عندما خرجت من السجن سبحت متأملاً حالي وحال من حولي ..لقد تغير كل شيء، تغير علي وجه المدينة.. لم أعرفها، تغير عليّ وجه المنطقة بأكملها، تغيرت عليّ وجوه الناس إلى درجة أنني لم أتعرف عليهم إلا بصعوبة..أنا لا أُبالغ..ما زلت أتوه في شوارع الرياض، لكن ما هو أكثر أهمية لدي هم الناس، أريد أن أهدي هذا التأمل لكل رفقاء السجن والنضال، الذين ضحوا بالكثير من أجل وطن يطمحون أن يكون الأفضل بين الأوطان.
وجدت الناس خمسة أنواع: "محبون، معاتبون، منافقون، مرعوبون، ممجدون"
1-المحبون:هم أولئك الناس الذين يحبونك لذاتك مهما كانت أفكارك وموافقك السياسية وأرائك الدينية تهمهم أنت لذاتك، أحبوا جوهرك وتركوا مظهرك، هؤلاء تمسّك بهم بأظافرك وعض عليهم بالنواجذ، فهم بلسمك الشافي وغذاؤك الكافي وحضنك الدافئ.
2-المعاتبون: هم أولئك الذين ترتجف قلوبهم خوفاً عليك هم غالباً يؤيدون ما تحمل من أفكار و ما تؤمن به من مبادئ لكنهم يخافون عليك من بطش نظام طاغي يبطش بكل حر يريد أن يقلم أضافره ويحجم من سلطاته المطلقة التي جعلت منه إله يعبد من دون الله لا يسأل عما يفعل وهم يُسألون..يريدون أن تتركه وتعيش حياتك بينهم محبة فيك وخوفاً عليك، هؤلاء مثل سابقيهم مخلصون صادقون احذر أن تفرط بهم فهم ذخيرتك إذا جفاك قريب أو خانك صديق.
3-المنافقون: هم أولئك الذين يهمهم أن يتعرفوا على التغيرات التي طرأت عليك، هل انهزمت فيشتمون أم أنت ثابت فيغتاضون، قلوبهم ملئت حقدا وعداوة لا يريدون أن تلمح عينهم إنساناً حرا مثلك..أنت تذكرهم بعبوديتهم وخنوعهم ونفاقهم، يكرهون رؤيتك لذلك، ولولا أن الظروف تجبرهم عليها لتمنوا ألا يشاهدوك حتى في أحلامهم، هم يظهرون حبك و ودك وهم ألد الخصوم وأشدهم حقدا، لكن لا توضح لهم أنك تعرفهم دعهم في غيهم يعمهون فلعله يأتِ يوم فيرتدعون.
4- المرعوبون: هم أولئك الذين يرعبهم الاقتراب منك بسبب وساوسهم الأمنية وخوفهم من المباحث السياسية، إذا قابلوك يتلفتون حتى يصلون إلى بيوتهم كأن على رؤسهم الطير، ترتجف أقدامهم وترتعد فرائصهم، يعكسون لك حجم الرعب الذي يسببه هذا الجهاز الأمني في قلوب شريحة كبيرة جداً من الناس، ما يشعرك بأهمية نضالك وأن هذا الواقع يجب أن يتغير، أصبحوا يتوارثون الخوف في جيناتهم يورثونه لأبنائهم حتى وهم في بيوتهم إذا تحدثت في السياسة وجلت قلوبهم، وزاغت أبصارهم..أي مأساة أكبر من هذه! ثم يأتِ من يلومك إذا تصديت لهذا الذل وهذا العار.
5- الممجدون: يغلب على هذا الصنف من الناس العاطفة القوية حيث تحركهم دوافع شتى اجتماعية واقتصادية ونفسية وسياسية، احذر أن يدفعك تمجيدهم بأن تنحرف لعمل من أجل إرضائهم، وتحيد عن موقفاً عقلاني إلى موقفاً عاطفي من أجلهم وعليك أن تحاول أن تغير مواقفهم من الدوافع الشخصية الضيقة إلى المصلحة الجماعية السامية، لم يقتل هذه الأمة إلا الأنانية المفرطة.
في النهاية: احذر أن تعاتب أحداً على شيء في نفسك، اعذر كل حبيب تخلى أو ابناً أو بنتاً واجهوك بالجفوة والصدود والعقوق أو قريباً ابتعد وخان عهدك، فهم تحت ضغط الجهل وتأثير المجتمع وقفوا موقفاً سلبي تجاهك رغم أنهم يجنون ثمار نضالك الآن وفي المستقبل، فوالله إنهم لمعذورون وكثيراً منهم لم يقصرون وقدموا لك الكثير في حياتك فحاول أن تتأمل ذلك فتشكره.يكفيك حب من يحبك ولن تكون أفضل حالاً من الرسل والأنبياء وأنت تعلم أن ما أصابهم لم يصبك منه إلا القليل..أنت أكبر من أن تعاتب، فقد عرفت الوضع وخبرته..طريقنا صعب، صعب جداً ومن المستحيل أن يسلكه كل من تمنيت رفقته، يكفيك شرف النضال فهو شرف فوق كل شرف. " وما يُلقاها إلا الذين صبروا وما يُلقاها إلا ذو حظ عظيم"