مقابلات

البروفيسور روبرت فيتاليس: لم تقم السعودية أبدا بالرضوخ لمطالب أمريكا حول النفط

تاريخ النشر:2022-10-28

في محاولة فهم حقيقية من صوت الناس لخبايا أزمة إنتاج النفط الحالية، وماتتحدث عنه الصحافة العالمية من تأزم العلاقات السعودية الأمريكية، على اثر ذلك، قمنا باستضافة بروفيسور العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا روبرت فيتاليس الذي كتب باستفاضة عن تاريخ أرامكو في السعودية في كتابه "مملكة أمريكا،" وقام في كتابه الأخير "حرفة النفط" بالبحث في الأفكار السائدة والغير صحيحة عن سياسات النفط. سنقوم بنشر اللقاء المطول على جزئين، أدناه نص الجزء الأول.

صوت الناس: لنبدأ بما أخبرتنا عنه في رسالتك عبر البريد الالكتروني بأن هذه الأزمة النفطية بين أمريكا والسعودية ليست الأولى من نوعها وأنها تحدث تقريبا كل عشرة سنوات، ولكن الناس تنسى التاريخ. هل لك أن توضح ذلك؟

فيتاليس: بالطبع. هناك بعدين لهذا الموضوع. هناك توتر يظهر بشكل روتيني في العلاقات السعودية - الأمريكية. لقد عشتم أنتم خلالها، وعاصرت أنا أحداث أكثر منكم. وأستطيع أن أخبركم أن الأحداث التي لم أعاصرها أو تلك التي لم أكن واع بها حينها، أصبحت مدركا فكريا لها فيما بعد.

بشكل أو بآخر، هناك توتر دائم نراه مع كل إدارة أمريكية، لنقل أننا نقيس الموضوع بعدسة أمريكية. وفي كل مرة يحدث هذا الأمر، نشاهد ردور فعل متوقعة، أليس كذلك؟ لذلك إذا ما نظرنا للموضوع من وجهة نظر أمريكية لبرهة، على ماذا سنحصل؟ سنحصل على كثير من الردود التي نراها الآن. لكي أكون منصفا أو صريحا بهذا الشأن، يحدث ذلك عندما يظهر نفور الأمريكيين الحقيقي من السعوديين، وهو مبرر الى حد ما. أعني، فجأة يصبح السعوديون الذين هم في لحظات أخرى حلفاؤنا ونحن نحبهم، ونيوم حدث مهم ، فجأة نبدأ نتحدث عنهم كما لو أننا في عام 1950 مرة أخرى أو عام 1940. كيف يجرؤون على فعل هذا الشيْ أو هذا الأمر، أعني الى حد ما، هم يتعاملون مع هذه العلاقة بشكل أحادي أقرب منه إلى الكولونيالية، هذا إذا أحد أنواع الردود التي تحدث. ويحدث أيضا أن يتوقعون أن هذا التوتر  هو نقطة التحول في العلاقات أو أنهم لن يعودون الى ذات العلاقة الجيدة مرة أخرى. وتنتشر هذه الفرضيات بين الناس، ثم يأتي الرد المضاد، من أولئك المقربين من المدار السعودي، أو كما وصفهم بات بوكنان قبل وقت طويل بركن المسبحين بحمد السعودية الذين يهبون في كل مناسبة لشرح وتبرير ردود فعل سعودية مشروعة. وبالطبع يظهر على السطح الجدل حول إذا ما كانت هذه الأزمة أو تلك ستقوم بتغيير العلاقات بشكل كبير بين السعودية و أمريكا. ولا يمكنني أن أخبركم كم مرة حدث ذلك وكيف تم نسيانه بعد ذلك. بعبارة أخرى إن لم تقم أحداث الحادي عشر من سبتمبر بشرخ هذه العلاقة فمن الصعب جدا تخيل نوع من الأزمة أو القضية أو الجدل السياسي الذي سيقوم بذلك. 

