات عالية .


 

 دعنا نعود الى سنتين او ثلاث قبل وفاة الراحل جمال خاشقجي، حتى نتحدث عن نقطة مفصلية وهي تولي محمد بن سلمان ولاية العهد، كنشطاء حقوقيين كيف استقبلتم الخبر في البداية خصوصا مع الخطوات التجميلية التي ترافقت مع توليه؟ لاحقا كيف تعاطيتم مع محمد بن سلمان ومع إدارته في السنوات الأخيرة الماضية، هنالك العديد من المطالب التي نادت بها الحركة النسوية في السعودية والحركة الحقوقية مثل رفع الولاية وحق المرأة في القيادة وغيرها، بعض المطالب تم تطبيقها في عهد محمد بن سلمان حتى ان كانت بشكل تجميلي، لاحقا اكتشف العديد من المتابعين والمهتمين الانتهاكات والتعذيب بحق المعتقلين الذين توفوا في السجون، كيف استقبلتم اولا بداية عهده وما هي النقاط التي تعارضتم فيها معه وكيف تعاطيتم مع إدارته للمملكة؟ 

تلقينا الخبر بأنه خطوة جديدة نحو المسار الاستبدادي في البلاد، البعض استبشر بسلمان بن عبدالعزيز وما كنا نقوله لعدد من الشخصيات وخاصة الشخصيات المحسوبة كإصلاحيين وبعض التيارات المناهضة للاستبداد، أنه استبداد حيث اعتبرت أن عهد سلمان ربما  يكون عهدا إصلاحيا ومختلفا عن ما سبقه أي ما يسمى بعهد الملك عبدالله، وسموا هذا العهد بالعهد السلماني وبعضهم احتفل بتعيين محمد بن سلمان وليا لولي العهد و أثنى على ما يسمى بـ "المحمدين" محمد بن سلمان ومحمد بن نايف، لقد كان هناك بعض الصخب والتشويش حول موقفنا، لكننا كنا نصر على أن المشكلة ليست في الأسماء؛ سواء كانت سلمان او عبدالله أو محمد بن سلمان او محمد بن نايف، المشكلة هي في المنظومة الاستبدادية، فبما أن هذه المنظومة والتركيبة غير ديمقراطية وغير محترمة لحقوق الانسان فلا يمكن التعويل عليها، لا يمكن التعويل إلا على بنية مؤسساتية تنسجم مع شكل الدولة الحديثة التي تضمن مراقبة شعبية على أداء السلطات وتضمن محاسبة المسؤولين وتضمن حرية التعبير عن الرأي والشفافية ومحاربة الفساد، هذه المنظومة المتكاملة هي ما يمكن التعويل عليه وليس الأسماء لذلك نحن وجهنا رسالة منذ البداية الى سلمان بن عبدالعزيز ثم إلى ابنه محمد بن سلمان وكانت تحوي عدد من المطالب، كان سقف هذه المطالب مرتفعا وقدمت بأسلوب ليس قاسي وكنا نعلم أنه لن يكون هناك استجابة. 

لم يكن هناك تنازل في المطالب ولكن كان هناك تواضع في الأسلوب ليس أملا في تحقيق هذه المطالب من قبل هذه السلطات ولكنه كان املا في القارئ وابناء شعبنا وفي المجتمع الدولي أن يقرأ ما هي المطالب التي يجب أن تكون وماهي الخطوات الإصلاحية الحقيقية التي يجب أن تكون فكانت هذه المطالب تحت عنوان ( عهد جديد ومطالب مستحقة ) ونشرت هذه المطالب المستحقة وكانت تتحدث عن الفصل بين السلطات واستقلال القضاء وتمكين المجتمع المدني والسماح بمؤسسات المجتمع المدني والمطالب المؤسساتية الأساسية التي تسمح ببناء دولة حقوق ومؤسسات أما المطالب الشكلية و الإصلاحات الشكلية التي يقدمها النظام فقلنا في حينها ولا زلنا نقول ان هذه إصلاحات شكلية الهدف منها هو تجميل النظام لذلك سيسعى النظام إلى تجميل صورته والاخذ منها ما يكفي لتجميل صورته ولن يفكر إطلاقا بما ينفع الناس لأن ما ينفع الناس سوف يكون ابتداءا بالسماح لهم بحرية التعبير عن الرأي، فإذا كان النظام يسعى الى مصلحة الناس فإنه قطعا سوف يسمح لهم بحرية التعبير فبالتأكيد سيشكرونه أما إذا كان لا يسعى الى مصلحتهم فانه بالتأكيد سيقمع حريتهم لأنه لا يريد منهم أن ينتقدوه.

