مقالات

الاستبداد الذي نخشى 

الكاتب/ة ناصر العربي | تاريخ النشر:2023-07-04

الاستبداد ظاهرة تاريخية تُظهر نموذجاً سيئاً في التعامل والبطش الأنانية المفرطة في التحكم بمصير شعب كامل من قبل فرد أو مجموعة. وللاستبداد ألوان وأطياف، فالاستبداد السياسي هو المعروف والمشار إليه في هذا المقال. المقلق في ظاهرة الاستبداد السياسي هي أمور عدة لا حصر لها، وقد عرج عبدالرحمن الكواكبي حولها بالتفصيل، في تأثير الاستبداد على حياة الشعوب. في هذا المقال سوف نذكر ما نراه من آثار مقلقه للاستبداد في العربية السعودية.

أولاً: غياب المؤهلات: أن المستبد بلا أي مؤهلات أو معرفة بالحكم، فهو من جيل مترف من الاسرة الحاكمة، حيث لا جد في الحياة ولا عمل ولا طاقة لهذا الجيل المترف بالتعامل مع الحياة على قدر من المسؤولية. فهذا الطاغية وأعوانه لم يأت للسلطة بعملية تدرجية انتخابية أو اختيار من قبل الشعب، بل بسبب القرابة والدم. لا الكفاءة والمؤهلات. ولهذا فهذا النوع من الاستبداد خطير، بحيث أن توزيع المناصب والمهام الأساسية لإدارة الدولة هي تتم بحسب صلة القرابة بالدرجة الأولى ثم الولاء للطاغية وليس الكفاءة.


ثانياً: غياب المحاسبة والرقابة:
حيث لا توجد أي ضمانات لمحاسبة أو مراقبته الطاغية أو أي مسؤول على أفعاله فيما يخص العمل العام لصالح مؤسسات الدولة والمجتمع. فالسطو على المال العام وسرقته تتم ليل نهار باسم افتتاح المشاريع ولا أحد يستطيع أن يحاسب أو يسأل لماذا فعلت هذا. وهذا أحد أهم إشكاليات الاستبداد. يعتقد الطاغية، أنه فوق القانون، وفي بعض الدولة الملكية يصور الطاغية أن كلامه قانون. وما صياغة القرارات "بالأمر الملكي" إلا شكل من أشكال العنجهية والغطرسة لدى الطاغية. 


ثالثا: زوال الإحساس بالكرامة:
قد يهتم بعض الناس بربط الحالة الاقتصادية مع وجود الاستبداد، فعظم الدراسات تشير أن الركود والفشل الاقتصادي يحدث بصورة أكبر في الدول المستبدة. وهذا حق، لكن هناك رأس مال أغلى وأعز من المال، حيث المال والثروة يمكن إعادة إنتاجها، لكن الإحساس بالكرامة إذا طمست بفعل الاستبداد فمن الصعب استعادتها من جديد، لأن زول بعض الصفات النفسية لا يتم بسهولة، لكن إذا زالت فقد لا تعود بسهولة، فهناك انكسارات نفسية عميقة تحدث شرخاً في وجدان الإنسان وفي أعماقه وقد يشعر بأعراضها لكن لا يبالي، كالمريض الذي يعلم أنه معلول ومريض وأن جزء من علاجه هو الحمية وتناول هذه الادوية لكن يرفض لثقل العلاج وطريقته، لهذا هو يفضل الاستمرار في المرض المزمن على أن يصمد ويستمر في العمل على تحسين صحته. وأخطر اثار زوال الإحساس بالكرامة هي التراكمات التي تحدث للأجيال القادمة، فالطبع. والسلوك الاجتماعي مكتسب ومنقُول من جيل إلى جيل آخر. فالجيل الذي يتنازل عن كرامته وينحني للطاغية سوف يُأثر في الجيل المقبل، كما هي الصفات الوراثية تنتقل من جيل إلى جيل فهذا كذلك أسلوب تعامل المجتمع مع الطغيان ينتقل من جيل إلى آخر. فالطغاة يحبون يذيقوا شعوبهم الويلات. فيمكن مقارنة حال شعب مصر في وقت مبارك ثم السيسي، وحال أهل الجزيرة العربية قبل محمد بن سلمان وبعده. فأهل مصر في فعهد مبارك رغم الطغيان إلى أنه كان لهم صوت، لكن في عهد السيسي تلاشى هذا الصوت. وأهل الجزيرة العربية كانوا يتهامسون في عهد عبدالله، لكن اختفى هذا الهمس ودام الصمت. فهذان نموذجان نعايشهما ونرى فيهما العبر. لهذا من والواجبات الأخلاقية للكل جيل هو رفع مستوى الإحساس بالكرامة لأن أي انتكاسه لها أثاراها الممتدة للجيل القادم بدون أدنى شك. لقد ورثنا من الأجيال السابقة الخنوع والرضى بالحال دون أي وعي يتفتق حول سؤال مشروعية الحكم الاستبدادي أو لماذا لم لا تتم المطالبة بمحاسبته أي مسؤول؟


رابعاً: أثار متعددة لا تحصى:
آثار الاستبداد لا تحصى، فالتعليم على سبيل المثال يمحى أثره في ظل وجود نظام استبدادي، فالتعليم كعملية تربوية تعليمية تتحول إلى عملية تدجين للطلاب وغرس تصورات وقيم لصالح الطاغية لا للصالح العام ولا حتى للصالح الخاص للفرد. فأفراد مجتمع الاستبداد حتى وإن كان بعظهم يحمل درجة عليا فهي في الحقيقة لا تعني شيء في ميزان العلم، فهذه الشهادة والدرجة العلمية مجرد ورقة ومرحلة تخللتها عمليات من التشويه والقطع والبتر في المعالجات المعرفية. لأن صانع القرار جاهل فهو يريد تعليماً على مستوى عقله ولديه أزمه نفسيه مع المتعلمين الحقيقين الذين يحملون أفكار مختلفة عنه ومخالفه له. وكذلك مشرفو العملية التعلمية يخشون التورط في ممارسة علمية نقدية تورطهم مع الطاغية. لهذا تبقى المؤسسات التعليمية مفرغه من العلم لكن تقوم بدور تعبوي لدعم هذا الطاغية.

أخيراً، أثار الاستبداد في حياة الناس كأثر نيزك ضرب الأرض، يبصره الجميع ويشعر به كل من كان لديه ذره من الحواس، إلا الميت فهو لن يشعر بهذه الاثار، فهو جثه هامدة خرجت منها الروح وتنتظر التحلل والذوبان في الأرض. إن مجرد الإحساس بألم وجود الاستبداد هو مؤشر على صحة الضمير ووجود أحساس أخلاقي لدى الإنسان. التخلص من الاستبداد هو عملية تبدأ من الذات، من النظرة للنفس حول تساؤلات نفسيه مشروعه حول العلاقة بين الانسان وفرد أخر يعتقد أنه له الحق في تسير عباد الله في اتجاه هو يراه دون أن يكون للأخرين حق في الحديث حوله. من ينزع قيمة السلطان والطاغية من نفسه هو أمير نفسه وحر في أرضه، حتى لو كان خلف قبضان من الحديد. الحرية هي الرغبة المستمرة في أن لا يكون الإنسان عبداً يكون مصيره بيد شخص أو نظام. لقد خلقنا الله أحرار وسوف نموت أحرار.