إذن هذه مجموعة واحدة من الأشياء ، أليس كذلك؟ هذا النقاش حول وجود أزمة مجرد شيء عام يمكن أن يحدث حول جميع أنواع الأسئلة، من الواضح أنه لا يدور فقط حول النفط. ولكن هناك مجموعة فرعية من لحظات الصراع هذه،  إحداها عندما يذهب الأمريكيين إلى السعوديين ويقولون أن أسعار النفط مرتفعة للغاية هل يمكنكم خفض الأسعار عن طريق ضخ المزيد. المثال المفضل لدي بهذا الخصوص عندما ذهب جورج بوش الأب للسعودية وقال لهم أن أسعار النفط منخفضة جدًا، هل يمكن خفض الإنتاج لأن تكساس تتألم، وأيضا كاليفورنيا. 

أسواق العقارات تنهار بسبب انخفاض أسعار النفط. أعني ، إنها  كارثة بالنسبة للغرب الأمريكي. لكن في كل من هذه الحالات، عندما سعينا لجعل السعوديين يفعلون شيئًا بشأن أسعار النفط، فإنهم دائمًا ما يرفضون في الاستجابة بالطريقة التي نريدها. لقد تم نسيان تلك اللحظات التاريخية تمامًا. فقد قام بيل كلينتون و جورج بوش الأب، الأخير عندما كان نائبا للرئيس في ادارة ريغان، حاولوا تقديم طلبات كهذه للسعودية، ولكن لم ينتج عنها إلا نفس هذه الضوضاء. إذا فالأمر يتعلق فقط بالضجيج. إنه يختفي فقط وقتيا، ثم تأتي الأزمة التالية و أخرى أيضا، و يحدث كل هذا النوع من الجنون من جديد. والشيء الذي أريد التأكيد عليه أنه في خلال كل هذه الأوقات، بما في ذلك هذه الأزمة، أن كل هؤلاء المعلقين، سواء أكانوا بيرني ساندرز، أو غيرهم، يبدو أنهم لا يفهمون سوى القليل جدًا عن كيفية عمل أسواق النفط. هذا الجهل هو إما عن طريق الاختيار، أو أنه يصدر عن غير وعي من هؤلاء المعلقين الذين لديهم أبسط الأفكار حول حول طبيعة أسواق النفط. لذا فإن تركيبة السعودية الحالية الآن في الوقت الحاضر عملياً لا علاقة لها باعتبارات سوق النفط واعتبارات الاقتصاد السياسي السعودي أو الاقتصاد السياسي لكل دولة من تلك الدول المنتجة للنفط،  فهي لا تشعر بالقلق من روسيا، أو هل ستستمر روسيا في القتال في أوكرانيا أم لا، وما إلى ذلك، ولكنهم قلقون بشأن استمرار الركود، يمكننا أن نرى احتمال حدوث انهيار آخر لأسعار النفط وهذا سيكون كارثة. 

صوت الناس: إذا أنت تعتقد أن سياسة السعودية تجاه النفط لا تتبدل حسب المناخ السياسي؟

فيتاليس: انهيار أسعار النفط سيكون أمرًا مروعًا لكل من المصدرين والمستهلكين. وفي الحقيقة، المملكة العربية السعودية لديها، و أوبك، أو وزير النفط السعودي، لديهم قلق واهتمام بحالة الاقتصاد السياسي العالمي ككل. أعتقد أنه في كل لحظة من هذه اللحظات، تتخذ أوبك القرارات التي تتخذها والسعوديون يتخذون القرارات التي يتخذونها، ويفعلونها بشكل أساسي للسوق، لاعتبارات السوق، و ليس للموضوع علاقة بما إذا كان بايدن سيهزم الآن أم لا، أو أن بوتين سيستولي على العالم، أو أي شيء آخر يتحدث عنه بيرني ساندرز ومؤيديه. الحقيقة لقد أرسلت إلى مات دوس مستشار ساندرز الرئيسي للسياسة الخارجية، مقالًا صغيرًا لقراءته بهذا الخصوص. أخبرته أنه يجب عليه أن يقرأ هذا المقال ليحاول فهم ما يجري في أسواق النفط العالمية الآن بدلاً من مجرد اللجوء الى رواية أن السعودية تقف إلى جانب أعدائنا. 

