مقالات

الإضرار بحقوق الإنسان: تجارة الظهور والإعجاب في شبكات التواصل الاجتماعي (نظرة عامة حول مستجدات العمل الحقوقي الحالي)

الكاتب/ة نبهان الحنشي | تاريخ النشر:2023-06-26

مما لا شك فيه، أن حقوق الإنسان حجر أساس في تكوين المجتمعات حيث أنها ضامن لا غبار عليه لقيم كـ العدالة والمساواة وحرية التعبير والصحافة والحريات الفردية وأمان الأفراد من عنف السلطة والجماعات. ولعل ما يجعل لوجود حقوق الإنسان كقوانين في المجتمعات قيمة ثمينة عدة عوامل منها التضحيات على مرّ التاريخ التي قدمها الناشطون والمطالبون بهذه الحقوق كي تكون قوانين ومبادئ قائمة عليها المجتمعات وليست مجرد مصطلحات ومفردات تستخدم في الخطابات العامة للسياسيين أو الحالمون بمجتمعات مثالية. كذلك، التأثير الإيجابي لها في المجتمعات التي ترجمت هذه الحقوق إلى قوانين تم تضمينها في القوانين الدولية والمحلية. وهي الأسس نفسها التي ساهمت اليوم إلى وجود صحافة حرة وعمل صحفي آمن، ومستوى عال من حرية الرأي والتعبير ومحاسبة شفافة للسلطات والحكومات والمؤسسات الرسمية المختلفة. في هذا المقال، استعرض عددا من الأفكار التي أناقش فيها الانحراف الحالي لبعض المنظمات والأفراد في ممارسة الحقوق، خاصة الجانب التسويقي أو "تسليع" الحقوق بهدف كسب الشهرة أو فرض أنماط فكرية محددة على المجتمعات. 

أولا، تتمثل أهمية الحقوق في كونها ذات قيمة لا تقدر بثمن، وأنها متاحة للجميع دون تمييز. ولكن هذه القيمة أصبحت في تراجع نوعا ما نظرا للاستهلاك الدعائي الممارس من العديد من الجهات والأفراد الذي يهدف عادة إلى تسليط الضوء حول قضية أو فرد. وإن كانت بعض هذه الأهداف شرعية وصحيحة من أجل لفت الرأي العام المحلي أو الدولي حول هذه القضية أو الأفراد لكسب التضامن المحلي والدولي، إلا أن تجاهل الأوضاع الحقوقية الأهم والتركيز على جانب دون غيره هو الخطر الذي قد يترتب عليه ضرر. على سبيل المثال، عادة ما يعمل الإعلام الغربي على التركيز على قضايا الشرق الأوسط بنوع من التعالي. حيث تجد أن قضايا النساء، مثل ضحايا العنف الأسري أو التشدد الديني، أو قضايا مجتمع الميم، هي ما يسيطر على عناوينها الرئيسية. في حين أنه وحين التطرق إلى الأسباب الرئيسية التي أدت إلى وجود هذه الانتهاكات، مثل النظام السياسي المستبد أو علاقة السلطة السياسية بالدينية، فنادرا ما تجد تغطية مماثلة للمثالين السابقين. كذلك، عادة ما يتجاهل هذا الإعلام إلى مساهمة حكومات العالم الغربي في تأسيس واستمرار هذه الانتهاكات عبر دعمها لبعض هذه الأنظمة، أو تسترها على المشاريع التجارية التي تقودها شركات مدعومة من هذه الحكومات الغربية من أجل المصالح الاقتصادية العامة.

وإذا ما أسمينا هذا بالترويج الانتقائي للقضايا، فإن تركيز هذا الترويج على قضايا دون غيرها حتما سوف يسهم إلى ما يمكن وصفه بالفهم الغير متوازن لحقوق الإنسان، بالتالي التطبيق المشوّه لها. ويمكن ضرب مثال على ذلك هو التعامل مع حرية الرأي والتعبير أو حقوق المرأة كحقوق يجب التركيز عليها والعمل على تحقيقها، في حين يتم تجاهل حقوق العامل أو حقوق المهاجرين أو حتى تنفيذ وترجمة الديمقراطية في النظام السياسي المحلي، واعتبار هذه الأمور سياسات السلطة أو الحكومة وحدها مختصة بها! 

إضافة إلى ذلك، التأثير الجارف والسيء للسوشيال ميديا على الحياة العامة اليوم، ونجاح المنصات المختلفة في أن تكون مصدرا مهما للمعلومة، دون حاجة الكثير من المتابعين أو المستخدمين للتحقق أو التثبت من المعلومات المقدمة. هذا الأمر بصورة عامة ساهم إلى ظهور العديد مما يمكن تسميتهم بــ "المؤثرين" الذين عادة ما يقدمون محتوى الهدف الأساسي منه هو الحصول على أكبر قدر من المتابعين والمعجبين. ولأن حقوق الإنسان كغيرها من المجالات، لمجرد دخول العامل الاقتصادي والربحي فيها، فإنها تفقد قيمتها الأساسية التي كنا قد أشرنا إليها في أول المقال، وتتحول إلى أداة لتحقيق الربح. من الأمثلة التي يمكن استخدامها لتدعيم هذه الحجة، هو الاستخدام المفرط اليوم لبعض المؤسسات الشهيرة المعروف عنها دعم حقوق الإنسان أو أنها ناشطة في هذ المجال، لبعض المشاهير، سواء مشاهير من عالم الفن والإعلام أو مشاهير السوشيال ميديا الذين عرفناهم سابقا بــ "المؤثرين". هذا الاستخدام عادة ما يقود هذه المؤسسات إلى تجنب الخلفية الحقوقية لهؤلاء المشاهير أو دعمهم لأنظمة مستبدة ورجعية وذلك من أجل لفت نظر الجماهير عامة إلى عمل المؤسسة. وهو ما يؤدي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وليس بالضرورة، إلى تجاهل هذه المؤسسة إلى تغطية هذه المؤسسات لبعض قضايا حقوق الإنسان أو الحالات الفردية في بعض الدول التي تتميز بالطابع الاستبدادي، خوفا من خسارة تعاملها مع هؤلاء المشاهير أو جماهير هذه الدول. 

ومن أجل ربط النقاط السابقة بالواقع، فإننا هنا نستشهد بحالة التراجع العامة للحقوق في العديد من البلدان التي شهدت ثورات في 2011، ولو تجنبنا تأثير ما يمكن تسميته بالدولة العميقة أو الأطراف الخارجية المؤيدة لاستمرار الاستبداد أو الأنظمة السابقة، فإن أحد العوامل الأساسية التي ساهمت في تراجع تأييد الحقوق هو ما يمكن وصفه بالخيبة في قادة المشهد الحقوقي وحتى السياسي، واللذين انشغل العديد منهم في تأييد أطراف سياسية أو مذهبية دون أخرى، فيما انشغل آخرين في الحصول على نصبهم من كعكة تقاسم فوائد تشكل الأنظمة البديلة! 

لعله من المهم اليوم عل المنظمات وكذلك الأفراد وحين التطرق أو تناول الانتهاكات أو نشر التوعية حول الحقوق والحريات العامة والخاصة، التركيز على المبادئ الأساسية لهذه الحقوق وعدم الاكتفاء بالتعامل مع الحوادث الفردية، وذلك من أجل ضمان الاستمراية في نقاش هذه الانتهاكات بما يسهم إلى تغيير الأوضاع والقوانين في الدول والمجتمعات. كما أنه يتحتم على المنظمات بصورة خاصة توجيه دعمها واهتمامها إلى ناشطين وأفراد هدفهم المنشود هو النهوض بالحالة الحقوقية في الدول والمجتمعات المعنية، وليس فقط التركيز على أفراد وشخصيات لمجرد توافق أهداف التسويق الخاصة بالمؤسسة مع أهداف شهرة لهؤلاء الأفراد.