مدونات

انتخابات الكويت: كيف صنع الشعب إرادته

الكاتب/ة سلمان الخالدي | تاريخ النشر:2022-10-15

انتخابات الكويت: كيف صنع الشعب إرادته

لم تكن انتخابات تصحيح المسار في 29 سبتمبر 2022 إستثنائية فحسب، بل شهدت تحولات وأرقام لم يشهدها التاريخ السياسي الكويتي إطلاقًا خلال 60 عامًا.فهي لم تكن إنتخابات إصلاحية، بل تحولت لإنتخابات عقابية، والذي عُكس على نسبة التغيير بوصولها إلى نسبة 54% من تركيبة مجلس الأمة في عام 2020، ما يعني سقوط 27 نائبًا. جاء ذلك تجاوبًا مع مضامين الخطاب الأول من نوعه في تاريخ الكويت الذي ألقاه نائب الأمير في يونيو 2022 والذي كان إستثنائيًا على مستوى الدول العربية من حيث كلماته التي تضمنت "النزول عند رغبة الشارع".

شهدت الانتخابات البرلمانية السابعة عشر عوامل قلبت الموازين رأسًا على عقب قبل بدايتها. العامل الأول كان مرسوم ضرورة التصويت عبر البطاقة المدنية، وقد قطع ذلك الطريق على ناقلي الأصوات ومزوري الإرادة الشعبية. مما ساهم بزيادة معدل أعداد الناخبين بنسبة 29% مقارنة مع انتخابات 2020. فقد كان إجمالي الأصوات في الدوائر الخمسة 795,911 صوتا، عدد أصوات الرجال 388,099 وعدد أصوات النساء 407,812 صوتا. 

أما العامل الثاني فكان منع الانتخابات الفرعية، وهو ما انعكس على تركيبة القبائل وفقدان العديد من القبائل المؤثرة في الدائرتين الرابعة والخامسة أكثر من نصف مقاعدهم  مقارنة بالانتخابات الماضية. وأخيرًا أهم عامل هو منع تدخل المال السياسي عبر شراء الأصوات لما له من آثار كارثية تتمثل بتزوير العملية الديمقراطية بأسرها.

أغلق باب التسجيل لخوض السباق الانتخابي بإجمالي 305 مرشحين، مقسمة على 283 مرشحًا، و 22 مرشحة تمثل العنصر النسائي، يتنافسون على 50 مقعدًا برلمانيًا، كما تم إضافة 19 منطقة سكنية في الدوائر الانتخابية الخمس، ليبدأ السباق الذي انتظره الشعب طويلًا. فالمواجهات بين المجلس والحكومة أدت لحل عشر مجالس أمة منذ بدء الحياة السياسية قبل ستة عقود، واشتداد الصدام خلال العشر السنوات الماضية أدى للذهاب لصناديق الاقتراع ستة مرات منذ 2012 إلى 2022، ما يعكس مدى تدهور العلاقة بين السلطتين.

دقت أجراس صناديق الاقتراع بإجمالي أصوات 500,159 صوت في جميع الدوائر الخمس بنسبة تصويت 62,8% تصدرتها قيادات المعارضة التي قاطعت الانتخابات منذ 2013 احتجاجًا على تعديل قانون الانتخابات عبر الصوت الواحد بعدما كان أربعة أصوات.

 الأمر الذي شجع التيارات والكتل السياسية والأسماء البارزة التي قاطعت الترشح، وبالمقابل أجبر الغضب الشعبي انكفاء 27 عضو سابق ما بين خسارة وامتناع عن الترشح. ولعل أبرزهم رئيس المجلس السابق مرزوق الغانم الذي أكد أنه سيكون حاضرًا في المشهد السياسي، ما يعني أنه غائب جسديًا إلا أنه سيقوم بالإيعاز لأدواته التي زرعها في مفاصل الدولة لمدة تسعة سنوات للتأثير على المشهد السياسي من خلف الكواليس،

 امتناع ترشح أبرز اسم منبوذ شعبيًا ساعد بعودة 12 نائبًا من النواب السابقين للمجلس، بيد أن تكتلات المعارضة غير المنسقة على أجندة موحدة حصدت 30 مقعدًا أي بنسبة 60% من المقاعد الخمسين. فيما حصدت القبائل 23 مقعدًا من أصل 29 مقعد في المجلس الماضي، وهو مؤشر على مدى تأثير منع الانتخابات الفرعية على نسبة تمثيلهم ما أدى لإستفادة القبائل الأصغر عددا، والأقليات خاصة في الدوائر المغلقة كالرابعة والخامسة ما أدى الى تنافسهم بمراكز متقدمة، فيما حصد الحضر 27 مقعدًا.
 

التحالفات السياسية:

قامت الحركة الدستورية الإسلامية "حدس" وهي الجناح السياسي "للإخوان المسلمين" بعقد تحالفات سرية قبل أيام من الإنتخابات مع قبائل وعائلات في الدائرة الثانية. إذ تشير النتائج أن حدس قامت بتقسيم قواعدها الانتخابية في الدائرة الثانية إلى قسمين: الأول يقوم بالتصويت لمرشحها المعلن رسميًا وهو حمد المطر، والقسم الآخر للتصويت لمرشحين اثنين محسوبين عليها وهما فلاح ضاحي الهاجري، وعبدالله الأنبعي، كمرشحين مدعومان بشكل غير مباشر من الحركة.

 وكان هذا  السبب الذي أدى  لنزول مركز مرشحها الرسمي المطر، الذي كان متوقعًا أن يكون من الأوائل، من المركز الثالث إلى المركز الثامن بعدد أصوات 2460، ما يعلل أن تسرب أصوات المطر ذهبت إلى الهاجري و الأنبعي، وهو تكتيك قامت به الحركة لضمان أكبر عدد من المقاعد في معقلها بالدائرة الثانية.

كما حافظت الحركة على مقاعدها بالدائرة الأولى وفوز مرشحها الرسمي أسامة الشاهين، وفي الدائرة الثالثة عبر مرشحها عبدالعزيز الصقعبي. إلا أن تحالفًا آخر عقدته الحركة مع أصوات من قبيلة عنزة في الدائرة الرابعة، أدى بنجاح مرشحها الغير رسمي والمقرب منهم عبدالله فهاد العنزي. لتحصد حدس عبر دهائها المشروع كتلة نيابية وتخرج بنصيب الأسد داخل المجلس عبر ستة مقاعد بعد تكتيك انتخابي مدروس. قامت حدس في هذه الانتخابات بارسال رسالتها الى السلطة عبر هذا العدد من المقاعد البرلمانية مفادها  أن الإخوان لا يزالون أحياء ويملكون التأثير في المشهد السياسي الكويتي.

لملم "التجمع الإسلامي السلفي" شتاته بعد توجيه أصوات قواعدهم بالدائرة الثالثة ليحصدوا مقعدهم الذي فقدوه بفوز حمد العبيد، بالاضافة الى الدائرة الرابعة التي شهدت نصيب الأسد بفوز إثنين من المحسوبين عليهم وهما، محمد هايف ومبارك الطاشة، بأرقام عالية جدًا وصلت بفوزهما بمقعديهما الاثنين ضمن أول ثلاثة مقاعد على الدائرة.

 كما حصل الإسلاميين المستقلين على مقعدين، في الدائرة الأولى عادل الدمخي، وفي الدائرة الثالثة عمار العجمي، ليكون مجموع مقاعد الإسلاميين 11 مقعدًا من أصل 50 حصدهم النواب الإسلاميون من إخوان ومقربين من التجمع. الأمر الذي سيشكل تحديًا كبيرًا على حريات الشعب الكويتي وانفتاحه، في ظل أصوات التيار الإسلامي المؤثرة على القرار السياسي.

استعاد "تجمع العدالة والسلام" مقعده في الدائرة الأولى بفوز مرشحهم صالح عاشور، بعدما خسرا المقعد في الانتخابات الماضية، إثر خلافات في قواعد التجمع الممتدة للنادي العربي وتغيير مجلس إدارته ما حالت دون ذلك، بينما حافظا على مقعدهم بالدائرة الثانية بفوز مرشحهم خليل الصالح.

حصد "التآلف الإسلامي" على ثلاثة مقاعد في الدوائر الخمسة بعد توجيه أصوات قواعدهم بشكل مدروس للغاية، فحافظوا على مقعديهما بالأولى والثالثة بعد أن قام التجمع بتغيير الأسماء في محاولة لتجديد الدماء وإعطاء الفرص للآخرين. وهو ما نجح فعلًا بعد بوادر بحدوث انقسامات علنية، لولا تدارك وتنازل طرف لآخر. فحصد أحمد لاري مقعد الأولى، خليل أبل بالثالثة، أما المفاجأة المدوية فقد كانت  بإستعادة مقعدهم بالدائرة الخامسة عبر مرشحهم هاني شمس وبرقم متقدم جدًا، الأمر الذي يوضح أن تشتت اصوات القبائل إثر منع الانتخابات الفرعية بالدائرة قد أعطى الأقليات المقعد.

حافظت "كتلة الخمسة" التي تمثل توجهًا وطنيًا متزنًا وحياديًا بمقاعدهم الخمسة وبعدد أصوات عالي جدًا ومتصدرًا لدوائرهم. ما يعكس التأييد الشعبي الذي حضيا به ضاربين أروع الأمثلة في معنى اللحمة الوطنية باختلاف توجهاتهم. ظهرت النتائج على التالي: الجوهرة حسن بالأولى، عبدالله المضف بالأولى، بدر الملا في صدارة الثانية، مهند الساير و مهلهل المضف بالثالثة.

الخاسر الأكبر كان تيار حركة العمل الشعبي "حشد" لزعيمه مسلم البراك، الذي خسر كل ممثليه في الدوائر الأولى، والرابعة، والخامسة. يعكس ذلك بوضوح مدى السخط الشعبي وعدم القبول بتوجه البراك بعد عودته من المنفى في العفو الأميري منتصف نوفمبر 2021 في صفقة سياسية قسمت المعارضة وشتت التوحد. فاتخاذ البراك موقف الحياد في قضايا رئيسية مثل رحيل الرئيسين، وتجاوزات رئيس المجلس، جعلت الشعب يحيد عن ثقته به. فمسلم البراك قبل تركيا، ليس كبعده.

 

عودة المرأة بمقعدين.. ورقم تاريخي بالرابعة

تمثّل الناخبات في هذه الانتخابات نسبة 51,2% من الأصوات الاجمالية بالدوائر، بوجود 22 مرشحة. عادت المرأة للمجلس بحصول مرشحتان على مقعدين من المقاعد الخمسين، ومقعد ثالث "بلا حصانة" في دائرة قبلية مغلقة، وهي من أصعب الدوائر الخمس.

 تاريخيًا وصلت المرأة كناخبة في مجلس الأمة في عام 2009 بأربعة مقاعد، وفي مجلس 2012 عبر ثلاثة مقاعد، و مجلس 2013 بمقعدين، ومجلس 2016 بمقعد وحيد، ليتوج السقوط التدريجي ويبلغ ذروته في مجلس 2020 بلا أي مقعد للمرأة. 

 عوضت المرأة الكويتية خساراتها السابقة في مجلس 2022 بمقعدين لعالية الخالد بالدائرة الثانية، والدكتورة جنان بوشهري بالدائرة الثالثة متوجين مسيرة 17 سنة من الوجود النسائي في الحياة السياسية. فقد استطاعت المرأة التغلب على نظام الصوت الواحد وفهم اللعبة السياسية جيدًا بحسن الاختيار وإيصال ممثليها عبر فوز الأقلية المتمثلة بالمرأة.

حققت الخالد المركز السابع بالدائرة الثانية بمجموع أصوات 2472، ويعوّل سبب فوزها بمركز متوسط بثلاثة عوامل رئيسية، الأولى: هي حصولها على أصوات منطقتها الأم وهي منطقة عبدالله السالم أحد مراكز الثقل في الدائرة أجمع. كما أنها تمكنت من استقطاب جزء كبير من أصوات مرزوق الغانم الممتنع عن الترشح بسبب قربها الفكري النسبي لهم. ثانيًا: دعمها من قبل مجموعة الثمانين بقواعدها الإنتخابية التي تتلاقى معاهم في فكرهم وتبنيها قانون الهوية الوطنية الذي يفرق بين الشعب بتقسيمه لطبقتين، طبقة أصلية و طبقة غير أصلية. فقد قدمت الخالد طعنا في المحكمة الدستورية من أجل أن تمكّن الكويتيين 'الأصيلين' فقط من النزول في الانتخابات. مما أثار حفيظة شريحة كبيرة من الشعب الكويتي. ثالثًا: تسويقها الذكي لحملتها الانتخابية، وخروجها خارج الصندوق ووضع مقرها في المناطق الخارجية غير منطقتها في الدائرة الثانية، لتستقطب أكبر عدد ممكن من الأصوات النسائية معالجة بذلك أحد أسباب أخطاء حملتها الانتخابية في المجلس الماضي. كل هذه  الأسباب أدت لفوزها، رغم التحفظات كبيرة على خطابها الانتخابي وتبنيها مسبقًا لخطابًا إقصائيًا عنصريًا يقسم المجتمع الكويتي.