صوت الناس: وهل قام بالرد عليك؟

فيتاليس: نعم، لقد شكرني ووعدني بقراءة المقال. لقد كان جيدًا جدًا في أمر مثل هذا في السابق، فمات دوس كان طالبًا لأحد أعز أصدقائي وزملائي، الراحل البروفيسور إليس غولدبرغ، وقد التقيت به في جنازة الأخير، وأعطيته نسخة من كتابي الأخير OiLCraft حرفة النفط. وعندما سمعته يتحدث في لقاء في بودكاست ما عن العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة والسعودية التي تعود إلى عام 1945، كتبت إليه وقلت له أنت لم تقرأ هذا الجزء من كتابي، لم تكن هناك أية علاقة خاصة. ومنذ ذلك الحين، في أي وقت يتحدث فيه عن هذه العلاقة يقوم بتعديل تلك الرواية الغير دقيقة  قليلاً. لذلك أعتقد أن هناك أمل، ولكن في نفس الوقت، فكرة أن الحقيقة يجب أن تربح  في خضم نزاع وصراع سياسي هو ضرب من المستحيل. 

ما هو نوع الصراع السياسي الذي يقلق بايدن الآن؟ أكثر من أي شيء آخر، الصراع السياسي الداخلي المحلي في ظل هذه اللحظة. فكرة محاولة  توخي الحذر قليلاً  و تصحيح الفكرة السائدة عن أسواق النفط قد يكون مجرد خيال من جانبي، لكن لازلت أعتقد بأهمية هذا الطرح فمن المهم أن نقوم بتقديم هذه التصحيحات لهذه الآراء الكاريكاتورية المتداولة. فبغض النظر عما نعتقده بشأن الحكومة الحالية في المملكة العربية السعودية، لا يمكن لأحد أن يدعي بأني صديق محمد بن سلمان، لكن في نفس الوقت القول بأن المملكة العربية السعودية تحاول إعادة دونالد ترامب إلى الرئاسة أو وإعادة الإمبراطورية الروسية، كل هذه الروايات غريبة وخاطئة كما يبدو لي. 

صوت الناس:  هناك حملة ضارية في الإعلام السعودي ضد الديمقراطيين وأنهم ضد سيادة المملكة ولذلك يضغط عليهم بن سلمان عبر تخفيض انتاج النفط، ماذا تريد أن تقول للسعوديين الذين يتابعون مثل هذه الأخبار؟ 

فيتاليس: سأخبرهم أن ليس هذا هو الهدف من قرار إنتاج نفط أقل. أوبك هي منظمة ولديها سجل حافل يتخذ هذه القرارات بشكل روتيني. إذن تسألون كيف لا تتغير سياستها على مدى السنين في إطار التحولات السياسية في العالم؟  لأنه ليس صحيحًا. يتم اتخاذ القرارات بناءً على ما يحدث في أسواق النفط العالمية أو ما هي أفضل توقعاتهم لما سيكون عليه المستقبل. وأعتقد حقًا أن هناك خوف حقيقي من استمرار الركود، واستمرار التضخم المصحوب بالركود اقتصادي، هذا الاحتمال وارد جدا، احتمال أنه سيكون هناك انخفاض في أسعار النفط. وهذه مشكلة للسعودية أو لكل منتج للنفط. لطالما كان هذا هو الحال دائمًا. وهذا الانخفاض كما تعلمون يؤدي إلى مشاكل داخلية في السعودية. لذلك أعتقد أن المسؤولين يتخذون قراراتهم بناء على هذه الأسباب. ولكن السعوديون لأغراضهم السياسية الخاصة، سواء ان كانوا على حق أم لا، سوف يستغلون هذا التفسير السياسي الرائج على الرغم من عدم صحته.

