قديما كانت الدول تحافظ على ثرواتها بادخارها في شكل معادن نفيسة مثل الذهب؛ و لكن تطورت الفكرة الى ان أصبحت الدول تدخر فوائضها أو تستقطع جزء من إيراداتها لتستثمره في أصول متغيرة تدر الربح وأصول ثابتة لتلبي احتياجات مواطنيها. وأصبح الاستثمار جزء لا يتجزأ من سياسة أي دولة طموحة. دولة بحجم المملكة العربية السعودية، لابد أن يكون -على الاقل- ربع دخلها من هذه الاستثمارات وخصوصا عندما نعلم أنها بدأت باستثمار ثرواتها منذ خمسين سنة عندما أسست صندوق الاستثمارات العامة عام 1971.
ظهرت الصناديق السيادية منذ قديم الزمان؛ حيث تأسس أول صندوق سيادي في العالم عام 1854 في ولاية تكساس الامريكية - صندوق تكساس المدرسي الدائم- و كان هدفه تمويل المدارس في الولاية. وتوالت بعدها الأفكار والتطورات إلى أن أسست دولة الكويت عام 1953 صندوقها السيادي وهو " مجلس الاستثمار الكويتي" وهدفه العمل على استثمار فوائض النفط وتخفيض اعتمادية الدولة على استخدام النفط كعائد أساسي لإيرادات الدولة. ونظرا للمنافع الكبيرة التي تتوفر جراء تأسيس هذه الصناديق، توالت دول الخليج بانشائها وعلى رأس هذه الدول كانت المملكة العربية السعودية.
فالفوائد من هذه الصناديق جمة؛ سوف اضعها في إطارين اثنين، وهما:
تنويع مصادر الدخل: في هذا البند تدر هذه الصناديق الأرباح على الدولة مما يساعدها في بناء المجتمع علميا، ماديا، فكريا وحضاريا. وبالتالي تتوفر للافراد الحياة الكريمة والعمل المناسب والاحتياجات العامة وايضا الثروة المستقبلية للأجيال القادمة. ومع وجود الأرباح، تتنوع مصادر الدخل ولا تقتصر على مورد واحد مثل النفط، لكي لا تصبح الدولة و مواطنيها عرضة لمخاطر سوق السلع ومضاربات التجار في هذا السوق، و خصوصا مع تطور الأدوات المالية وظهور المشتقات المالية التي قد تضع ثروات الدول في مهب الريح. بالاضافة الى الحفاظ على قيمة العملة و تحجيم التضخم؛ فلا داع لأن ترى زيمبابوي و تركيا جديدة - كلا الدولتين عصفت بهم رياح التضخم و اهتزاز العملة و فقر تنوع مصادر الدخل إلى السقوط إلى الهاوية مما اضطر الاولى بان تستخدم الدولار كعملة رئيسية؛ ودفع الاولى الى تقديم تسهيلات حكومية من شأنها هز ميزانية الدولة مستقبلا لكل من يتعامل بالليرة التركية.
نقل التكنولوجيا إلى الدولة: قد يطول الكلام في وصف وشرح معنى التكنولوجيا ولكن سوف اقتصر في هذه الفقرة على المعنى البسيط: وهو استحداث وسائل لتسهيل وتيسير الأشياء الموجودة لامددادنا بمنافع غير مألوفة. ويندرج تحت هذا البند: تقنيات التعليم الجديدة، استخراج النفط، الطاقة النظيفة، البنوك الافتراضية، الاتصالات السريعة… الخ من مقومات الحياة الجديدة. في الوقت الحاضر أصبح الاتصال بالعالم الخارجي من ضروريات الحياة والبقاء على هذا الاتصال ضروري جدا. الاتصالات أصبحت متطورة وتحتاج الى تقنيات عديدة من شأن الدولة ان تدرب مواطينيها و تعلمهم وتسخر لهم البنى التحتية لكي يتمكنوا من استخدام هذه الوسائل الحديثة.
من أجل كل ما سبق، قامت السعودية باتخاذ إجراءات عديدة لمواكبة العصر والمحافظة على الثروات؛ قامت بإنشاء صندوق الاستثمارات العامة - أحد الصناديق السيادية؛ ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل استفادت الدولة أو المواطنين من عوائد هذه الصناديق؟ هل تخطيط عملها كان استراتيجي أم عشوائي؟
نراكم الأسبوع المقبل على خير، مع استكمال سلسلة الصناديق السيادية السعودية.