"وبناء عليه، فقد قررنا مضطرين، ونزولا على رغبة الشعب، واحتراما لإرادته الاحتكام إلى الدستور، العهد الذي ارتضيناه، واستنادا إلى حقنا الدستوري المنصوص عليه في المادة 107 من الدستور، أن نحل مجلس الأمة حلا دستوريا والدعوة إلى انتخابات عامة وفقا للإجراءات والمواعيد والضوابط الدستورية والقانونية، وهدفنا من هذا الحل الدستوري الرغبة الأكيدة والصادقة في أن يقوم الشعب بنفسه ليقول كلمة الفصل في عملية تصحيح مسار المشهد السياسي من جديد باختيار من يمثله الاختيار الصحيح والذي يعكس صدى تطلعات وآمال هذا الشعب. "
ولي عهد الكويت مشعل الأحمد الصباح، ٢٢ يونيو ٢٠٢٢م.
لم يكن واقع الخطاب الذي يعد سابقة تاريخية لأول مرة، يخاطب حاكم عربي شعبه ويؤكد خلاله على التمسك بالدستور وشرعيته، بل ويحل البرلمان الكويتي عبر جملة "نزولا لرغبة الشارع" وهو تأكيدًا على إرادة الأمة التي تجسدت عبر حقها الدستوري، والسابقة الأكثر من إستثنائية هي توجيه سهام الإخفاق لرئيس السلطة التنفيذية. بمعنى: الحكومة التي عينها ذات حاكم، ينتقدها علنًا ويتهمها بالقصور وضعف إدارة الدولة! إن أثر الخطاب وأبعاده وتوقيته شكّل منعطفًا تاريخيًا وهامًا للغاية في تاريخ العمل السياسي الكويتي الذي يمتد لأكثر من نصف قرن، عندما أعلن لوهلة عبر تلفزيون الدولة الرسمي أن خطابٌ بعد دقائق من القيادة السياسية المتمثلة بالأمير ونائبه ولي العهد يلقيها للشعب، توقعت أنا شخصيًا أن يكون خطابًا مستهلكًا شاعريًا يطلب خلاله التفاف الشعب ونبذ الخلافات دون حلول جذرية لأفعال الحكومة المُعينة من ذات الحاكم بإنها هي المسؤولة عنها، وكما غيرها من الخطابات السابقة بوضع الحلول عشية التهدئة لعذريتهم المزعومة "الأوضاع الخارجية الملتهبة" لترهيب الشعب في ظل الإنتهاكات بحق الدستور وحقوق الشعب ومكتسباته ، ليتحول هذا الظن (وإن بعض الظن إثمٌ) بين دقيقة وثوانيها حوّلت عبر مقولة كانت كالجاثوم على صدور الكويتيين وهو "مرزوق محد يطوله" إلى "الشعب ودستوره محد يطوله" في خطاب من رجل الدولة الأول ممثلاً بنائب الأمير تلخصت أهميته في السطور الأولى أعلاه ، وبعد ان دخلت الكويت نفقًا مظلمًا للغاية بدءً من إنتخابات مجلس الأمة في ديسمبر 2020 عندما أكدت الإرادة الشعبية حينها عبر إختيار النواب الإصلاحيين التي عكستها صناديق الإقتراع لتصل رسالة مباشرةً للسلطة مفادها ان الشعب يرى ضرورة تغيير النهج الحكومي عبر إختيار وزراء ورؤية تناسب مخرجات الإنتخابات وهي معادلة ديمقراطية لخلق التوازن والإستقرار بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، إلا أن النهج الحكومي المبني على المحاصصة الفئوية كان له رأيًا مخالفًا ومتسمكًا بنهج الفساد المنظم