 ولكن دعني أقول لكم ليس السعوديين/ات فقط الذين قد تنطلي عليهم هذه الأخبار الغير صحيحة. بعض أذكى الناس على هذا الكوكب يصدقونها أيضا. لذلك كتبت إلى آدم توز، وهو مؤرخ اقتصادي ذكي للغاية، وقد أصبح علامة تجارية إعلامية الآن، لديه بودكاست ويكتب عمود شهري في مجلة الفورين بوليسي وما إلى ذلك. وقد كتبت له مؤخرا وقلت له أنني عادةً ما آخذ كل ما يقوله بشكل موثوق، لكني طلبت منه الدليل بقوله أن السياسة هي التي تحرك قرارات النفط، فهو يتبنى النظرية الاقتصادية التجارية (المركنتيلية) ولديه نظرة تجارية تجاه المملكة العربية السعودية و منظمة أوبك، وأن محمد بن سلمان يريد النيل من بايدن. ردي على هذا الكلام أنه  إذا نظرنا إلى الأمثلة السابقة لهذا النوع من التفسير السياسي بناء على الوقائع التي أحاجج بها، سنجد أن اتخاذ قرارات النفط يتم بشكل روتيني للغاية. عندما ننظر إلى الأحداث الماضية للسياسات النفطية و قرارات الإنتاج  في وقت لاحق هل يمكننا أن نثبت أنه في الواقع أنها تمت وفقا  لأسس سياسية؟ هذه المعلومات التي تثبت كلامي، لكن لا أحد يهتم أبدًا بمحاولة البحث عن ذلك. أنا أؤمن أنهم لن يجدوا أي دليل على ذلك. هذه المقولات اذا هي مجرد نوع من الاختراع ،لذلك، بعد عشر سنوات من الآن لن تكشف السجلات الأرشيفية للولايات المتحدة أن بايدن كان عازمًا حقًا على سحق السعوديين أو غيرهم والى ماذلك.
 

صوت الناس: في نظرك اذا ما الذي يؤرق بايدن حاليا إذا حول أزمة النفط  إن كنت تعتقد أنها مفتعلة؟ 

فيتاليس: إنه يركز حقًا على الإنتخابات القادمة فهي كما تعلمون في بداية الشهر المقبل، هو يقوم مثل ما فعل الرؤساء الآخرون عندما كانت أسعار النفط تؤرق الشعب الأمريكي وقاموا بتوجيه مناشدتهم إلى المملكة العربية السعودية. لذلك إذا كان ينظر السعوديين على أن محمد بن سلمان ضد الديمقراطيين، فأنا لا يمكنني الدخول في عقل محمد بن سلمان ، لذلك لا أعرف ما الذي ينوي على فعله، ولا يعلم ذلك أي شخص آخر، لذا فهي في الحقيقة مجرد تكهنات. قد يبدو للناس أن هذا منطقي. لكن لا أعتقد أن هذا ما يحدث الآن. هل اتحد كل من بيرني ساندرز وبايدن نوعًا ما مع بقية التقدميين الديموقراطيين (progressives)في انتقاد السعودية مرة أخرى؟ نعم ، حدث ذلك لعدة أسباب. لكن النفط لا يقود هذه المشكلات، أنا لست مقتنعًا بهذا. لذلك يمكنك أن تطلب من هؤلاء السعوديين/ات الذين يعتقدون أن ابن سلمان في حرب مع بايدن والديمقراطيين أن ينظروا إلى الأحداث الماضية عندما تم اتخاذ مثل هذه القرارات التي دفعت الولايات المتحدة إلى الجنون بشأن الإنتاج. في كل حالة من تلك الحالات لم تكن السياسة هي التي تقود هذه القرارات. لكنك بحاجة إلى مؤرخين وأنواع أخرى من المحللين الذين يمكنهم اختبار هذه الفرضيات بدقة وحياد.

صوت الناس: هل بإمكانك أن تذكر لنا عدة أمثلة على ذلك لإنعاش ذاكرة الناس؟ 

فيتاليس: بكل تأكيد هناك مثالين أناقشهم في كتابي الأخير "حرفة النفط OILCraft" بالتفصيل، على الأقل فيما يتعلق بالإنتاج. دعني آخذ خطوة الى الخلف لأقول شيئًا واحدًا، أعتقد أن هناك ادعاء صارم بهذا الخصوص يمكننا طرحه. وقد أدلى بهذا بها شخص يدعى موريس أديلمان (M. A. Adelman) وكان أديلمان خبيرًا اقتصاديًا في مجال النفط يتبع مدرسة الاقتصاد المتناقض (contrarian)  وكانت أفكاره حول عام  أزمة النفط في 1973 قوية حقًا، لكنه في ذات الوقت لم يكن صديقًا للسعودية، لسبب أو لآخر. أشار أديلمان أن  الولايات المتحدة كانت تمد يدها إلى فيصل وتبني المبنى أي العلاقة الأمريكية السعودية الخاصة حول الأسلحة وما إلى ذلك، ومبادرات التنمية في ذلك الوقت، كان حينها مجموعة كبيرة من الأمريكيين يعتقدون أنهم أصدقاء أو سفراء مقربين المملكة العربية السعودية، وقال أديلمان أن هؤلاء الناس واهمون أنه عندما تتخذ المملكة العربية السعودية قرارتها، حكومة فيصل في ذلك الوقت، أنها تضع أي اعتبار لهذه الصداقات. لذلك أعتقد أن هذا الطرح في الصداقة الخاصة بين البلدين يظهر عندما يتخذ السعوديون قرارات يبدو أنها لا تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة، بل تبدو إيجابية بالنسبة لهم فالأمريكيين يسعدون بشكل خاص بالاعتقاد بأن تأثيرهم هو الذي جعل السعوديين يفعلون هذه الأشياء. فقد قال أديلمان أن هذه هي متعة الوهم، أن الأمريكان أصدقاء السعودية أقنعوا أنفسهم بتأثيرهم على السعودية لأنهم يتحدثون معهم بلطف، أو لأنهم يقدموا لهم أكوابًا صغيرة، أو أيًا كان ما يفعلونه، لاعتقادهم أن هذا سيدفع السعوديين لاتخاذ قرارات تصب في صالحك. ويضيف أديلمان أنه لا يعلم عن حالة واحدة اتخذت فيها المملكة العربية السعودية قرارًا بشأن مسائل نفطية لن تكون في مصلحتها  بسبب التأثير الخارجي أو لأن الولايات المتحدة طلبت ذلك. أتفق معه و أعتقد أن هذا صحيح تمامًا. كما تعلمون، لا يزال الكثير من الأمريكيين يتصرفون كما لو كانت المملكة العربية السعودية هذه الدمية التي يمكن للولايات المتحدة أن تتلاعب بها. الآن، بالطبع، أفسد ابن سلمان هذه الفكرة. من الصعب جدًا إثبات أن ابن سلمان والولايات المتحدة يعملان سوية في تجانس بطريقة أو بأخرى. قد يقود ذلك الناس بعيدًا جدًا في الاتجاه الآخر وافتراض أن ابن سلمان في حالة حرب مع الولايات المتحدة. أعتقد أن هذا الرأي ساذج. 

كانت هناك حالتان تثبتان رأيي حصلتا في أواخر الثمانينيات، عندما حصلت على وظيفتي الأولى وانتقلت إلى تكساس في عام 1987 أو 1986. في ذلك الوقت انهارت أسواق النفط هناك، كانت الأسعار منخفضة، تقريبًا كما كانت خلال السنوات الأولى لوباء الكورونا. لكن انهيار الأسعار هذا استمر عدة سنوات. وكما أسرد في كتابي، حدث أمران حينها عندما ذهب أن جورج بوش الأب، عندما كان نائب رئيس رونالد ريغان حينها، إلى المملكة العربية السعودية وكان لديه لقاء مع الملك فهد و توسل السعوديين لتقليل إنتاج النفط من أجل رفع السعر. دعنا نترك جانبا السؤال حول مدى المبالغة في قدرة المملكة العربية السعودية على التأثير في أسعار النفط والذي يترجم في أذهان الناس إلى أن السعودية تتحكم في أسعار النفط، أو أن أوبك والمملكة العربية السعودية تتحكمان في أسعار النفط، وهو أمر لا أساس له من الصحة. لكن بوش ذهب متوسلاً  لتخفيض الإنتاج من أجل زيادة تكلفة النفط. لماذا لم يفعل السعوديون ذلك وقتها؟ حسنًا لقد تأذت تكساس حينها لأنني عندما انتقلت إلى هناك كما ذكرت انهارت حسابات المتقاعدين، وكان سوق العقارات في أزمة لأنه يتوقف على سعر النفط في تكساس، حصل ذات الشيء في ولايات أوكلاهوما، لويزيانا، و كاليفورنيا.

