مقالات

عبدالله الحامد؛ ذكرى لن تموت 

الكاتب/ة وطن الحامد | تاريخ النشر:2022-04-24

#ذكرى_استشهاد_عبدالله_الحامد

ذكرى لن تموت 

الرابع والعشرين من ابريل، ذكرى استشهاد الرمز الوطني والمعلم والقائد والعون والساعد الدكتور عبدالله الحامد رحمه الله واسكنه فسيح جناته، ذكرى السنة الثانية لفقدانه الموجع، إثر إهمال طبي متعمد وقتل بطيء داخل السجن وتأخير لعملية قلب وتركه فترة طويلة بعد إغماء بسبب جلطة دماغية أصابته.

 

سُجن الحامد ٧ مرات، كانت المرة الأولى في عام ١٩٩٣ عندما عمل على إنشاء لجنة حقوق الإنسان، وتلتها المرة الثانية في عام ١٩٩٤. 

واعتقل للمرة الثالثة في عام ١٩٩٥، حينها وجّه له سؤال عن عبارته التي كتبها في كتابه (حقوق الإنسان) التي قال فيها: "لا صاحب سمو ولا صاحب دنو بالإسلام". ممتعضين إتجاه كل من يطالب بالمساواة بين المواطنين ومقابلته بيد من حديد كما فعلوا بأبوبلال. 

في ٩ اوقست ٢٠٠٤ وجهت له تهمة "إعداد بيانات ضد مصلحة الوطن" وامتدت هذه المحاكمة عشرة أشهر مما جعل الحامد يختار الصمت محتجٍ للمحاكمات السرية وحرمانه من أبسط حقوقه، تخللت تلك المحاكمة برفع إحدى جلساتها بعد هتاف الحاضرين بالإفراج الفوري عن أبوبلال، صدر الحكم عام ٢٠٠٥ بسجن الحامد سبع سنوات ولكنّه خرج بعفو ملكي وقد كان الاعتقال للمرة الرابعة، ولم يُثني عزمالإصلاحي عن طريق الحق فاعتقل للمرة الخامسة، وفي ٢٠٠٧، كان للحامد موقفًا مشرفًا كعادته التي عرفناها به، حينما أيّدَ الاعتصامالسلمي لعدد من نساء بريدة واعتقل للمرة السادسة على إثرها.

 

اشترك الحامد مع ١١ ناشط حقوقي في تأسيس جمعية الحقوق المدنية والسياسية حسم مطلع ٢٠٠٩، ومن خلال نشاطهم السلمي تمكنوا من تحقيق زيادة نوعية في الوعي في الحقوق داخل الوطن. 

تحدّثوا عن مشروعهم في وسائل التواصل الاجتماعي في مطالبتهم بوضع دستور للبلاد يكفل الحقوق والحريات وإنشاء برلمان منتخب بصلاحيات كاملة ومحاربة للفاسدين، وتمكنت الجمعية بجهود مؤسسيها بفضح الانتهاكات بشأن حقوق الإنسان وتسليط الضوء عليها، كما أنهم رفعوا طلب للسماح لهم بالاعتصام السلمي، وتوجهوا برسالة واضحة وطلب صريح للملك عبدالله بمحاكمة وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز على الانتهاكات المنهجية والإجرامية التي قام بها، وعارضوا تنصيبه وليًا للعهد. لم تتحمل الدولة نشاط حسم، فانطلقت أكبر وأشهر المحاكمات الموجّه للحقوقيين في تاريخ السعودية ومن المتهمين الدكتور الحامد الذي أصر على علانية المحاكمة، فتناقلوا الناس محاكمات الحامد الذي عبّر عن أفكاره الإصلاحية السياسية وإصراره على ضرورة إفساح المجال لتشكيل مجتمع مدني سعودي وتغييرشكل الدولة القائم على الملكية المطلقة واحتكار الملك للسلطة، ووقوفه إلى صف حقوق الإنسان وإطلاق الحريات العامة في التعبير والتجمع. 

وفي الصباح المشؤوم التاسع من مارس ٢٠١٣، ذهب عبدالله الحامد للمرة السابعة إلى زنزانته ليعيش بها ما تبقى من عمره إلى أن استشهد داخلها ولا حول ولا قوة إلا بالله ..