وتعنت السلطة التي ساومت، وماطلت، وإبتزت الشعب عبر نوابه في إصلاح الملفات العاجلة لإعتبارها إستحقاقات شعبية ضرورية، إلا أن الشرارة بدأت في جلسة إفتتاحية المجلس مع عدم حيادية الحكومة -عمدًا- في التصويت لاختيار رئيس المجلس بمخالفة صريحة لإرادة شعبية تمثلت في 39 نائبًا أعلنوا موقفهم بعدم رغبة الشعب في استمرار مرزوق الغانم كرئيس لمجلس الأمة لحتمية التغيير لما تتمثله المرحلة المقبلة من حساسية تتطلب توافق بين السلطتين. إلا ان الاصوات الحكومية كانت هي الغالب لتحسم اختيارها في بداية جسدت مبدأ الصدام المباشر مع المجلس. حيث أعلنتها الحكومة عبر بيانها عندما عبرت عن ارتياحها من أحداث جلسة الإفتتاح التي انتهكت فيها كل معاني الفجور بالخصومة بحق نواب الشعب الذين تعرضوا لشتائم وتدخلات خارجية وتصفية حسابات لصالح طرف منبوذ بأغلبية نيابية، ثم إعلان الحكومة استقالتها بعد تقديم احد أسرع الإستجوابات بتاريخ الكويت السياسي بعد إسبوعين فقط من أحداث جلسة الإفتتاح ومن تشكل المجلس وهو تكتيك حكومي لكسب الوقت بإعتباره بنج مخدر للنواب في محاولات للخروج من أزمتها السياسية وترتيب أوراقها من خلال إستقالتها الذي تسببت به هي ذاتها بعدم حياديتها في اختيار رئيس المجلس رغم التحذيرات المسبقة، وخلال هذا التكتيك كان إعلان المحكمة الدستورية بإسقاط عضوية بدر الداهوم الذي يعد أشرس النواب معارضةً لقطب التُجار المتحالف مع الحكومة، بل أن الأمر الغير طبيعي؛ ان اسقاط عضوية الداهوم شهدت تضارب أحكام قضائية بين محكمة تمييز اكدت على صحة عضويته تارة، والمحكمة الدستورية كان لها رأيًا مخالفًا تارة أخرى. ليتضح المشهد بوجود مؤامرة مدبرة -مع سبق الإصرار والترصد- لإسقاط عضوية النائب بتطبيق قانون حرمان المسيئ الغير دستوري بأثر رجعي مخالف لتفسيره.
تواصلت الأحداث والمؤامرات بطلب رئيس الحكومة عدم مساءلته عبر طلب تأجيل المزمع تقديمه وهو انقلاب صريح على حق النائب في الرقابة والمساءلة على رئيس الحكومة، ثم يشهد البرلمان سابقتان غير مسبوقتان؛ الأولى بالتدخل العسكري بطلب من رئيس المجلس لمنع احتجاج النواب بإستخدام القوة الجبرية في منصة مجلس الأمة لإعتصامهم السلمي بسبب الانتهاكات الدستورية من رئيس السلطة التنفيذية بتحالف وتواطئ مع رئيس السلطة التشريعية -الغير شرعي- ، والسابقة الثانية هي تصويت الحكومة عبر جلسة الميزانيات لإقرار ميزانيات الدولة للعام 2021 وقوفًا بجانب دورات المياه بسبب جلوس النواب على مقاعد الوزراء احتجاجًا على سلوكها الغير دستوري إلا ان أدوات السلطة كانت هي الغالب على الشعب، في مشهدين لم يحدثان في تاريخ الكويت السياسي الممتد لأكثر من 60 عامًا منذ الإستقلال عام 1961 ختامًا