 سنة ٢٠١١ كانت فرصة وشرارة على الأقل للحلم العربي الكبير وتركيز ثقافة حقوق الإنسان والاختلاف والتعبير والاطلاع على تجارب دول أخرى، كمعارضة سعودية كيف كانت سنة ٢٠١١ وما هو تقييمك الشخصي للثورات وما آلت إليه، البعض وخصوصا من المساندين للأنظمة يتخذون امثلة بعض الدول مثل سوريا وغيرها ويعتبرون أن الخراب الذي حدث سيحصل إذا قمنا بالاحتجاج والثورة على النظام، مؤكدين أن السعودية دولة تعيش الأمن وغير ذلك، ما هو تصورك للثورات العربية التي حدثت والانتكاسات التي شهدتها وغير ذلك بالنسبة لكم كمعارضة سعودية وكتيار إصلاحي ومعارض جذري؟ 

ما حصل في ثورات الربيع العربي كانت خطوة متقدمة جدا وكانت خارج الحسبان حتى لأكثر الناس قدرة على التحليل والاستشراف، كان هذا الانفجار واجبا وتأخر كثيرا وكان كثير من الأشخاص يظنون أن الوضع سوف يستقر وسيستمر بهذا الشكل ولكن ثارت هذه الشعوب بعد قمع رهيب وانطلقت الشرارة بشكل لم يكن في الحسبان من تونس عندما قام محمد بو عزيزي رحمه الله بإشعال النار في نفسه احتجاجا على هذا القمع الذي واجهه ويواجه الشعب التونسي وتواجهه الشعوب العربية بشكل كامل. كانت البداية موفقة وما يحصل حاليا هو أمر متوقع وأمر منطقي في التغيرات الاجتماعية، فهذه المنطقة استمرت لسنوات طويلة إما تحت الاحتلال في مناطق والاستبداد في مناطق أخرى وعانت كثيرا، فمن الطبيعي أن الخروج من هذه المعاناة والتحول إلى دول ديمقراطية ودول تحترم حقوق الإنسان يحتاج إلى جهد كبير جدا وهذا ما رأيناه، وفي تجارب أخرى؛ فالثورات الأوروبية مثلا احتاجت فترات طويلة جدا حتى تستقر وكانت الثورات تعود ثم تنتكس لسنوات طويلة جدا ولعشرات السنوات أحيانا، فمن الطبيعي أن يحصل مثل ما حصل لدينا في منطقتنا، نحن لا نتمنى ذلك، نحن نتمنى ان تنجح هذه الثورات وهذه الحركات من اول مرة، نتمنى ان تحقن الدماء وأن لا يعود الاستبداد، ولكن الأمور لا تجري كما نتمنى ولا كما نحلم وبالتأكيد إذا كانت هذه الشعوب تسعى الى تحررها والى استقلالها فإن هناك من لهم مصالح في بقائها تحت الاستبداد والقمع وإذا كنا نحن نعمل ونجتهد فهم يعملون ويجتهدون أيضا لإعادة هذه الشعوب إلى أوضاعها القديمة، نحن رأينا كيف تكون المؤامرات على الربيع العربي وعلى ثورات الشعوب وعلى حقوقها المشروعة واضف الى ذلك وجود الكثير من الأخطاء التي ارتكبت من قبلنا نحن كشعوب، رأينا بعض الدول التي تحررت وثارت على الظلم والاستبداد والقمع وعلى الإقصاء، مارست بعض من هذه التصرفات السيئة التي كانت تنتقدها وكانت تثور ضدها ولذلك كانت هناك انتكاسات، رأينا هذه الاخطاء تقع في عدد من الدول بعد ثورتها، لذلك نحن نقول ان الربيع في موجاته القادمة سيكون اقوى ونتمنى ان لا تكون موجات كثيرة، نتمنى ان تكون موجة واحدة اخيرة فاصلة تفصلنا بشكل كامل عن الاستبداد وتبعدنا تماما عن هذه الانقلابات وعن هذه الانظمة التي تحكمنا لإبقاء السيطرة الغربية وابقاء الفساد والمصالح لفئات محددة  بداخل هذه الأنظمة. 

كل ما تحدثنا عنه استاذ يحيى كان على مستوى داخلي، ماذا عن المستوى الخارجي؟ البعض يعتبر أن السعودية تعيش أكبر عزلة دبلوماسية في تاريخها حيث علاقاتها مع الولايات المتحدة متوترة وحلفائها مثل الإمارات التي كانت حليفتها، تكلفة الحرب على اليمن وملف حقوق الإنسان عمّقوا الهوة بين المملكة وباقي الدول. فما هو تقييمك للعزلة التي تعيشها السعودية، وضمن هذا السياق أيضا هناك نقطة مهمة أتمنى توضيحها، عندما تدعو إلى مقاطعة نشاط مثل معرض او فعالية أو مهرجان تنظمه السلطات وتصرّح أن هذا المعرض يتم في الوقت الذي يقبع فيه أبرياء في السجن بسبب تعبيرهم عن رأيهم، البعض يعتبر أن الدعوة للمقاطعة هي بمثابة خيانة، هل من الممكن أن توضح لنا الفرق بين السلطة والمجتمع  والفرق بين السعودية كمجتمع و حضارة وإرث وتاريخ وبين مجموعة من المتنفذين الذين يديرون الدولة بطريقة فاسدة؟ وعن المقاومة السلمية التي دعا لها حزب التجمع الوطني؟ 

