مقالات

الاستبداد وجنون العظمة

الكاتب/ة ناصر العربي | تاريخ النشر:2023-05-11

عندما اجتاحت القوات السوفيتية برلين في السادس عشر من أبريل عام  1945، نصح مستشاري هتلر من قادة الجيش والاستخبارات بأن قوات الرايخ منهكة ولا حول ولا قوة لها في مواجهة الجيش الأحمر، لهذا لا بد من الانسحاب من برلين كخطوة تكتيكة، وكانت أهم نصيحة هي فتح خطوط آمنة للسكان لأن المدينة تفتقر للماء والطعام والغاز وكل مقومات الحياة. رفض هتلر هذا الاقتراح. أصر أحد القادة على هذا المطلب وطلب من هتلر أن يخرج هو أيضا لأن القوات السوفيتية قادرة على دك برلين وتسويتها بالأرض وإعادتها للعصور الوسطى، وقال له أن تعنتك في الاستسلام وعدم السعي للوصول لتسويه سياسية لوقف الاجتياح هو بمثابة اعدام للشعب الألماني، إذا لم نستسلم فليس هناك أمل لبقاء الناس أحياء.

أجاب هتلر كرد على هذه التوصية، "إذا خسرنا الحرب ماذا يهم إذا خسرنا الناس أيضا! الضرورات الأساسية لحياة العشب الألماني ليست هامة الآن، على العكس، من الأفضل أن ندمر هذا الشعب بأنفسنا، شعبنا ضعيف، وطبقاً لقوانين الطبيعية يجب أن ينقرض". 

خلال هذه الحوار كانت نماذج عمرانية فنية لبرلين كمخطط للمشاريع مستقبلية تظهر عظمة ألمانيا، يقول هتلر سوف أجعل من ألمانيا مكاناً عظيماً ويشير إلى المجسمات والمباني والتماثيل في الميادين العامة في برلين. لقد كان هتلر منفصلاً عن الواقع، ولا يسمع لأحد، وكان يصرخ في وجه كل رأي سديد ومختلف للتأمل والتفكر في عواقب قراراته، لكن كان هتلر ينظر إلى نفسه كقائد فذ وزعيم فأقواله حكم وكلامه أوامر يجب أن تطاع دون تفكير، وعلى كل من حوله أن يظهر قرابين الطاعة والولاء.

الجنون مرض نفسي مصنف لدى المتخصصين في الصحة النفسية وله أعراض ظاهرة ومنها ما هو خفي لا يظهر إلا وقت الأزمات. أسواء أنواع هذا الجنون هو المرتبط بمصير ومستقبل الناس. في الدول التي تحترم شعبها يخضع المسؤولين لاختبارات عدة لتأكد من سلامتهم العقلية وأنهم لا يعانون من علة، وهذا ليس حكراً فقط على وظائف الرئاسية، بل يصل إلى معظم الوظائف التي مرتبطة بمصالح الناس. لا يعقل أن يكلف شخص بالتواصل مع البشر دون معرفة سلامة عقله.

في سياقنا المحلي، هناك تقارير ظهرت عند صعود ابن سلمان للسلطة كولي عهد لأبيه، أنه يعاني من أزمات عصبية ونفسية، وتشير بعض التقارير أن النرجسية هي سمة لا تخفى على كل من التقى به. ونحن أيضا كمتابعين للشأن المحلي، نرى هذا في تحركات مؤسسات الدولة والبرامج الإعلامية ووسائل التواصل بضخ محتوى محددّ عن القائد العظيم الملهم البطل الذكي الاستراتيجي النبيه منقذ العالم وربما المخلص على حد تعبير أحدهم. "مبس" يسهر ليل نهار على متابعه محتوى تويتر وينتشى طرباً بالشيلات التي تتغنى به. لم يتوقف الأمر عند هذا، حتى أن فكرة الفنون السعودية في مسرح باريس حرفت أغنية شعبية شهيرة "ضامني البرد"  "إلى الله ينصرك يا محمد شب ناره ودفاني، يا غزال تربيته خمسة اعوام وأسقيته كل يوم وأنا راعي وأقبل امذيب واشتله ياغبوني ويا غشي الله وأكبر على أمعمه أحرمني من أمقعده..." هذا شيء من الجنون الذي الظاهر والباطن الله وحده يعلم به.

عقلنة القرار السياسي وترشيده هي مهام الحكومة المنتخبة التي تمثل مصالح الشعب. في الاستبداد لا يوجد عقلنه ولا ترشيد ولا تفكير في مصالح الشعب، يوجد نموذج واحد هو رأي الحاكم الفرد المتفرد بالقرارات والأوامر والمستقبل وخيرات وأموال وحتى حياة الناس وموتها. فعلى سبيل المثال يقول محمد ابن سلمان بصريحة العبارة لقاء الستون دقيقة، أن لديه 30 مليون موظف. هو يتصور أننا نعمل عنده، ولسنا مواطنين أصحاب حقوق ورأي. محمد ابن سلمان ينظر لنفسه أنه قيصر ومنقذ العالم، ولا تخلوا الكثير من تصريحاته ومشاريعه من هذا الوهم. أخيراً، على قول أحد كبار السن في حارتنا " خليك عظيم بس تكفى لا تنكبنا". لا يعلم هذا الرجل الغلبان أننا منكوبون منذ زمن طويل، لكن اليوم النكبة أظهر وأجل لمن كان له عقل وبصر.