 

أصر الرمز الإصلاحي وشيخ الشباب ومنارة الوطن أن يبقى مناضلًا في سبيل قضيته بالرغم من القمع والتعذيب والظلم الذي تجرعها في براثن السجون. 

ساهم بكل ما يملك من إصدار الخطابات والمقالات التي تشرح مطالبه الإصلاحية وأشار إلى كل الأدوات السلمية في التغيير، مهد الطريق لمن بعده، ويّسر العسير، أصدر له كتب يشرح بها أبجديات حقوق الإنسان، والحقوق السياسة الشريعة التي أقرها الإسلام في أن نكونتحت سقف وطن نشترك به بالحقوق دون إقصاءٍ أو إجحاف، كان سيحمي البلاد من مستقبل كسيف كهذا الذي نعيشه الآن ..

 

ضحى بكل ما يملك عدا كرامته ومبادئه وحبه للوطن وقلمه ليكتب لنا:

"لا أطالب بحقوق هذا الشعب لنفسي، فأنا رجل كبير ولم يبق لي من العمر أكثر مما ذهب لكنني أطالب لجيل من الشباب ممن رأيت الحماسة في أعينهم وحبهم للإصلاح"

كُنا خطاب الحامد الذي أدى لسجنه وقمعه وقتله في سبيل إيصاله لنا، فأي رجلٍ خسرنا !

 

والآن بدورنا أن نطالب بالإفراج الفوري عن أصحابه أعضاء جمعية حسم الذين ضحوا في سبيل أن يمهدوا لنا ساحات النضال، من سبقونا للعمل من أجل الوطن: د.محمد القحطاني، عبدالعزيز الشبيلي، محمد البجادي، د.عبدالكريم الخضر، د.عبدالرحمن الحامد، فوزان الحربي،عيسى الحامد، عمر السعيد. ومن واجبنا إتجاه هؤلاء الشجعان أن يكونوا أول بسملة في مطالباتنا وحروفنا وأحاديثنا، أن تمتزج أصواتهم بأصواتنا، وأن نكمل ما جعلوه أمانةً في أعناقنا، وإن حُكم على هؤلاء النبلاء بالصمت، فلنكن النشطاء الذي عوّل عليهم الحامد بتشبيهه لناكالزرع الذي ينبت كل يوم، وما أجمل حصاد هذا الكريم الذي سنحذو بحذوه إلى أن يصبح الحلم واقعًا. 

 

إختار أبوبلال أن يموت من أجل قيمة وكرامة، من أجل وطن نحيا به آمنين لا يتعدى علينا معتدٍ بكرامتنا وحقوقنا وأموالنا وحرياتنا، أبوبلال إختار أن يضحي بعمره من أجل فكرة أسماها "الفكرة التي لم يعد بالإمكان سجنها" لأنه متيقن أن النهر كما قال يحفر مجراه، نحن الذين نعمل كأنه لم يغب عنا لحظة ولم توافيه المنية بعد ..

 

الوداع أيّها الأبيّ الشجاع، الذي لن يتكرر حضوره ومواقفه وعزمه وإرادته الذي لم تثنيه عن مغبّة العقوبة واجتناب ويلات التعذيب والقهر وضيق الزنازين، حتى المنابر أصبحت من بعده، موحشات، من حزنها ذابلاتُ مُحدات. 

لقد كنت يا عزيز القوم غيمة ماطرة، شموسًا لا تغيب، كنت أبًا رائعًا..بهيًا..شامخًا..أبيًا، يقطر شهد الثبات من لحيتك الوضيئة، يا معلمي تعثرت الكلمات في ذكرك، وغامت الحروف في مقامك، وذابت لغتي في حضرتك.. إلى فسيح جنات الله ونعيمها مشمولًا مع الصديّقين والشهداء وجمعنا الله بك في الجنة كما اجتمعنا على الحق في الدنيا ..

 

وكما قال عن نفسه نحن نقول:

 

عيون المجد و الشهـداء

‏في الأزمات لا تدمع

و في مجد الجنان‏ غدًا

 لدى مولاك مستَمتَـع

دماؤك سنبلت نصراً

‏ و أعلاماً إذا تُرفـع

و أنت الحي لا مــيتٌ

‏ينقنق وسط مستنقع