حكم محمد بن سلمان على الشاب محمد الجديعي بثمانية عشرة عاماً بالسجن، وحكم على نورة القحطاني ب خمسة وأربعين سنة، وقبلهم سلمى الشهاب ب أربعة وثلاثين سنة. وغيرهم من المواطنين ممن تتراوح أحكامهم ما بين العشرة سنوات إلى العشرين سنة. السؤال الجوهري ما هي الغاية والهدف من كل هذه الأحكام ذات السنوات الفلكية؟ لماذا يصر محمد بن سلمان على الإيغال في القمع وإطلاق الأحكام بالسجن كأنها مجرد ثواني وليست سنوات؟ يعتقد محمد بن سلمان، أن هذه الأحكام رادعه وأنها سوف تخيف الكثير من المنتقدين لنظامه، وأنها سوف تعمل على التقليل من عزم كل من يفكر في نقده سواء بحسابات مستعارة في تويتر أو حقيقه. الطاغية ضيق التفكير ولا خيارات لديه إلا في تشكيل أشكال القمع وتنويعها. محمد بن سلمان تسلط على المجتمع منذ عام ٢٠١٧، ولم يتعلم شيء من سيرته القذرة التي لطخت سمعة الدولة وجعلتها رهينة مزاجه المتكدر من كل صوت ناقد له.
عندما نتأمل بشيء من الحس الإنساني في ماذا يعني أن يمكث شخصاً ثمانية عشرة /خمسة وأربعين عاماً في السجن، نجد أنه حكم بالموت، حكم بسلب الحياة، حكم بنزع الفرد من عائلته وأصدقائه ومجتمعه الصغير. هذا الشخص المقموع بحكم ثمانية عشرة عاماً هو إنتزاع وجوده وحضوره من عالمه الذي يعيشه. تذهب كل الآمال والأحلام والطموحات والخطط إلى خانه يتجمد الزمن عندها. حينها تتحول الأمنيات والأحلام والخطط إلى حالة من الجمود وتوقف عقارب الساعة والحركة إلى أن تصبح محبوسه مثل صاحبها. حتى أبسط الأحلام برؤية الشمس في وضح النهار، والنجوم والقمر في الليل. بالحديث مع الناس بشكل عابر. هذا الحس والتصور غير موجود في عقل الطاغية، فأمنيته هي التخلص من كل الأصوات ولو بالقتل والتصفية. فالإنسان ورب الكعبة رخيص في عيون الطغاة. فهؤلاء الطغاة من أمثال محمد بن سلمان ينظرون إلى حياة الناس باستهتار شديد مع عدم المبالاة وموت الضمير، فصرخة الطفل واستغاثه الأسرة لا تحرك فيهم ساكناً. تاريخ محمد بن سلمان حافل بالجرائم فهو زعيماً بين المجرمين بالفطرة، فهو يتصدر قائمة الطغاة في قمع مواطنينهم. فهو هجر واقتلع ثلث سكان مدينة جدة في أقل من ستة أشهر، مع كل المناشدات و المطالبات، فهو لم يحرك سكاناً ولا يعنيه أين يبيت هذا المواطن في اليوم التالي، المهم لدى الطاغية أن يفعل ما يحلوا له و الويل كل الويل لمن يتجرأ ويسأل لماذا فعلت هذا.
إذا فما معنى حياة الناس في عيون الطاغية محمد بن سلمان سواء بالسجن أو بالقتل أو بالتهجير أو بالمنفى؟ هي لا تعني له شيء، فنحن كبشر لا شيء في عينه. فمحمد الجديعي نورة القحطاني و سلمى الشهاب وغيرهم من المقموعين ظلماً وزوراً هم عينه بسيطة من ضحايا جبروت مبس. مع هذا سوف تنتصر الشعوب في المطاف الأخير، مهما فعل الطاغية فهو يأجل لحظة انتصار الشعب عليه، مهما حاول وتفانى في القمع فهذا يعني شيء واحد أن الطاغية يتشبث بأدوات القمع التي هي أخر ما لديه، فلا بضاعه يملكها غير القمع الذي سوف تتلاشى مع الوقت هيبته وفاعليته، بل إن القمع سوف يكون وبالاً عليه. فنحن نعلم من التجارب التاريخية أن شدة القمع هي مؤشر على تخبط السلطة فضلا عن إفلاسها. كتب الإصلاحي المرحوم علي الدميني ذات مره زمن للسجن وأزمنة للحرية. وكما قال أبو القاسم الشابي ولا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر.