لم أدرك أن أسم خاشقجي يرعب المستبدين وأعوانهم إلا عندما علمت عن قرار منعي من دخول السعودي لمدة 25 عامًا -مدى الحياة- بسبب حملات تحريض شديدة المفعول والتأثير بسبب تغريدات عبر تويتر كتبتها تنديدًا لجريمة اغتيال خاشقجي النكراء.

فالذباب الإلكتروني من مملكة تدعي علنا أنها عظمى لكنها في الحقيقة هشّة للغاية وضعيفة أمام كلمة واحدة وهي: خاشقجي. إذ أن ما كتبته عن حادثة الاغتيال مرفقًا تقارير الإستخبارات التركية والأمريكية كأدلة حتمية عن مسؤولية الحكومة السعودية، يؤكد أنها ليست عظمى بقدر ما أنها جبانة من الصوت الحر الصادح بالحق والعدل.

فإن منعي من دخول هذه المملكة كردة فعل وخوفًا من حقائق ذكرتها يؤكد أنها صغيرة جدًا أمام كلمة عابرة، وتهاب الحقيقة. إن الحكومة السعودية مسؤولة مع سبق الإصرار والترصد بمعية بن سلمان من اغتيال شهيد الكلمة جمال خاشقجي وإخفاءه من الوجود غدرًا. الأمر الذي يكفيني شرفًا عظيمًا طيلة حياتي أن أدفع ثمن حريتي في المنفى اليوم بسبب نصرتي لخاشقجي والدفاع عن حقه ورفع المظلمة عنه والمطالبة بالعدالة لروحه الطاهرة أمام استبداد الديكتاتورية وأعوانهم من الطغاة. فالمبادئ أعظم من أن يدركها العبيد في زمن إما أن تكون حرًا أو لا تكون.

" جمال.. سلام على روحك التي تجاوزت المجال.. 
طبت وطاب ضريحك الذي أصبح أكبر من العالم العربي.. وأكبر من ظلمهم، وأكبر من الجغرافيا! 
كنت ترجو جوار رسول الله ﷺ .. فأخذك الله إلى جواره.. 
أرادوك مخفيّاً منسيّاً.. ولكن أراد الله أن تكون مخلداً مرئيّاً..
البقاء لله.. ثم للشعب الذي سينتقم من قاتليك!"

في الذكرى الرابعة من اغتيال جمال خاشقجي، عيّن بن سلمان الديكتاتور المتعطش للسلطة نفسه رئيسًا لمجلس الوزراء السعودي، ما يؤكد على حصانته كحاكم فعلي للسعودية. و هذه الحصانة التي يحتاجها الديكتاتور ستحميه سياديًا ودوليًا في قضية اغتياله لخاشقجي التي كان فيها انتهاك صارخ للقانون الدولي الخاص لحقوق الإنسان.

ومن انقلب على المواثيق والقواعد الدولية والأخلاقية، غير مستغرب عليه انقلابه على نظام الدولة بأكملة وتعيين نفسه رئيسًا على الوزراء لحماية مصالحه الشخصية. ولكن هل ستتغير صفة المغتال؟ حتمًا لا! فالمغتال سيبقى مغتالًا لروح خاشقجي مهما يصبح مركزه، ومحمد بن سلمان سوف يعرفه التاريخ كمغتال حتى بعد موته.

"أَمَسُّ ما يحتاجة العالم العربي هو حرية التعبير"
-جمال خاشقجي، عنوان آخر مقال للراحل.

كنت أظن، يا جمال، أن صوتي سيحقق لك العدل والكرامة، لكن الكلمات أغرقت الميادين دون أن يتحقق الحلم. شهدت عذابك يا جمال، من دون أن أملك القوة في موطني لأخفّف عنك.

كنت أود أن أضحي بحياتي كي يعتدل ميزان العدل، فلا تحزن إن صمت. ضع قلمك على صوتي ولا تفارقني، فأنت الوحيد الذي يمكن أن يسمعني وأنا أكتب لك.

جمال.. قل كلمتك وامش شامخًا بين الأحرار.