في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول أوضاع حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية لعام 2024 تبين أن هناك صورة قاتمة تتمثل في استمرار الانتهاكات، في ظل غياب المحاسبة، والرقابة وتوسّع ممارسات القمع لتتجاوز الحدود الجغرافية، مستهدفة معارضين ونشطاء في الخارج، في ما اعتبره التقرير نمطًا متصاعدًا من القمع العابر للحدود.
إذ لا تحسّن يُذكر
بحسب التقرير، لم تشهد أوضاع حقوق الإنسان في السعودية أي تحسّن جوهري خلال العام، حيث استمرت القيود الصارمة على الحريات العامة، وحرية التعبير، والعمل الحقوقي، مع تسجيل حالات قتل خارج نطاق القضاء، وإخفاء قسري، وتعذيب، واحتجاز تعسفي مطوّل دون توجيه تهم.
وأشار التقرير إلى أن السلطات لم تتخذ خطوات موثوقة لمحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، ما عزز مناخ الإفلات من العقاب.
حرية التعبير: قوانين فضفاضة وسجون مفتوحة
سلّط التقرير الضوء على استخدام قوانين مكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية بصياغات فضفاضة لتجريم التعبير السلمي، بما في ذلك منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، أو الدعوة إلى إصلاحات سياسية.
ووثّق التقرير حالات سجن طويلة بحق نشطاء، وكتّاب، وصحفيين، ومدونين، إضافة إلى رقابة شاملة على الإعلام المحلي والأجنبي، وانتشار واسع للرقابة الذاتية خوفًا من الملاحقة.
وذكر التقرير بعض الأمثلة على ذلك إسلام أسامة صبحي (محامٍ مصري):
احتُجز بعد نشره فيديو انتقد فيه ما وصفه بإهمال أدى إلى وفاة مئات الحجاج المصريين.
ظل محتجزًا حتى نهاية العام دون إعلان توجيه تهم، رغم إصابته بالسرطان.
سعود بن محمد الفرج
خلص فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي إلى أن احتجازه منذ 2019 تعسفي ويفتقر إلى أساس قانوني، وأن حكم الإعدام الصادر بحقه استند إلى تعريف فضفاض للإرهاب.
القضاء والأمن: الاعتقال بلا ضمانات
أفاد التقرير بأن الاعتقال التعسفي لا يزال ممارسة شائعة، مع احتجاز أشخاص لفترات طويلة دون محاكمة أو تمكينهم من التواصل مع محامين أو أسرهم. كما أشار إلى تجاهل السلطات للضمانات القانونية المنصوص عليها في الأنظمة المحلية.
وسجّل التقرير آراء صادرة عن هيئات أممية أكدت أن بعض أحكام الإعدام صدرت استنادًا إلى اعترافات انتُزعت تحت التعذيب، أو إلى تعريفات قانونية غير دقيقة للإرهاب.
التعذيب والاخفاء القسري
رغم الحظر الرسمي للتعذيب، أكد التقرير ورود تقارير موثوقة ومتكررة عن تعرّض محتجزين للتعذيب الجسدي والنفسي، والحبس الانفرادي المطوّل، والإهمال الطبي، إضافة إلى حالات اخفاء قسري لم تُكشف مصائر أصحابها لمدد طويلة.
كما حصل مع محمد القحطاني (مدافع عن حقوق الإنسان):
تلقّت عائلته اتصالًا هاتفيًا منه في 3 نوفمبر بعد سنتين وثلاثة أشهر من الاختفاء القسري.
لم تُفرج عنه السلطات رغم إتمامه حكمًا بالسجن لمدة 10 سنوات في نوفمبر 2022.
سمير علي المسلم (شاعر كفيف):
السلطات اخفته قسريًا في 21 مارس بعد اعتقاله من منزله في القطيف عقب إلقائه دعاءً للإفراج عن المعتقلين.
ظل مكانه مجهولًا حتى نهاية العام.
سميرة الحوري (ناشطة حقوقية يمنية):
ذكرت منظمات حقوقية أن السلطات أفرجت عنها بعد أكثر من عامين من الاختفاء القسري.
والتقرير سلط الضوء أيضاً على حالات التعذيب التي يتعرض لها بعض النشطاء من كلا الجنسين مثل مناهل العتيبي (ناشطة في حقوق المرأة):
احتُجزت في الحبس الانفرادي في سجن الملز، وتعرضت للضرب المبرح الذي تسبب في كسر ساقها، ومنعت من العلاج الطبي.
أفادت بأنها عوقبت بسبب نشاطها على وسائل التواصل الاجتماعي.
سبعة قاصرين (أقل من 18 عامًا):
ذكرت 30 منظمة حقوقية أنهم تعرضوا لـ:
الاختفاء القسري
الحبس الانفرادي لأشهر
أشكال متعددة من التعذيب
وانتُزعت اعترافاتهم تحت الإكراه.
سفر الحوالي (داعية ديني):
خلصت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة إلى أن احتجازه الانفرادي الطويل دون محاكمة، مع تجاهل إعاقاته الصحية، شكّل:
تعذيبًا
احتجازًا تعسفيًا
معاملة لاإنسانية ومهينة
وليد أبو الخير (محامٍ حقوقي):
تعرض في سجن ذهبان لـ:
الحبس الانفرادي
الحرمان من النوم
تقييد الزيارات
الحرمان من الطعام والعلاج
بعد تعرضه للضرب من سجين آخر دون حماية من إدارة السجن.
