أشاد المؤيدون برحلة الرئيس جو بايدن القادمة إلى الشرق الأوسط، والتي ستتضمن لقاءًا مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، باعتبارها انتصارًا "للواقعية".
ومع ذلك، فإن التلميح إلى أن هذه الرحلة - صورة تذكارية مبجلة بلا أي نتائج واضحة – لا تخدم المصلحة الحيوية لأي شخص باستثناء محمد بن سلمان، هو تلميح لا يصمد أمام التدقيق فيه.
في الواقع، إن الزيارة التي تنهي التزام إدارة بايدن بمعاملة الحكومة السعودية على أنها "منبوذة"، هي فقط داعمة للنظام الذي يعمل فيه المستبدون أغنياء النفط في نطاق حصانة، بكل ثقة أن مستهلكي الوقود الأحفوري الرئيسيين لن يطالبوا أبدًا بتغيير حقيقي في تصرفهم.
لخدمة مصالح المواطنين في الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية حقًا، يجب علينا اتباع سياسة تعطي الأولوية للاستثمارات الرئيسية التي تهدف إلى الانتقال لاستخدام الطاقة الخضراء والتي تلتزم بمعايير حقوق الإنسان الأساسية.
تعتبر استثمارات الطاقة الخضراء ضرورية للحد من الآثار الكارثية لتغير المناخ، ولإزالة النفوذ الذي يحافظ على عودة رؤساء الولايات المتحدة إلى الرياض لهدف الحصول على مساعدات نفطية. يمكن الالتزام القوي بحقوق الإنسان في الحفاظ على النفوذ من خلال تحميل عبء الإصلاح للحكومة السعودية.
تتماشى المصالح الأمريكية مع نشطاء حقوق الإنسان السعوديين والشعب السعودي الذي عانى من الاستبداد لعقود، أكثر مما تتماشى مع المستبدين العنيفين مثل محمد بن سلمان.
إن تقليص النفوذ الذي يمارسه قادة مثل محمد بن سلمان على الولايات المتحدة سيقلل من اختلال توازن القوى بين الحكومة السعودية وشعب المملكة العربية السعودية، من خلال خلق فرص جديدة للتقدم في البلد، بما في ذلك الانفتاح على المشاركة الهادفة في صنع القرار الحكومي واستئناف حكم المجتمع المدني الناشئ في البلاد.
إن الموقف السياسي الذي يرفع، بدلاً من تخفيض، الميزة التفاوضية التي يتمتع بها محمد بن سلمان، وغيره من الحكام المستبدين الذين يسيطرون على إنتاج النفط، ضد الولايات المتحدة، ليس انقلابًا استراتيجيًا بل يعتبر فشلًا استراتيجيًا. ستظهر آثار هذا الأخير في المملكة العربية السعودية وفي جميع أنحاء العالم.
بالنسبة لنشطاء حقوق الإنسان السعوديين، فإن العالم الذي يعيد فيه الرئيس الأمريكي التأكيد على أن محمد بن سلمان لن يواجه أي شكل من أشكال المساءلة، حتى الأولية منها، عن انتهاكاته هو عالم أكثر صعوبة وخطورة. تعتمد حرية، وربما حياة، الناشطة الدكتورة لينا الشريف المسجونة منذ مايو 2021 لانتقادها ولي العهد، على كيفية تعامل الإدارة مع سجانها.
بالمثل، فإن السعوديين الأمريكيين، مثل وليد فتيحي وبدر الإبراهيم وصلاح الحيدر، هم ممنوعون من مغادرة البلاد وتتوقف حريتهم في التنقل على ما إذا كانت الإدارة تهتم بهم أكثر من اهتمامها بمعذبهم. باختصار، يعتبر لقاء بايدن بمحمد بن سلمان خيانة لأنصار حقوق الإنسان والمعارضين السعوديين الذين توقعوا الكثير من الرئيس.
