استفزني وأحبط أشجاني الحكم المُسيس الذي صدر من النظام السعودي ضد الناشطة الحقوقية (سلمى الشهاب) في أعقاب محاكمة جائرة بدأت بالسجن 6 سنوات في منتصف العام الجاري 2022، ليقفز بسرعة برقٍ لا حدود لها بعد الإستئناف أمام المحكمة الجزائية المتخصصة حيث رفع أحد القضاة مدة حكمها إلى السجن 34 سنةً إثر محاكمة غير عادلة والتي هي أساس محراب القضاء، بل زاد الأمر زخمًا أن يعقبها منع سفر مماثل لمدة 34 سنةً من تاريخ إطلاق سراحها، إنه لمن العار ان يرتجف نظام مملكة تدعى "العظمة" والتحكم بموازين القوى في المنطقة أن تتسبب تغريدات هي أوهن من عش طائر عابر ناصر الحق ونطق به، في هذه العقوبة التاريخية القاسية لمجرد إستخدام تطبيق التدوينات القصيرة تويتر وإعادة تغريد تغريدات نشطاء تؤيد حقوق المرأة ونصرة قضية الحق فلسطين، تؤكد أن هذا النظام -الغير محترم- يقصد مع سبق الإصرار والترصد مع تبييت النية استخدام سلمى لتكون عبرة سيئة للآخرين، في ظل حملة القمع والتنكيل المتواصلة التي يشنها نظام آل سعود على حرية التعبير عن الرأي وإحترام الرأي الآخر، حتى انقلبت المعادلة ليصبح التعبير عن الرأي الآخر مرعب ومخيف لهم، وتأكد ذلك بعد زيارة بايدن لمؤتمر جدة يوليو الماضي للتعامل مع دولنا، أقصد الحظيرة التي يرعاها.
“نشعر بالفزع من الحكم القاسي على الشهاب الذي قضت ضدها بأكبر مدة سجن ضد إمرأة بتاريخ المملكة.”
-مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة “UN”
حُكم على سلمى بناء على (قانون الإرهاب) تحت تهم:"الإخلال بالنظام العام، وزعزعة أمن المجتمع وإستقرار الدولة"، إستنادًا على المواد 34، 38، 43، 44 من نظام مكافحة الإرهاب والمادة 6 من نظام مكافحة جرائم المعلومات، ما يؤكد أن توظيف نظام مكافحة الإرهاب في السعودية لتجريم وتقيد الحق في حرية التعبير تحت غطاء زعزعة الأمن، وهو أبعد مما يتخيله أي عاقل حتى أنّ رأيا قد يجعل مملكة بحجمها ومواردها تتزعزع إلى درجة أن تغريدة عابرة في فضاء تويتر للمطالبة الحقوق تجعلك إرهابيًا ومتطرفًا وخطرًا على أمن الدولة وإستقرارها!
ما يتلخص لنا، ان قرار منعي من دخول السعودية في ديسمبر 2021 ولمدة 25 عامًا بلا سبب يُذكر من النظام السعودي، يتضح اليوم أن السبب هو تعبيري عن آرائي في قضية اغتيال خاشقجي من النظام السعودي وفقًا لتقارير المخابرات الأمريكية والتركية والأمم المتحدة، خالفت قانون مكافحة الإرهاب السعودي، وبالتالي فإن ذات النظام منعني من الدخول لأني إرتكبت جريمة "إرهاب" حسب -الفَهْمُ السعودي الرسمي-!!
العجيب فيما سبق؛ أن السبب الحقيقي خلف الحكم على سلمى هو أن أحد المناهضين الذين يرعبهم حق التعبير وحرية الرأي، واتضح انه ضحية سوء سياسات بن سلمان وعاطلًا عن العمل، وبسبب البؤس في واقعه المرير قرر إبلاغ السلطات السعودية عن تغريدات سلمى عبر التويتر مستخدًما تطبيق سعودي للإبلاغ عن الملاحظات القانونية (كلنا أمن) وليكن الأمر أكثر وضوحًا فإن توظيف بعض المواطنين الموالين لقمع الإنسان للمشاركة في مراقبة النشطاء على الإنترنت والإبلاغ عنهم عبر تطبيق الهاتف الأمني السعودي لتزويدهم بأي نوع من الانتقادات للحكومة يجعل المواطن أيضًا مشارك رئيسي بل ومخرج سينمائي أوسكاري بإمتياز في عملية تعزيز إستبداد النظام السعودي بأن يكون المجتمع المدني غير مرئي ولا وجود لآراء الناس الحقيقيين على الإنترنت بدلًا من إصلاح كل هذه الإنتهاكات… ألا فلا نامت أعين الجبناء!
الناشطون ليسوا إرهابيون، إن من يرتكب جرائم إرهاب الدولة هو ذلك النظام الذي فتك بكل معاني الإنسانية والبشرية وحقوقها ومكتسباتها وهو نظام يدعى المحافظة على الحرمين ولكنه "الإرهابي الحقيقي".
لم يفتك وباءً بالعقول العربية مثل الإستبداد: أوطان دُمرت وإنهارت، ثروات نُهبت وأهدرت، وأحلام أجهضت وسُلبت، وأجيالٍ شردت وسُرقت آمالها وامتهنت كرامتها على أرصفة التاريخ، بسبب هذا الوباء الذي يدعى "ديكتاتور".