لتبدأ حكاية قصة عنوانها الحوار الوطني الذي كان هدفه تقسيم كتلة المعارضة الصلبة عبر العفو الأميري الذي إستغلته أطرف محسوبة على حكومة إنقلبت على إرادة الشعب لصالحه عبر إبتزازها من خلال العفو 100 مهجر رأي كويتي تحت ذريعة التأزيم السياسي لموقف المعارضة الأمر الذي اتضحت نواياه لاحقًا ما انعكس على أحد ممثلي الحوار بمقولة غير اخلاقية عندما ذكر تفضله على احد المهجرين بعودته بالعفو في لقاء تلفزيوني، لتكون القشة التي تقصم ظهر بعير هذا النهج في استجواب الشعب لرئيس الحكومة في مارس 2022 بعد سقوط المزمع ليتمكن خلاله نواب الأمة بأغلبية نيابية بلغت 26 صوتًا مؤيدًا طرح الثقة برئيس الحكومة الذي تم خلعه بإرادة شعبية لممارساته التي تعكس مقولة "على نفسها جنت براقش" تسبب بخلقها هو لطول أمد بقائه تحت بشت المشيخة. ثم يعتصم نواب الأمة داخل مجلس الأمة لمدة 9 أيام متتالية نتيجة إستمرار ذات الرئيس بعد كتاب عدم التعاون معه، ليشكل الضغط السياسي حرجًا بالغًا للقيادة السياسية التي لم تبت في أمر استقالة حكومة طرح فيها الثقة. لينتج كل ذلك عبر الخطاب الوطني التاريخي من ولي العهد الذي أدى إلى (حركة تصحيحية) داخل بيت الحكم بعد سخط شعبي وصل سقفه لمسند الإمارة، ليصحح الحكم الأوضاع الداخلية للبلاد والتمسك بالشرعية الشعبية إجبارًا، وكل ماحدث سالفًا ماهو إلا نتيجة وليس سببًا.
اليوم، تعيش الكويت واقعها المنتظر، على بعد أيام قليلة من موعدٌ لإنتخابات مجلس الأمة في فصله التشريعي17 وتحديدًا في 29 من سبتمبر 2022، في أجواء إنتخابية إستثنائية للغاية، فالشعب يدرك جيدًا ويعي أهمية إستغلال (الحركة التصحيحة) بعيدًا عن أي مجاملات أو تعصبات قبلية أو طائفية أو فئوية على حساب الوطن، لأن ضمن سطور الخطاب أعلاه، تضمنت جملة تحمل تصورات وأبعاد خطيرة للغاية وتهديد مبطن من ولي العهد الذي انعكس خلال هذا السطر للعقلية العسكرية عبر مبدأ كن فيكون وهو أمر غير مستغرب على من أسس جهاز أمن الدولة الكويتي الذي ساهم عبر القبضة الحديدية بقمع مسيرة كرامة وطن 2011 إبان بلوغ الربيع العربي للكويت إحتاجًا على الفساد من رئيس الوزراء آنذاك -مرة اخرى- لينعكس الترهيب في هذه الجملة: "ونناشدكم أبناء وطننا العزيز أن لا تضيعوا فرصة تصحيح مسار المشاركة الوطنية حتى لا نعود إلى ما كنا عليه لأن هذه العودة لن تكون في صالح الوطن والمواطنين وسيكون لنا في حالة عودتها إجراءات أخرى ثقيلة الوقع والحدث."
ونشهد انعكاس هذا التهديد عبر الوعي العام لأهمية التغيير والإختيار الصحيح ، والذي تفسر الجملة نفسها بالوعيد بتعطيل المؤسسة التشريعية المتمثلة في مجلس الأمة لو عدنا إلى المربع الأول مرة أخرى والإنسداد بين السلطتين.
