مقالات

إبل الشيخ!

الكاتب/ة سلمان الخالدي | تاريخ النشر:2022-08-14

لوهلة من الزمان، كان هناك إنسان مفعم الحيوية، قوي الهمة، مليء بالنشاط، مدرك لأهمية نهضة الوطن، مكافح بثبات خلال مدة وجيزة منذ ٢٠١٦ إلى ٢٠٢٠، صال وجال في العديد من المجالات، حصد وإخترع وكتب وسافر ومثل وطنه لينتج عن هذه المسيرة ٤٦ إنجازًا دوليًا، فأصبح ظاهرة لأبناء جيله وكُرم على مستوى الدولة ضمن منجزيها، حتى قرر في يوما ما الخوض في النضال الفكري وتوعية أبناء جيله بحقوقهم السياسية كمسؤولية تجاه المجتمع، دون إدراك من حقيقة "الديمقراطية الصورية" لتنقلب حياته بين ليلة وضحاها من مخترع وموهوب ومنجز وقدوة حسنة لبلده، إلى مطلوب للقضاء بتهمة عمل عدائي ضد دولة أجنبية.

المتهم هو محدثكم، من منفاه، بعد طلب اللجوء السياسي إثر إتهام ومحاكمة غابت عنها أبسط موازين العدالة وهي اول ركيزة من ركائز القضاء، وتخلت عن مبدأ أساسي من مبادئ محكمة العدل الدولية في المحاكمات: "إن الخروج المتعمد على القانون والتمايز بتطبيق القانون يبرر رفض تطبيق القانون والخروج عليه"، محليًا حُكمت غيابًا وفق قانون فضاض غير دستوري وهو قانون أمن الدولة الكويتي عبر مادته الرابعة التي تنص:"يعاقب بالحبس كل من قام بغير إذن من الحكومة بجمع الجند أو القيام بعمل عدائي ضد دولة أجنبية من شأنة تعريض الكويت لخطر الحرب او قطع العلاقات السياسية".

هذه المادة خالفت كل المبادئ والنصوص الدستورية، وتحديدًا في المادة ٣٦ من الدستور الكويتي التي تكفل حرية التعبير، وتعد "تهمة الإساءة لدولة شقيقة"، والتي تصنف كقضية "أمن دولة" شماعةً تستخدمها السلطات الكويتية لقمع الأصوات الناقدة على أداء الحكومة الشقيقة لدولة الكويت، على الرغم من أن المحكمة الدستورية فسَّرت نص هذا القانون في حكم تاريخي بعد مرور أكثر من ٥ عقود عليه، أقرَّت فيه بأن "حرية التعبير والرأي تجاه الدول لا تندرج تحت الأعمال العدائية ضدها". إلا أن المحاكم الكويتية لا تزال لا تلتزم بهذا التفسير من أعلى سلطة قضائية، بل وتتعمد "الإنقلاب علية".

غير ان سلب حقي في الدفاع عن نفسي وعرضي للمحاكمة خلال وقت قصير جدًا لمدة شهر فقط، ورفض قبول هيئة دفاعي المتمثل في المحامي لحضور التحقيق والمحاكمة لتفنيد ودحض الإتهامات الباطلة بعذر وجوب حضور المتهم نفسه، رغم وجود توكيل وتفويض قانوني.. أسباب تؤكد على حكم جائر مُسيس وغير شرعي خرج عن كل قواعد العدل.

إتهامي بعمل الجند ماهو إلا تأكيد على ملاحقة سياسية بمرتبة الشرف لقمع صوتٌ حرَّ صدح بإحقاق غاضب لأنظمة مستبدة لا تريد لهذا الصوت بالتغلغل بين شعوب مغلوبة على أمرها وهي تنتظر خبزها وقوت يومها، دون حقوقها ولا عدلها، وببساطة نعرف القانون ونحترم تطبيقه، لكن توظيفه للقمع وسلب العدل امر غير مقبول تحت اي مبرر، فالقانون وظيفته تنظيم العلاقات وحفظ الحقوق اما استخدامه كوسيلة للاهانة والقهر فهو امر ترفضه الفطره الانسانية، عن القانون يقول الرفيق جيفارا:"القانون الذي لا يطبق على الجميع ويستثني منه أحد يجب أن لا يحترم".

لعل ما طبق ووظف من أدوات لقمع الأصوات الحرة يشكل الفجوة العميقة بين دولة المؤسسات والدستور والديموقراطية، ودولة "إبل الشيخ" فالشيخ من يأمر، والشيخ هو من يقرر، والشيخ هو من يصدر حكمًا قضائيًا حسب ما تقتضيه مصلحة الدول وسعر السهم، والجميع يؤتمر بأمر الشيخ، فأين الدستور والحقوق وحريات الشعوب والقانون في دولة "إبل الشيخ" ؟