حصدت الفائزة الثانية جنان بوشهري على المركز السادس بالدائرة الثالثة بمجموع أصوات 4301. يعوّل سبب حصولها هذا الرقم المرتفع نسبيًا في "دائرة الفكر" التعاطف الكبير الذي واكب حملتها إثر إقصائها من المنصب الحكومي بعد حادثة "إستجواب الشركات" في عام 2019، ما عاد لها بالإيجاب. قامت في ترويجها لفيديو حملتها الإنتخابية مستذكرة مقولتها التاريخية داخل قبة عبدالله السالم آنذاك، عندما قالت:"أعلن إستقالتي بعدما أصبحت الشركات أقوى بمجلس الأمة،" ما أكد فوزها بالمقعد النسائي بالدائرة. فقد رد الوطن جميل موقفها بعودتها للبرلمان كنائبة، لا كوزيرة. وقراءتي لوضع بوشهري أنها قد تصبح حالة إستثنائية تاريخية، إذ أن عودتها للمجلس بصف الشعب قد يجعلها "إمرأة معارضة" بإمتياز. فبإمكانها استكمال مشروعها الإصلاحي الذي بدأته أثناء توليها الوزارة، وقد تكون هي الرقم الصعب، و تكون أول امرأة نائبة في الحياة البرلمانية إستجوابًا تاريخيًا.

موضي المطيري "نائبة بلا حصانة"

كشفت موضي جراح النظام الانتخابي و مآربه في الدائرة الرابعة، وهي دائرة مغلقة شديدة الصراع بين أربعة قبائل ما يعني أن حصولها على المركز 16 بعدد أصوات 3049 ما هو إلا كسر لقاعدة الدائرة بأكملها، وتمرد نسائي على التوجه الذكوري الإقصائي. 

فلو كانت أرقامها في الدوائر الأولى، أو الثانية، أو الثالثة، لأصبحت اليوم نائبة بحصانة رسمية، بيد أن النظام الانتخابي وتقسيم الدوائر الغير عادل يتجلى من خلال نموذج موضي. فالتقسيم هدفه هو تشتيت وتقليل تواجد القبائل في المجلس، والقضاء على آمال الأقليات، والمستقلين في الدائرتين الرابعة والخامسة تحديدًا.

 نعم، موضي المطيري هي الأقلية التي داهمت مرشحي الرابعة، وهي المثال الذي يبين حقيقة النظام المكرس للظلم. فلا عدالة لدائرة عدد يفوق ناخبيها 220 ألفًا، وأخرى 90 ألفًا، لتخرج منهما 10 فائزين دون أي اعتبارات لكثافة العدد والتوجهات، الأمر الذي يكرّس حالة من الكراهية الاجتماعية والشعور بالانتقاص والإقصاء. فهذا النظام الانتخابي ذو أبعاد سلبية وكارثية، إن لم يعاد تعديله.


ختاما، من دروس انتخابات 2022 هو حصول الرمز الوطني أحمد عبدالعزيز السعدون على رقم تاريخي في الدائرة الثالثة لم يتكرر بنظام الصوت الواحد إطلاقًا بلغ 12,239 صوتًا، لتتبين أهميته كاسم تاريخي وعامود أساسي ضمن أعمدة الدستور الكويتي. وهذه رسالة بالغة الأهمية تفيد أن رئاسة مجلس الشعب يفرضه الشعب نفسه، ولا يفرضه عليه، الرئيس السابق المخلوع بإرادة الشعب.وجود رئيس مجلس مخضرم مثل السعدون بخبرته وحنكته السياسية يجعله قادرا على قيادة سفينة الشعب لبر الأمان عبر تمرير قوانين مطلوبة ومستحقة شعبيًا. حينها ستبدأ نهاية الاحتقان السياسي الذي أدى لتعطيل العمل الديموقراطي بحل مجلس الأمة واستقالات الحكومة، ستبدأ كويت جديدة عبر  إحترام إرادة الشعب، وتعود كما كانت جوهرة الخليج أجمع، التي طالما كان شعبها مصدرًا لسلطته.