تساوي الناس أمام القضاء تعني بتطبيق القانون على الجميع دون محاباة لأحد، ولا تمييز لفرد على آخر، وخضوع الناس جميعًا أمام القضاء يشيع في النفوس الاطمئنان على حقوقهم، ويحسسهم بفائدة الدولة، فيحرصون على بقائها، والدفاع عنها، وإذا خرقت الدولة العدالة، وطبق القانون على الضعيف دون القوي، وصار الحق للأقوياء، لا للمحقين، والكلمة الفصل للقوة المادية لا القانون، أحست النفوس بالخيبة، وضعف الولاء للدولة، ولا يهم الناس بقاؤها أو هلاكها، ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، وإن الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام.
إن ضوابط التقاضي في بلادنا تحكم في مزاجية الحاكم وهواه، ولهذا يتبين أن كثيرًا من المحاكم التي تقام لمحاكمة الناس باطلة غير شرعية، كمحاكم المباحث والمخابرات التي لا تتوافر في قضاتها ولا نظامها الشروط الشرعية للقضاء، فالقضاء لابد أن يكون مستقلًا عن هوى الحكومة.
إن من أعجب العجب أن تجد الأمر معكوسًا، أن تجد رجال المباحث والمخابرات، من مَن ليست لهم أهلية قضائية شرعية، وهم يحققون ويسجنون ويؤذون أهل العلم والرأي والدعوة السلمية والإصلاح، يأخذون عليهم والاعترافات والتعهدات، وتجد أن القضايا التي تحال إلى القضاء إنما تحال وفق هوى الحاكم وإن شاء حفظها وكتمها. وهذا يعد اعتداء سافر وصارخ على حقوق الإنسان. ومن هذه المنطلق يجب أن تكون المحاكمة علنية، فلا يجوز أن تكون المحاكمة السرية، لأن سريتها تجعل جانب العدالة معدومًا.
يقول بيان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: “لكل إنسان الحق على قدم المساواة مع الآخرين في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة”. إن الذين يمسون المتهمين بشيء من العذاب والأذى، قد تجاوزوا نصوص الدين الصريحة وأوقعهم الهوى في التأويل الفاسد والتماس الطرق الضيقة، و ما أبعد هؤلاء عن شرع الله، وهم يضربون الناس ليلًا ويقيمون عليهم العذابات النفسية والجسدية، ويقودونهم صباحًا للقضاء ليعترفوا بما لم يفعلوا.
لا يحبس الإنسان ولا يتعرض للتعذيب ولا يعامل بوحشية، وهذا المبدأ الإسلامي الفريد الذي أوجبه على الحيوان فكيف بالإنسان! كما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: “عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لا هي اطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض”. هذا حال السجون في بلادي وهذا حال أهل الإصلاح والرأي في المعتقلات.