وأشار التقرير إلى أن آليات الشكاوى داخل السجون تفتقر إلى الاستقلالية، ولا تؤدي فعليًا إلى محاسبة المسؤولين.
حقوق العمال: اختلالات ممنهجة
تناول التقرير أوضاع العمالة، خصوصًا العمال المهاجرين، مشيرًا إلى استمرار مشكلات عدم دفع الأجور، ومصادرة جوازات السفر، وتقييد حرية التنقل، والعمل لساعات طويلة دون تعويض مناسب.
كما أشار إلى أن العمالة المنزلية تظل من أكثر الفئات عرضة للاستغلال، في ظل ضعف الحماية القانونية وصعوبة الوصول إلى العدالة.
الأطفال والنساء: حماية قانونية غير مكتملة
رصد التقرير استمرار مشكلات عمالة الأطفال في بعض القطاعات غير المنظمة، إضافة إلى السماح بزواج من هم دون 18 عامًا بموافقة قضائية، ما يثير مخاوف حقوقية بشأن فعالية الحماية القانونية.
اللاجئون والمهاجرون: حدود خطرة
وثّق التقرير مزاعم خطيرة بشأن تعرض مهاجرين على الحدود الجنوبية لإطلاق نار، وتعذيب، وسوء معاملة قبل ترحيلهم، مع قيود مشددة على وصول المنظمات الدولية إلى المناطق الحدودية للتحقق من هذه الانتهاكات.
القمع العابر للحدود: من الداخل إلى المنفى
أبرز ما ميّز تقرير هذا العام هو تخصيصه حيّزًا واسعًا لما وصفه بـ سياسة القمع العابر للحدود، حيث أشار إلى أن السلطات السعودية استهدفت معارضين خارج البلاد عبر:
المراقبة الرقمية
التهديد والترهيب
حملات تشهير إلكترونية
الضغط على أفراد العائلة في الداخل
حرمان المعارضين من الوثائق والخدمات القنصلية
إذ وصل التهديد إلى باب منزل الأمين العام لحزب التجمع الوطني الدكتور أ. يحيى عسيري.
قدّم التقرير قضية الأمين العام لحزب التجمع الوطني أ. يحيى عسيري مثالًا صارخًا على هذه الممارسات، حيث تعرّض لتهديدات مباشرة في مقر إقامته بالمملكة المتحدة، شملت ترك سكين أمام منزله، ومحاولات ترهيب استهدفت زوجته وابنه.
وأشار التقرير إلى أن المحكمة العليا البريطانية سمحت لعسيري بالمضي قدمًا في دعوى قضائية يتهم فيها الحكومة السعودية باستخدام برامج تجسس لمراقبته، في خطوة تعكس خطورة الاتهامات ومستواها القانوني.
استخدمت السلطات السعودية جواز السفر كسلاح سياسي
كما أورد التقرير قضية الأمين العام المساعد بحزب التجمع الوطني د. عبدالله العودة، الذي حُرم من تجديد جواز سفره عبر القنصلية السعودية في الولايات المتحدة، وطُلب منه العودة إلى البلاد، وهو ما اعتبره محاولة لاستدراجه.
وأشار التقرير إلى أن إصدار تذكرة سفر باتجاه واحد شكّل مثالًا على استخدام الوثائق الرسمية كوسيلة ضغط سياسية ضد المعارضين في الخارج.
علق الأمين العام المساعد بحزب التجمع الوطني الدكتور عبدالله العودة على ما ذكر بالتقرير على حسابه بمنصب إكس:
"تقرير الخارجية الأمريكية الرسمي عن السعودية ووضع حقوق الإنسان في السنة الماضية يذكر الاستهداف ضدي كشكل من أشكال القمع العابر للحدود .
حتى مع الزيارة الفارغة ومع علاقات مبس بترمب الإدارة الأمريكية تعترف بالكوارث الحقوقية في السعودية في تقرير مهم"
تقرير الخارجية الأمريكية الرسمي عن السعودية ووضع حقوق الإنسان في السنة الماضية يذكر الاستهداف ضدي كشكل من أشكال القمع العابر للحدود .
حتى مع الزيارة الفارغة ومع علاقات مبس بترمب الإدارة الأمريكية تعترف بالكوارث الحقوقية في السعودية في تقرير مهم https://t.co/M1JmrGjfb8— عبدالله العودة (@aalodah) December 17, 2025
العائلة تحت الضغط
أكد التقرير أن استهداف أفراد عائلات المعارضين داخل السعودية بات أداة متكررة، بهدف كسر إرادة المنتقدين في الخارج، في ممارسة وصفتها منظمات دولية بأنها انتهاك صريح لمبادئ القانون الدولي.
خلاصة التقرير: القمع لم يعد محليًا
يخلص تقرير وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن نطاق الانتهاكات في السعودية لم يعد محصورًا داخل الحدود، بل أصبح يمتد إلى الخارج، ما يثير مخاوف متزايدة بشأن سلامة المعارضين في المنفى، ومستقبل حرية التعبير، وإمكانية مساءلة الدول عن انتهاكاتها العابرة للحدود.