شكرا على النقاط التي أثرتها، وسوف أتفاعل معك بشأنها، أولا النقطة الاولى حول السياسات الخارجية فلقد فشلت السلطات السعودية في خلق سياسة خارجية حقيقية منذ التأسيس وحتى اليوم، كانت هناك ميزانية مرصودة لشراء الحلفاء بالأموال وكانت السلطات السعودية تحاول أن تكسب ود الغرب والدول الكبرى وصناع القرار بصفقات فاسدة وضخ البترول وتمكينهم من السيطرة على ثروات البلاد، واستمرت على هذا النهج لفترة طويلة جدا، أما مع الدول الفقيرة أو الضعيفة او التي تحتاج الى معونات فهي تقوم بتقديم المعونات لها للتحكم أو للحصول على نفوذ لدى تلك الدول أو شراء ولاءاتها، وهذه السياسة الفاشلة التي أدارتها السلطات السعودية للأسف قد يظن البعض أنها سياسة مقبولة أو أنها نجحت وخاصة في عهد سعود الفيصل الذي أخفق إخفاقا كبيرا جدا وفشل فشلا ذريعا في رسم السياسات الخارجية هو وفريقه وكانت المدرسة التي قدمها سعود الفيصل وصمة عار وفشل

ذريع جدا جعلت السعودية بلا أي حليف حقيقي، لا يوجد لدى السعودية أي حليف حقيقي على الإطلاق من الولايات المتحدة إلى باكستان وماليزيا ودول الجوار. لا يوجد لديها حليف حقيقي، وأتى محمد بن سلمان وأحدث شرخ أكبر في السياسة الخارجية حيث أنها لم تكن تملك حلفاء حقيقيين وكل حلفاء السعودية هم من الطامعين في أموالها والحصول على نفوذ فيها أو ينتظرون هبات وصفقات، وتحولوا بمرور الوقت إلى خصوم مع محمد بن سلمان فكانوا حلفاء مزيفين وقامعين، وتحولوا إلى خصوم، كشفت هذه المنظومة وفضحها وعراها وافسد ما بقي يغطيها محمد بن سلمان وأثبت للناس أنهم ليسوا حلفاء حقيقيين وتوترت علاقات السعودية بكل العالم تقريبا، قبل محمد بن سلمان قام عبدالله بن عبدالعزيز بجرائم بشعة جدا و فريقه إبان الربيع العربي ودعم الانقلاب في مصر وعدد من الدول الأخرى وقمعوا الثورة في البحرين وقتلوا عدد من الأبرياء في الشارع وشوهوا الثورة السورية وتدخلوا فيها وزرعوا فيها العملاء الذين كانوا يخرجون على الشاشات والفضائيات السعودية لخطف الثورة وافسادها وتدميرها وها هم الآن يتحالفون ويعيدون العلاقات مع الطاغية بشار الأسد فهذه السياسات الخارجية لم تبقي للبلاد حليفا للأسف . 

أما عندما نطالب بمقاطعة عدد من المعارض او الأعمال أو المهرجانات التي تقيمها السلطات السعودية لأن المنتفع من هذه الأعمال هي السلطات نفسها التي تمارس الانتهاك وتقصد بهذه المعارض والأعمال ان تغطي على انتهاكاتها حتى لا يكون الحديث حول التعذيب والتحرش الجنسي وقتل جمال خاشقجي، هي سياسات تغييب حتى يكون الحديث عن الفورملا ١ وعن المهرجانات والأغاني التي تقيمها السلطات السعودية وحتى تظهر للناس أنها دولة منفتحة بينما أبناء الشعب يرزحون تحت قبضة القمع وتحت السجون والتعذيب واللامبالاة والفقر والبطالة، لذلك نحن نحاول أن نوقف مثل هذه المهرجانات التي لا تصب إلا في نفع المستبد وهذا ما يدفعنا الى الدعوة الى هذه المقاطعة، ولهذا النوع البسيط من المقاومة السلمية التي لابد أن تكون متضافرة مع عدد من الجهود التي نقوم بها، فعندما نقوم بمحاولة الضغط خارجيا للضغط على السلطات وتفكيك استقوائه بالخارج ونحاول أيضا تفكيك استقوائه بعدد من عناصر الداخل بأن نحرك الداخل لكي يقوم بثورته وإن لم تكن ثورات في الشارع حاليا  لعدم الاستطاعة في هذا الوقت ولعدم ملائمة هذا الوقت فإننا ندعو إلى ثورات سلمية كالمقاطعة مثلا وغيرها من الحركات التي دعونا لها وسوف ندعو لها مستقبلا. 


يصدر الجزء الثاني من الحوار يوم الثلاثاء 28 ديسمبر.