مقالات

عن مأساة تهجير سكان جدة.

الكاتب/ة ناصر العربي | تاريخ النشر:2022-01-18

تمر مدينة جدة مأساة كبرى، وربما هي أسوء من كارثة السيول التي حدثت عام 2009. خلال هذه الأيام تحدث كارثة إنسانية واجتماعية واقتصادية تمس أكثر من مليون إنسان على أقل تقدير. حيث تقوم الجهات المسؤولة بتهجير سكان الأحياء الجنوبية والغربية في مدينة جدة. هذه الأحياء هي جزء من التاريخ الاجتماعي والعمراني لهذه المدينة الحجازية، التي كانت ولازالت مركز للتجارة وبوابة مكة المكرمة.

تخيل أن تخرج من باب منزلك وتجد بالخط الأحمر هذه العبارة مكتوبة على الجدار "إزالة" ورقم من خمس خانات. ولديك فقط  24 ساعة لكي تخرج من هذا المسكن أو أيام لا تتجاوز الخمسة على أقصى تقدير. أين نذهب، لماذا الإزالة؟ لا أحد يعلم. هناك مكاتب متنقلة موضوعة في هذه الأحياء كغرفة عمليات تشرف على تهجير واقتلاع الناس من مساكنهم والتأكد من تسوية البيت بالأرض.

والصمت اليوم عن اقتلاع السكان من جذورهم تحت وصف إزالة العشوائيات، هي كارثه لن تمر وسوف يكون لها تراكمات سياسية واجتماعية قادمة. اليوم أكثر من مليون شخص فقدوا أو سوف يفقدون مساكنهم ولا يعلمون أين الوجهة والسكن القادم.  هذه الأحياء ليست عشوائية، بل القرارات العشوائية  والأنانية التي يتم اتخاذها. هذه البيوت هي مبنية على مخططات بلدية (أيام كانت الحياة ميسورة وبسيطة) ولها صكوك ملكية.

هذه العملية وإن كانت عمرانية إلى أنها توضح أن النظام قمعي ولا يعرف الحلول الرمادية أو الحلول الوسط. فالإزالة تعني هدم أكثر 13 حي سكني (مساكن، مدارس، مشاريع تجارية، قطاعات صحية، مقابر) بدون أدنى اعتبار لكافة تبعات هذا التهجير.

لا أحد يستطع أن يتكلم أو ينتقد هذه المشاريع التي تخدم الرؤية الملعونة، الرؤية التي ذهب ضحيتها الكثير والكثير. يقول بعض الإخوة من أبناء جلدتنا الواهمين أن البديل القادم هو خير للمنطقة. وأي خير يأتي بعد أن تطرد من دارك؟

من المضحكات المبكيات، أنه سوف يتم بناء ملاعب رياضية ومسارح الأوبرا وستكون متاحة. هل يعقل أن يتم تهجير كل هؤلاء السكان البسطاء لأجل هذه الغايات. تخيل أن الغاية التي من أجلها يتم تهجير أكثر من مليون شخص هو بناء ملاعب وقاعات مسرح ومتاحف؟ هل يعقل أن تكون قيمة الإنسان وتهجيره من داره لدى الحكومة رخيصة لهذا النقطة؟

هناك عملية إيقاف بيع وشراء العقارات بقرار رسمي منذ أكثر من عامين للمدن الحجازية من حقل إلى الليث. هناك موت لقطاع العقار، هناك استيلاء على الشواطئ وتقليل عدد المرتادين لها في المناطق الساحلية الشمالية للحجاز، لماذا؟ لا أحد يعلم؟