إن التفاؤل ينعكس على الشارع الكويتي في إختيار مثالي لممثلي الأمة الذين يحملون عاتق المرحلة القادمة في البناء لكويت 2035 عبر رؤيتها، والتشريعات المنتظرة والإستقرار بين السلطتين لحلحلة مواضيع ينتظر تجاوزها الوطن والمواطن ولعل أبرز ملفات المرحلة المقبلة هي:
ملف العفو عن المهجرين وسجناء الرأي، وإلغاء قانون المسيء الذي يصف بالإعدام السياسي لكل من حُكم بالذات الأميرية أو الذات الأهلية والأنبياء وتعد كارثته في تطبيق القانون بأثر رجعي مما حرم العديد من نشطاء الحراك المعارض في 2011 من الترشح رغم ان القانون صدر في أكتوبر 2016، وملف ثالث ينطلق بتعديل النظام الإنتخابي لمنع تدخل المال السياسي، والمساهمة بإشهار الأحزاب، وإلغاء القوانين الغير دستورية المقيدة للحريات الذي هجر وسجن أكثر من 400 شاب وشابة ، وملفات مختلفة لا تقل أهمية مثل التعليم والصحة والرياضة والإسكان. ويتوقع نجاح أغلبية نيابية لا تقل عن 35 نائبًا إصلاحيًا وهو العدد المتمثل بضمان إقرار أي قانون الذي يتطلب موافقة نصف أعضاء المجلس بالإضافة للحكومة (50 نائبًا منتخبا و 16 وزير بالحكومة) ولأجل تلك الأغلبية التي يحرص الشعب أن تكون في صالحه، تحدث خلال الأجواء الإنتخابية هذه الساعات تحالفات سياسية بين أقطاب، وتضامنات وتغييرات وحضور نواب سابقين لهم تاريخ سياسي عبر المشاركة في ندوات مرشحين بتزكيتهم وإقناع الناخب بالتصويت لهم، وكذلك وجود حركة لمفاتيح وقواعد إنتخابية في الدوائر الخمس تعكس نشاطًا إجتماعيًا وحملات إنتخابية نشطة في وسائل التواصل الإجتماعي في آخر أيام السباق الإنتخابي قبل اليوم المحتوم لصناديق الاقتراع ، وجميعها تكتيكات إنتخابية لتوجيه رأي الناخب نحو مرشح، وتقطع الأصوات لمرشح أخر للمساهمة في إسقاطه، وبالمقابل نشهد إنقلابات على المواقف السياسية من مرشحين فمن كان بالأمس معارضًا شرسًا، اليوم ينقلب ويهاجم ذات المعارضة، وآخر يستغل خطاب قبلي لإشعال النزعة القبلية، كمحور يستغله بعض المرشحين الذي بلغ أعدادهم 376 مرشحًا في المضي خلف التيار المعاكس لمحاولة جذب اكبر عدد أصوات تؤيد هذا التوجه، ولو كانت هناك كلمة سر تصف مفتاح النجاح للإنتخابات في الكويت بتاريخها الطويل، فهي كلمة متمثلة في (التوجيه) ومن يوجه قواعده الإنتخابية بأخر دقائق للتصويت هو الأوفر حظًا.
الشاهد على هذه القراءة التحليلية، أن الحركة التصحيحية لم تكن لولا النضال والإيمان والثبات بفكرة الشرعية الحقوقية والمكتسبات الدستورية والثبات بالمبدأ وإن طال أمد الإستبداد وإنقلب المنقلبون بأدواتهم على عدل الحقوق والحريات، وإن كان من بد؛ فلابد لنصر الوعي أن يسود، فالطريق قد يبدو طويلًا وعسرًا ومظلمًا، والضمانات مفقودة، لكن يؤكد التاريخ أن النضال ينتصر في النهايات.
إن التجربة التي عاشتها الكويت هامةٌ وهامَة، فهي توجة رسائلها إلى كل الدول المجاورة خليجًا وعربيًا بثوارها وحرائرها أن لا يفقدوا الأمل بربيع عربي يُطبخ على نار هادئة بظل مظاهر الديكتاتورية التي تشهده كل الشعوب العربية، في كل البلدان من سلب وسرقات لثرواتها، وطغيان سياسي لا مثيل له، فإن سنة الحياة التغير الدائم وظروف ما قبل ربيع 2011 تعيد نفسها، وتقترب يومًا بعد يوم والشرارة إشتعلت في مظاهرات إيران والثورة ضد الإنتهاكات المتراكمة بحق الكرامات الإنسانية، والثبات هو المحتوم في ظروف مضطربة انعكست كالسادة قي حظائر العبيد والشعوب المغلوبة على أمرها، وواقع الحركة التصحيحية تنتظر مناضليها ومؤمنيها في بقع الوطن العربي.. فتصبروا لحركة ربيعية تصحيحية منتظرة لأوانها!