لكن انخفاض الأسعار كان مشكلة حقيقية للحكام السعوديين. لماذا؟ لأن ميزانيتكم، كما تعلمون، هي ميزانية موجهه لأسعار النفط، ولنتذكر أيضا أن السعوديين يشترون الأسلحة و إلخ..ولكن في نفس الوقت، الأسعار تنهار وكان هناك استياء حقيقي داخل السعودية. كما تعلمون أكثر مني في كل مرة ينهار فيها سعر النفط يرتفع  السخط في المملكة العربية السعودية. ولكن هذا الأمر لم يكن أمرًا يخص جورج بوش، لكن على أية حال لم يستجب السعوديون لطلبه. المثال الثاني هو عندما ذهب وزير دفاع كلينتون  إلى السعوديين في منتصف التسعينيات وطلب منهم  إنتاج المزيد من النفط لأن أسعار النفط في طريقها للارتفاع، وكان هذا تهديدًا لإدارة كلينتون. ولكن مرة أخرى  تجاهل السعوديون الطلب الأمريكي وقالوا لا. وكما نعلم لم يحدث رد فعل أمريكي، أليس كذلك؟ تنسى الناس هذه الحقائق بعد مرور عام أو عامين، كان الأمريكيون غاضبين في ذلك الوقت. كنت في اجتماع لمجلس العلاقات الخارجية في وقت  انخفاض الأسعار، دعاني خبيرهم الداخلي للحضور، وشعر بعدها بالغضب الشديد اتجاهي مني لأنني كتبت عن ذلك الاجتماع بعدها، فليس من المفترض أن يُسمح لك بالكتابة عن هذه الأشياء. لكن عادل الجبير كان حاضرا وقتها مع أحد نائبي رئيس بنك تشايس مانهاتن، الذي كان أحد البنوك السعودية الرئيسية في ذلك الوقت.كان هذا في  أواخر الثمانينيات (تقلد الجبير وقتها أول مناصبه الدبلوماسية كمساعدًا للسفير السابق بندر بن سلطان لشؤون الكونغرس وأيضا في الدائرة الإعلامية التابعة للسفارة السعودية)  انهارت أسعار النفط في ذلك الوقت و تزايدت الاضطرابات في الولايات المتحدة وأيضا في المملكة العربية السعودية. وفي غضون ذلك الاجتماع كان الجبير يتعرض للهجوم الشرس من قبل كل أعضاء المجلس تقريبًا. لأنه كما قال ويليام كوانت William Quandt في ذلك الوقت ، فإن السعوديين have tipped too much between butter and guns أي أنهم يشترون كل هذه البنادق والأشياء، لكن الناس غير سعداء، على الرغم من أننا كنا من نتوسل من السعوديين لشراء أسلحتنا لفترة طويلة واستمرينا في فعل ذلك في التسعينيات. كان الجبير يجلس بينهم مستقبلا هجومهم بلا اعتراض، فقد كان ذلك الثمن الذي تدفعه السعودية في تقبل الصور النمطية التي استخدموها في الهجوم عليه، أسئلة مثل: لماذا أنتم قمعيين إلى هذا الحد؟ لماذا لا تفعل المزيد من أجل النساء؟ لماذا لا تفعلون المزيد من أجل عملية السلام الإسرائيلية، وما إلى ذلك. 

