ما هو المصير الذي يواجه الإنسان الذي يعيش في مجتمع يحكمه الاستبداد؟ كيف يتعامل هذا الانسان المغلوب على أمره مع القمع؟ ما هو المستقبل عند استحكام آليه القمع؟ كيف يمكن أن تتشكل حياة هذا الإنسان في عالم غارق في الظلم وإجرام السلطة وقلة ذات الحيلة؟ كيف يمكن للإنسان المظلوم والمقموع أن يتنفس أو يشكي همومه وآلامه وتطلعاته وحقه في الحياة الكريمة؟ هذه التساؤلات تشير صراحة إلى حالة تغول الاستبداد في حياتنا إلى درجة التحكم المطلق في كافة الخيارات ولا مجال لأي هامش للحديث ومعالجة أخطاء السلطة بالطرق المدنية ولا تسامح من قبل الطاغية مع شعبه في الحديث ونقد المجال العام فضلاً عن السعي لتغيره.
السلطة المطلقة والقوة القمعية تجعل المقموع والمظلوم يتراجع وينكفئ على ذاته وربما يدخل عوالم العزلة والصمت ثم تبلد المشاعر أمام الاحداث والتغيرات المفصلية. فالسعي للنجاة فطرة وغريزة إنسانية لكن هناك جانب آخر من الفطرة هو في التصدي لبطش السلطة عبر إحساس قوي بقيمة وأهمية الكرامة الإنسانية والحرية في الدفاع عن الانسان الوحيد المسلوب الحقوق. فالمقموع في أول الأمر يفجع بالقمع لكن عند اشتداده وطول زمانه تكون لدى المقموع تراكمات من المظاليم والأماني في التخلص من هذا الطاغية، وما هبة الجماهير والجموع عشية الثورات العربية إلى إشارة إلى هذه الفطرة التي يحتفظ الانسان بها إلى الرمق الأخير، وعندما تأتي الفرصة فإنه يظهر صوتاً وسلوكاً غاية في الكرامة قُمع على مر عقود مضت لكنه لن يموت.
هناك واجب أخلاقي هو حاضر في معظم المجتمعات بدرجات متفاوتة، ويمكن ملاحظتها وإدراكها في كثافة النشاط المشاهد والمحسوس في الدفاع عمن لا حيلة لهم ولا قوة. في الدول الديمقراطية تضرب الجمعيات المدنية والناشطين النبلاء أياديهم على صدورهم في الاستبسال واخذ قضايا الطبقات المسحوقة على محمل الجد. ولهذا يكون لجمعيات المجتمع المدني تشريعات وقوانين تأكد على حق التجمع والعمل وجمع المال لحماية المجتمع في المراحل الأول من ظهور بؤر الحاجة والظلم. فالدولة كمؤسسة لديها ما يشغلها، لهذا تأتي مؤسسات المجتمع المدني كرادف حي للعمل في الدفاع عن الإنسان.
إنها قصة طويلة من الصراع اللامتناهي ما بين الخير والشر، بين النبل الذي يدفع الانسان إلى الاصطفاف مع المظلومين وأهاتهم وصمتهم وبين النزول إلى قاع الطغاة والدفاع عن جرائمهم. في لحظات تراكم القمع تتحول الاستجابة الخلاقة لدى المجتمعات المقموعة إلى تحويل الجهود والمبادرات في الدفاع عن الانسان من مستوى الفردانية إلى العمل الجماعي وربما عمل مؤسساتي لو كانوا ذو مؤهلات وقدرات أكثر حرفية ومسؤولية. في حالتنا في العربية السعودية قد خطت حسم (حركة الحقوق المدنية والسياسية) هذا المسار منذ عقد من الزمان، حيث كانت حسم كنتيجة تراكم من البيانات والجهود الفردية والنخبوية، الآن، وبعد أكثر من عشر سنوات نشهد ظهور مبادرات مدنية جديدة في الخارج في المنفى الإلزامي في الدفاع عن الإنسان، هذه المبادرات والمؤسسات هي بحد ذاتها حدث تاريخي له ما بعده. ربما تعد مبادرة الرؤية الشعبية للإصلاح في المملكة العربية السعودية هي تحول تاريخي في العمل النضالي فهذه الرؤية هي تعلن هدف واضح المعالم، وسوف تكون بقية الأهداف المستقبلية تصب في ذات الرؤية التي حملت ١٣ هدفاً.
أخيراً، لا مزايدة في الدفاع عن الإنسان المقموع، بل الموضوع هو بقدر الجهد المتاح والممكن أن يدافع الإنسان عن أخيه الانسان بالقدر الذي يمكن فعله مع التسامح ومباركة الجهود الأخرى. حيث لا يوجد فعل واحد هو الصحيح لرفع الظلم الذي يقع من السلطة على الشعب، كل جهد ضد السلطة للحد من بطشها هو جهد وعمل مهم. السلطة القمعية أكبر ما تخشاه ليس فضح ممارساتها القمعية بل تكاتف الجهود من قبل الفاعلين لتوحيد جهودهم ضد القمع. هذا ما يرعب الطاغية أكثر من أي شيء أخر، أن يكون الجميع ينظر له كمجرم ومدان ويجب تقديمه للعدالة ومحاكمته وتجريدة من السلطة. أخيراً، إذا نظرنا بعين تاريخية نجد أن التحولات الكبرى التي حدثت للعدالة هي التي انطلقت من رغبه جادة في إنصاف هذا الإنسان من بطش السلطة، حدث هذا تاريخياً في الثورات الأوروبية والعربية عندما أضحى الإنسان لم يعد يحتمل ظلم السلطة فنبذ نفسه للدفاع عن الانسان وهنا تجلت قصة وصفحة جديدة.