مقالات

العقل العربي.. كيلٌ بمكيالين !

الكاتب/ة سلمان الخالدي | تاريخ النشر:2022-08-22

يقيضني واقع العقل العربي في المسائل التي تتعلق بمبادئ وقيم تتغلغل في الوجدان والأدبيات السياسية لدرجة أضحى بها من المسلمات التي يُستجهن نكرانها أو نقدها كالحريات وحقوق الإنسان ونصرة المظلومين والأقليات وهي واجب شرعي وإنساني، في اللغة هناك ظاهرة تدعى (إزدواجية المعايير Double Standard) وهو مفهوم سياسي عريق صيغ بهيئتة الحديثة مطلع القرن الماضي، ويعني المعيار المزدوج هو تطبيق مجموعات مختلفة من المبادئ لحالات مماثلة تناقض بعضها، وكمثال حيّ نشاهد تعاطف ودعم الدول الكبرى والمسيطرة على قرارات العالم العربي بدليل ما صرّح بايدين نصًا في قمة جدة يوليو-2022: "لن نترك الشرق الأوسط للصين وروسيا وإيران" مايؤكد على صراع شديد الإحتدام على حظائر العبيد، هؤلاء السادة ضخّوا كامل دعهم المادي والمعنوي وهالاتهم الإعلامية لإعلان نصرتهم لإوكرانيا في الحرب الروسية الاوكرانية، بينما نفس السادة غضّوا البصر -لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم- في الإنتهاكات التي استمرت لأكثر من 70 عامًا في حق الشعب الفلسطيني وأرض فلسطين المحتلة من الكيان الصهيوني، هنا يسمى الأمر (كيلٌ مكيالين).


عربيًا، عبر العقلية العربية النيّرة، عندما نتناول قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، على اليد الحكومة السعودية في اكتوبر 2018 في مقر القنصلية السعودية في تركيا، هذا الحدث المأساوي تناولتة كبرى الصحف بشتى أنحاء العالم بلا إستثناءات بل وذكرت الحقيقة كاملة، مستعرضة الوثائق والأدلة، غير أن تقارير الأمم المتحدة والمخابرات الأمريكية والتركية، كلها أثبتت وثائق الاغتيال الجبان، ووجهت السهام نحو المسؤولين وبالأسماء ومن يقف خلفهم، هذه الأحداث استقبلها العالم العربي بكل ترحيب وتهليل دون إعتراض لأن كل ما عرض وكتب كان من "السادة"، الأمر يختلف كليًل عندما يتحدث العربي عن اغتيال خاشقجي، لمحدثكم مجموعة من التغريدات عبر التويتر عن ذات القضية مرفقًا الأدلة ذاتها التي نشرتها "السادة" لإثبات صحة وحقيقة ما أطرحة وهي أمانة أدبية تتعلق بإعتبارات مهنية، لكن سرعان ما تم منعي من دخول السعودية ٢٥ سنة بسبب هذه التغريدات التي كنت أكتبها في حديقة منزلي، وتجاوز الأمر بعد كلّ محاولات قمعي التي فشلت، ليكون للسفير السعودي في الكويت دعوى قضائية ضدي عبر قانون غير دستوري ويعارض كل المبادئ
الدستورية التي تكفل حرية التعبير، واليوم أنفي وأدفع ثمن عمري في 5 سنوات سجنًا كعقوبة ظاهرها قانوني وباطنها مسيس بسبب ذكر الحقائق، ذلك لأني "عربي" فقط ولا يسمح لي بإنتقاد عربي آخر، أما الأجنبي وبالأحرى "أشقر الشعر" والسادة فالأمر مختلف تمامًا، هنا يسمى الأمر (كيلٌ مكيالين).


هذه الفرضيات الواقعية، والازدواجية بالمعايير والإنتقائية في تطبيقها، يكشف واقع عقلية المستعبد العربي الذي لا حول له ولا قوة إلا على تقديس الديكتاتورية والندب على ماضيها والتطبيل للباطل ومهاجمة بعضهم البعض بدلا من التوحد لكن اتفق العرب على ألا يتفقوا إلا على التخلف، تكشف جراح هذه الفرضيات لماذا الدول الكبرى مسيطرة على أنظمتنا، ويتعاملون عنا كالحظيرة وهم السادة، وندرك لماذا العقل العربي يحترم ويتقبل الرأي من "اشقر الشعر" ويقمع ويحبس "أسود الشعر" لأنه عبر عن ذات الرأي في واقع ندرك حقيقة أمة أبد ما تكون عن كل قيم ومبادئ دينها الإسلامي الذي يؤكد على نصرة المظلوم والوقوف هم الحقوق، ولهذا نشاهد الأحرار يقفون مع الحق، أما العبيد فيقفون مع القوة، لتجد دومًا الأحرار مع الضحية والعبيد مع الجلاد.