تواجد الجبير هناك حينها فقط لأن الناس كانوا قلقين بشأن استقرار المملكة العربية السعودية واعتقدوا أن السعودية كانت تتخذ قرارات خاطئة. لكن المملكة العربية السعودية وقتها أيضا لم تقم كما تعلم بالاستجابة لمطالب الإدارات الأمريكية المتكررة حول أسعار النفط. لا أعتقد أنه يمكنك أبدًا أن تجد عن حالة واحد تثبت فيها ذلك. في الواقع، إن جريج غوز Gregory Gause، إذا قرأت أعماله بتمعن فقد بحث هذا الأمر بعناية فائقة. لذا فإن آخر الأشياء التي كتبها عن حاجتنا إلى الخليج، ولماذا لا يزال يتعين علينا أن نكون في الخليج، فهو يعترف بأنه لا يمكنك في الواقع إثبات بأي طريقة استوعبت بها المملكة العربية السعودية احتياجات الولايات المتحدة فيما يتعلق بالنفط عدا أنها تقوم  فقط بضخ النفط ليتمكن لنا شرائه. لذلك فهو يقول أن هناك الكثير من الأشياء الأخرى التي يفعلها السعوديين لنا، ولهذا السبب نريد أن نظل قريبين منهم. و يعتقد أن الكويت قامت أحيانًا باستيعاب الولايات المتحدة عندما طلبت سياسات معينة حول ضخ النفط، لكنه لم يذكر أية تفاصيل. لذلك أقول لكم أن المملكة العربية السعودية تتخذ قرارات من تلقاء نفسها، سواء كانت قرارات جيدة أم لا، دون الالتفات إلى ما تحتاجه الولايات المتحدة أو تريده. 

صوت الناس: في كتابك "مملكة أمريكا" طرقت لعلاقة شركة أرامكو للبترول مع الملك سعود والبيت الأبيض، منذ ذلك الوقت الى الآن، ما هي الاستراتيجية العامة بين هؤلاء الثلاثة؟ 

فيتاليس: أقول في كتابي أنني لا أعرف ما الذي كان يدور في ذهن جورج بوش عام 2003 أثناء غزو العراق. لذلك لا يمكنني إخبارك بما قرره. لكنني أستطيع أن أقول لك إذا كان الأمر يتعلق بالنفط فلدينا مشكلة، وهي أن النفط يتدفق بلا تدخل. السعوديون يبيعونه، كل دولة منتجة للنفط عليها أن تبيع النفط، لماذا ا؟ لأنها بحاجة إليه من أجل استمرار بقاء النظام. دعونا نفترض أن القادة السعوديين يهتمون بمواطنيهم، في الحقيقة هم ليسوا بمواطنين بل رعايا، وهم يحتاجون ريع النفط لصالح السعوديين. حسنًا، ستقوم السعودية ببيع ذلك النفط ولن يتوجب على الولايات المتحدة القيام بفعل أي شيء من أجل ضمان ذلك. الصحيح. هذه حقيقة واضحة. فكرة أنك بحاجة إلى أن تكون في الخليج لتأمين إمدادات النفط هذه تبدو غريبة نوعًا ما لأنه كما قلت في كتابي أن أنواع التهديدات التي تصورناها في الماضي هي إما مفتعلة أو إذا كانت هناك تهديدات حقيقية لإنتاج النفط، وهذا التصور المفضل عندي، عندما ينهض الشعب السعودي ويطيح بآل سعود. ولا أعلم كيف تريدون أن تصفوا ما هو نظامكم المفضل، هل هو نظام ديمقراطي حيث تكونون أول وزير للإعلام أو التعليم العالي؟ أم أنه سيكون نظام يسيطر عليه السلفيون.