بالنسبة لأولئك الذين يسعون إلى الحرية والعمل المناخي في جميع أنحاء العالم، فإن الإشارة التي قدمتها رحلة بايدن بالكاد يمكن أن تكون أسوأ.
إن ترك محمد بن سلمان يتخلص من المأزق في سعيه وراء زيادة إنتاج النفط لا يعطي الجرأة لولي العهد فحسب، بل يحفز المستبدين الآخرين أغنياء الوقود الأحفوري على محاكاة أفعاله. هذا يظهر أنه لا قدر من القمع قادر أن يؤدي إلى تدهور ملموس في العلاقات مع الولايات المتحدة، وأنه لا قدر من الخطابة حول الأضرار التي يسببها الوقود الأحفوري سوف يمنع القادة السياسيين الأمريكيين من المساومة على القيم الأمريكية للسعي وراء زيادة التنقيب.
يحث بايدن باستمرار على الحاجة إلى الطاقة المتجددة ويستشهد بالنزاع بين الديمقراطية والسيادة المطلقة باعتباره صراع القرن، لكن هذه الزيارة تشير إلى أنه لا يوجد صراع على الإطلاق. إن العالم الذي يظل فيه محمد بن سلمان قائداً يجب استرضائه، هو عالم يحكم فيه الوقود الأحفوري.
حاولت إدارة بايدن استباق هذا الخط من الانتقادات من خلال الادعاء بأن الرحلة لا تتعلق بالنفط في المقام الأول، ولكن تتعلق بقضايا أمنية أكبر في جميع أنحاء المنطقة. هذا الادعاء ببساطة غير موثوق به. من المستحيل أن نتخيل أن هذا الانعكاس المفاجئ في التعامل مع ولي العهد في أكبر دولة منتجة للنفط في العالم غير مرتبط بأسعار الغاز التي تتجاوز 5 دولارات للغالون، بينما يستعد الديمقراطيون لانتخابات منتصف المدة في نوفمبر.
يدور اللقاء حول النفط وحول الاعتقاد المعزز والمتبادل بين المستبدين أثرياء النفط والزعماء الديمقراطيين بأن تهدئة غضب منتجي النفط هو أعلى شكل من أشكال الحنكة السياسية.
ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أنه لا توجد دولة واحدة، ولا حتى المملكة العربية السعودية المطيعة، لديها القدرة على تقديم أسعار غاز أقل. بينما يمكن للمملكة العربية السعودية أن تحل محل بعض النفط الروسي الذي تم سحبه من السوق على الورق، فإن الحقيقة هي أن السعوديين يقتربون من طاقتهم الإنتاجية القصوى. الشيء الذي يحد من كمية النفط الجديد الذي يمكنهم إنتاجه ويرفع من علاوة المخاطرة على كل برميل جديد، وبالتالي يقلل من المدخرات المحتملة من أي زيادة في الإنتاج.
إذا كان الذهاب إلى محمد بن سلمان، طلباً لمعروف بكل تواضع، بحثاً عن تخفيف أسعار النفط هو ما يتم نعته بالواقعية، فقد حان الوقت لاعتزال هذا المفهوم. إن التحرك للتضحية بموقف بايدن المبدئي ضد انتهاكات حقوق الإنسان السعودي، على أمل زيادة طفيفة في إنتاج الوقود الأحفوري، ربما لا يخدم أي مصلحة أمريكية حقيقية.
إن السعي وراء هذه المقايضة لا يؤدي إلا إلى تقوية نفوذ أثرياء النفط المستبدين على حسب الولايات المتحدة مع إلحاق ضرر حقيقي بمصداقية بايدن كمدافع عن الديمقراطية. إن تحرير أنفسنا من هذا النفوذ، من خلال الانتقال إلى الطاقة الخضراء والالتزام الحقيقي بحقوق الإنسان، سيكون سياسة خارجية تستحق الاحتفال بها.
(مقال منشور مسبقا في صحيفة businessinsider.com )