من أبلغ المصطلحات الفلسفية في العلوم السياسية هي (عقلية الحصار) أو Siege Mentality وهو مصطلح مشتق من التجربة الفعلية لدفاعات عسكرية من حصار حقيقي، وهي تبقى حالة ذهنية جماعية تسيطر فيها مجموعة ثوابت وأفكار ومعتقدات تنتج عنها حالة من الخوف المفرط منالشعوب والبلدان المحيطة، وموقف دفاعي عنيد لأي تهديد لهذه الثوابت، ومن نتائجها: إنعدام الثقة والأمان. إنها عقلية رجعية؛ مكبلة الإرادة، مصادرة لحقوقها، مستسلمة، ليست مستقرة، رغم وجود بعض النوافذ والعقول النيّرة بين حين وآخر، لكنها تعيش واقعها بمضض بعدما ابتليت "بعقلية الحصار".
علميًا، عبر ملايين السنين تطوّر الدماغ البشري وأصبح له ثلاثة أجزاء: الجذع المخي، والطرفي، والفص الجداري. الأجزاء الثلاثة للدماغ تتداخل وتترابط وتتيح لنا الجمع بين قوة التّعقل والتوازن وجموح الخيال والثورة والإبداع، أما في الدماغ "الكويتي" فقد وجد له جزء رابع، بعنوان (عقلية الحصار الفكري) وهو إعتقاد الكويتي أن أي تدخل من شقيقته الكبرى السعودية في سيادتة وقراراتة ومستقبلة وتوجهاتة وهو مسموح شرعًا، بل وتصل إلى التدخل في سلطتة التشريعية وإقرار قانون يعاقب من ينتقد ذلك التدخل السعودي السافر بالشأن الكويتي، وغير ذلك فهو من المحرمات المستعصية التي تؤدي لأي معارض كويتي لهذه التدخلات بالحبس لأن انتقد التدخل الخارجي في شؤونه الداخلية، فالكويتي في قلب مثلث ملتهب للغاية يحاصرة شرقًا إيران التي تملك تهديدات بنووي يشكل خطرًا للدول الكبرى، وشمالًا العراق المضطرب والمنقسم داخليًا عبر الفوضى السياسية الت ييعيشها، أما جنوبًا وغربًا تأتي السعودية التي لا يعرف نظامها سوى القمع والتنكيل بكل من يعارض قرار حكومي، وجميع مآسي وحروب الخليج تأتيعبرها ووصل الأمر قبل أيام بحظر ومعاقبة الإنتقاد لسمعة السياحة السعودية وهو ما يؤكد لأي مرحلة تعني كلمة "قمع" لهذا النظام، وبالعودة للدول الثلاث التي تحاصر الكويت فإن تاريخها وواقعها يثبت ان أنظمتهم السياسية ننتهج الديكتاتورية بشكلٍ او بآخر، بعكس النظام الكويتي الذي يستمد شرعيتة من الديمقراطية وإن كانت جزئية عبر دستور ١٩٦٢، وهو ما يعرض الكويت لخطر حقيقي بسياستها الخارجية، ففي مبادئ السياسة أن الديمقراطيات لا تشن حروبًا على ديمقراطيات، فكيف إن كانت ديكتاتورية بحتّة؟
الأحداث السالفة خلقت واقعًا لدى الكويت وعقلية الكويتي، بإن لا حماية للخطر الخارجي إلا عبر السعودية وكان ثمن ذلك هي نسب فضل تحريرالكويت من الغزو الصدامي الغاشم للسعودية، والتاريخ يعلمنا أن العالم أجمع وبتوحد تاريخي هو من حرر الكويت، والأحداث تؤكد أن تحرير "الكويت والسعودية" من الغزو بعدما حصلت معركة الخفجي التي لولا تنبية امريكي لخطة صدام بغزو السعودية هي الأخرى، لأصبح العالم مختلف بأكملة اليوم، تجاوز الأمر بخلق واقعًا يحاصر حقوق الشعب الكويتي ومستقبلة وهو التنازل عن أرض الكويت لصالح السعودية التي تمتد داخل الحدود الجغرافية الكويتية لأكثر من ٢٠ كيلو متر مربع تحوي على الملايين من براميل النفط وثروات الأجيال القادمة إثر إتفاقية "المنطقة المقسومة" التي وقعت في يناير ٢٠٢٠ وهي تعارض دستور الدولة في مادتة الأولى التي نصّت:"الكويت دولة عربية مستقلة ذات سيادة تامة، ولا يجوز النزول عن سيادتها أو التخلي عن أي جزء من أراضيها".
تراكم هذا الواقع بحق سيادة دولة تدعي الإنسانية لأن تشرع قانونًا (قانون أمن الدولة الكويتي المادة الرابعة) يناقض مرة أخرى دستورها الرسمي الذي يرسخ حرية التعبير والرأي بحبس أي صوت يعارض الحكومة السعودية وتدخلاتها بالشأن الداخلي خصوصًا، بل والتخلي عن أي مواطن يقوم بعمل الجند عبر رأية عن السعودية، دون إكتراث لمبادئ دبلوماسية بالمعاملة بالمثل وإتفاقية العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي وقعت وصادقت عليها الكويت في ١٩٩٦، كل هذه الصلاحيات العميقة أعطت السفارة السعودية بالكويت ضوءٍ أخضرًا مباشرًا لإتخاذها موضع مركز"حكم" في الكويت تتولى قمع أي كويتي يعارضها.
إن كل هذه التنازلات التي قدمتها الكويت متمثلة بالقيادة السياسية، والسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومباركة شعبية من الشعب نفسة ليتوّجب لقب "الشعب المُتسَعوّد" مع مرتبة الشرف، أكدت على شرعية "عقلية الحصار" لدى المواطن الكويتي الغلبان، وهو ما يعني بإن الكويت تعيش في غزوٍ ثانٍ بتاريخها ولكن بشكل "ناعم" أي أنها السيطرة على كل مفاصل القرار بلا طلقة عسكرية واحدة، أنة يؤكد على وجود غالبية شعبية كويتية "مُتسَعوّدة" تضحي وتتنازل عن حقوقها ومكتسباتها الشرعية، لأرضاء جارتها التي تحميها من الخطر الحقيقي الخارجي -بمنظور عقلية الكويتي- وهو منظور زائف تحت عنوان عاطفي لا يمت للواقع بصلة "بلد واحد مصير واحد" والواقع السياسي يقول الدولة تحمي نفسها بشعبها وعلمها وعسكرها وأمنها وتحالفاتها وتخطيطها لمستقبلها وإستقرارها عبر قرارها السيادي السياسي المستقل.
نحن نغير حياتنا عندما نغير عقولنا، وعندما نغير عقولنا نقوم بثورات تغير "عقلية الحصار" التي تحكمنا، والتي تمر بدورة في تغيير عقولنا، والتاريخ يقول ان الشعوب تبنى وتتطور أوطانها عبر تاريخها وحضارتها وسواعد شعوبها والحفاظ على حقوقها ومكتسباتها واستقلاليتها ومصيرها، إن الديمقراطية الحقيقة ليست الإنتخابات وصناديق الإقتراع، بل هي الكرامة والحرية والمساواة للجميع والعدالة الحقيقية، أو القانون العادل المستقيم الذي يُطبّق على الجميع دون الكيل بمكيالين.