قد تصبح السعودية، لا أعرف، دولة الإمارات العربية، كما أشرت في كتابي. حسنًا، ما الذي سيحدث للنفط ؟ صفر. أعني، إذا أصبح نظامًا ليبراليًا ستبيع النفط، إذا كنت نظامًا إسلاميًا متطرفًا فسوف تبيع النفط، إذا تحولتم الى حكومة عسكرية فسوف تبيعون النفط أيضا. وهذا النفط سيكون متاحًا في الأسواق العالمية. ما هو أكثر ما سيهدد ذلك النفط في السوق العالمية؟  الولايات المتحدة، إذا لم توافق على سياسات الحكومة المقبلة. لقد استخدمت مثال قصف الحوثيين للمنشآت النفطية السعودية التي عليها طلب أكبر. هض جريج غوز حينها والعديد من الأشخاص الآخرين وقالوا أن هذا هجوم على الاقتصاد العالمي و تهديد يجب الرد عليه. لماذا ا؟ كما تعلمون تم قطع 5٪ من الإنتاج لفترة قصيرة جدًا. قامت  أرامكو السعودية قامت بعمل رائع في إعادة النفط. ولكن إذا عدت إلى وقوع تلك اللحظة سترى أن تأثير ذلك ضئيل للغاية على أسواق النفط بشكل عام. بقي السعر في الواقع على حاله لعدة أسباب. لكن لماذا لا يصف جريج غوز، أو أي شخص آخر، عقوبات الولايات المتحدة على إيران وفنزويلا بأنها هجوم على الاقتصاد العالمي؟ لأن سياسة الولايات المتحدة هي السبب الرئيسي لخسارة الإنتاج في الأسواق العالمية في الوقت الحاضر.

لكن كل هذا يُنظر إليه على أنه العمل كالمعتاد -business as usual-  لأن ما تفعله هذه الحكومات بعائدات النفط أشياء لسنا سعداء بها. قد يحدث. بمجرد توليكم زمام الأمور في السعودية لا أعلم ماذا ستفعلون، هل ستقومون باتفاقات أبراهام  أم تمولون الكفاح المسلح في فلسطين، مهما كانت السياسة التي ستختارون القيام بها قد تقوم الولايات المتحدة فرض الحظر و تقطع استيراد النفط منكم. فنحن لا نفكر في هذا الأمر بطرق مختلفة تمامًا. إما أن الأمريكيين جاهلين بما يفعلونه، أو أن التهديدات للسوق العالمية من خلال عمليات قطع الاستيراد، والحظر، وتعطل الإمدادات مبالغ فيها، وأعتقد أن السبب الأخير هو الصائب. لذا فالسياسة العامة هي أن  السعوديون يضخون البترول ويذهب أينما يذهب. لذا لا أعلم إن كان يتعين علينا حقا فعل الكثير من أجل الحصول عليه. لكن ما يهتم به الأمريكيون هو التأكد من أن يتم إنفاق عوائد نفط المملكة العربية السعودية في أماكن مهمة تهم الولايات المتحدة أكثر من غيرها.

وصحيح بالتأكيد لم تكن إدارة أوباما والمملكة العربية السعودية مرتبطين معًا بشكل وثيق كما كانت إدارة بوش مع عبد الله، فقد غلبت علاقة أوباما بالسعودية التوتر في لحظات حاسمة، لكنها لم تؤثر قط على تدفق النفط، إلا عندما يريد الناس المبالغة في الطريقة التي تم بها ذلك. دعوني أعطيكم مثالاً آخر، في خضم عمق الصراع بين مادورو في فنزويلا، والولايات المتحدة. كان النفط لا يزال يتدفق من فنزويلا إلى الولايات المتحدة لأنهم يمتلكون محطات بترول سيتغو CITGO Petroleum Corporation في جميع أنحاء البلاد. فنزويلا نفسها لديها مصافي تكرير في الولايات المتحدة، تمامًا مثل المملكة العربية السعودية. وكان هذا النفط يتدفق على ما يرام حتى أوقفته الولايات المتحدة. لذلك لم يكن النظام الفنزويلي مهتمًا بمقاطعة الأمريكيين، لا أحد يريد مقاطعة الأمريكيين. يمكننا أن نسأل ، لماذا لم يكن هناك حظر مرة أخرى منذ عام 1973؟ والإجابة نوعًا ما لأنها لم تنجح ، سيكون من الغباء فعل ذلك. لذا أجد صعوبة في الإجابة على سؤالكم لأنني لا أستطيع أن أخبرك بما يعتقده كلينتون، أنا أعرف ما يعتقده ترامب لأنه لم يكن يمارس الرقابة على نفسه. الصحيح. لكني لا أعرف ما يعتقده بايدن. لا أعرف كيف يتم نصحهم حول سياسات النفط. لكن الحقيقة والذي أعرفه هي أن النفط يتدفق فقط.