مقالات

مقاومة التطبيع ضرورة

الكاتب/ة عبدالله الجريوي | تاريخ النشر:2021-05-10

قبل أن ابدأ في الحديث عن المحاور ولماذا يجب علينا مقاومة التطبيع، أود أن أوضح بشكل سريع ومختصر كيف نشير إلى حدث ما باعتباره ”تطبيع“، ليتضح لنا هل السلطات السعودية قد طبعت مع الكيان الصهيوني أم لا، لننطلق من خلالها كيف نقاوم التطبيع.

البعض قد يشير إلى أن التطبيع هو ”الاعتراف الرسمي“ وتبادل السفراء، أي: إذا كانت هناك سفارة صهيونية في الدولة، فهذا يعني أنها مطبعة. ولكن في الحقيقة، الاعتراف الرسمي هو نتيجة لممارسات تطبيعية تسبق هذا الاعتراف، أي هو تحصيلٌ لحاصل (وهذا ما وضحه الكاتب موسى السادة في مناظرته مع الكاتب سلطان العامر بعنوان ”هل السعودية دولة مطبعة“)، فلا يمكن أن يكون هناك إعتراف رسمي دون أن تسبقه حزمة من الممارسات التي لا يمكن وصفها إلا على أنها تطبيع.

ولنا هنا أمثلة في مشاركتها في ورشة البحرين، وفتح المجال الجوي السعودي لعبور طائرات الكيان الصهيوني، والتنسيق الأمني وشراء برامج التجسس، وغيرها الكثير من الممارسات الداخلة ضمن التعامل معه ككيان طبيعي، فالاعتراف هو إشهار لهذا التطبيع، وهو النتيجة الحتمية لذلك، وبناءًا على هذا أستطيع القول أن السلطة السعودية هي مطبعة، ويجب علينا أن نقاوم هذا التطبيع.

لماذا نقاوم التطبيع؟

مبدئيًا، فإن التيار ”القومي السعودي“ المستحدث يحاول أن يسوّق لفكرة أن ”إسرائيل“ لا تشكل خطر علينا، متناسيًّا أن هذا الكيان يشكل خطر مباشر على كلٍّ منا كمواطنين سعوديين، فهذا الكيان الاستعماري الاحتلالي الاستيطاني قام على التهجير والاستيطان وآخذٌ في الاتساع حتى يومنا هذا، فلا ننسى أنه لا يستعمر فقط الأراضي الفلسطينية فقط، بل من الأراضي السورية (الجولان) ما هو باقٍ تحت سطوته، ويحاول تغيير تركيبته الديمغرافية بجلب المستوطنين الجدد، وبناء المستوطنات على مزارع السوريين وأراضيهم.

لكن هذا التيار ”القومي السعودي“ الحديث، ومع اختلافنا مع منطلقاته أساسًا، يحاول أن يختزل الوطن في السلطة، فحليفُ السلطة (الكيان الصهيوني) بالنسبة له حليفنا، ويحتجون بأننا (أي السلطة) مستفيدة من هذا التطبيع دون اكتراثٍ لأثر استفادة السلطات هذه علينا كشعوب، وقد رأينا في الإمارات (وقبلها مصر والأردن) ما جنى الشعب من هذا التطبيع؛ فأقل ”منافعه“ ضررًا كان استيراد المنتجات الزراعية (المغتصبة والمنهوبة) التي لا يحتاجها الإماراتيون أساسًا.

لكن، لنسأل ما المنافع التي تجنيها السلطة السعودية من هذا التطبيع؟

حقيةً، إن السعودية ليست بحاجة لإشهار تطبيعها بعد فهي منتفعة منه دون سفارة أو تبادل سفراء، فقد استعانت بالبرمجيات التجسسية الصهيونية للتجسس على المواطنين واصطيادهم واعتقالهم، ناهيك عن التعاون الاستخباراتي بينها والاحتلال، الذي يصب في مصلحة الأخير في سعيه لمحاربة المقاومة الفلسطينية، ويصب في مصلحة السلطة في تعزيز قدرتها الرقابية على المواطنين وخنق الفضاء العام وانتهاك الخصوصيات وتكميم الأفواه، ما يعزز قدرتها على انتهاك حقوقنا وكرامتنا، وتكبيلنا لمنعنا عن المشاركة في هذا النضال التحرري في مواجهة الاستعمار.

في وجه علاقة الانتفاع المتبادل بين الاستبداد والاحتلال، كيف نقاومهما رغم ما نواجه من تنكيل وقمع؟

علينا أن نفهم ماهية الوسائل المتاحة لمقاومته، ففي الخليج عمومًا يوجد تفاوت في الوسائل المتاحة بين دولة وأخرى، فالشعب في السعودية لا يملك أي سيادة على قراره السياسي، ولا يتاح لنا تأسيس الجمعيات والمؤسسات، أو التنظيم المستقل لمقاومته، بل والسلطات تستهدف مناهضي التطبيع، ولست أعني هنا الدندنة الفارغة بالقضية، وهذا من واجب الكل تجاه كل القضايا العادلة، فواجبنا تجاه قضيتنا يبتدأ بمواجهة التطبيع والمطبع، وهذا ما تخشى منه السلطات، أي: هي تخشى استردادنا قرارنا السياسي.

مقاومتنا تبدأ بتعزيز قيم الحقوق وروح التضامن في أنفسنا ولدى أطفالنا ومن حولنا، وأن ندافع عن هذه الحقوق لأن الحقوق لا تتجزأ، وألا نحد هذا الدفاع بأي حدود سياسيةٍ كانت أم جغرافية أم عقائدية أم طبقية، أي: أن يكون المعيار هو الإنسان، أو كما قالها غسان كنفاني: ”إن الإنسان هو في الحقيقة قضية“، وثانيًا: لا يفيدنا هنا التعويل على أي نخبة، سواءً كانت ”أهل العلم“ أو ”المثقفين“، بل أن ننظر للعمل كفرض عين لا نستهين به ولا نوكل أحدًا لينوب عنا فيه، لنستخدم كل ما نملك من وسائل، وثالثًا: علينا التزام الحذر والحيطة لتجنب عين السلطة، ورابعًا: علينا أن نقاوم تشويه اللغة ومعانيها، مثل اختطاف كلمة ”السلام“ وجعلها عنوانًا للانهزامية والتخاذل، فوجود المحتل يناقض السلام، والسلام الفعلي هو إلغاء الاحتلال، وأما تكريس وجوده فلا يعني إلا إعطاءه الأحقية في أن يتوسع على حساب دمائنا.

وختامًا، علينا ألا نكتفي بالعمل داخل حدود بلداننا، بل السعي نحو التعاون، وليس فقط لمقاومة التطبيع بل حتى في حماية النشطاء وحراك من أجلهم، وترميم علاقة الشعوب وتجاوز الحواجز التي وضعتها السلطات بيننا وبين الفلسطينيين، فهم الأكثر درايه بهذا الكيان ووسائله وطرق مواجهته، فكما أن الاحتلال وأنظمة الاستبداد يتعاونون ليشنوا الحرب علينا، علينا نحن كذلك أن نتعاون ونقوي علاقاتنا على مستوى الأفراد والمؤسسات بما نحفظ فيه حقوقنا وأمننا وأرضنا من أي جهة تسعى لسلب حق الشعوب.